مع حلول شهر رمضان الكريم الذي يوافق أشهر الصيف الحارة، يستعيد الأحسائيون ذكرياتهم مع عيون طالما اعتادوا ممارسة السباحة فيها قبل الإفطار هرباً من حرارة الصيف، لكنَّ كثيراً منها غار ماؤها، وصارت أثراً بعد عين، وتحولت الآن إلى مكب نفايات وملاذ للحيوانات. والسباحة في رمضان عادة أحسائية قديمة دأب عليها الرجال والصبية في محافظة تضم أكثر من 280 عيناً كانت مياهها تتدفق بشكل طبيعي، أبرزها: الخدود، وأم سبعة، ونجم، والجوهرية، والبحرية، وبرابر، والحويرات، وكانت تلك العيون محط اهتمام السكان، وبعضهم يلجأ إليها لأغراض علاجية، مثل عين نجم التي تمتاز بمياهها الكبريتية. وكان الأطفال والشبان يقيمون سباقات داخل تلك العيون، وتقام فيها الأعراس، وتدق الطبول والعرضات، واعتاد أهل الأحساء أخذ العريس للاستحمام فيها، ليبدو وكأنه مهرجاناً استحمامياً يتكرر في كل عرس. والعيون عبارة عن حوض ضخم، بعضها كان ساخناً مثل الحارة، وأم سبعة، والخدود، ومنها الباردة مثل عيون بني معن، ومنها الحارق مثل نجم والتي كان يفد إليها الناس من خارج المملكة للاستشفاء من الأمراض الجلدية والحساسية. وكانت الأحساء تضم عيوناً مخصصة للنساء اعتدن الذهاب إليها برفقة أطفالهن للاستحمام، لكن أكثر تلك العيون نضبت وجف ماؤها بعدما كانت فوّارة، فهجر الكثيرون السباحة الرمضانية، فيما لا تزال عيون قليلة جداً تعمل بالمضخات ولكنها تنتظر المصير نفسه بعد انخفاض منسوب المياه فيها. وتكاد هواية السباحة في العيون تختفي في الأحساء، بسبب التطور التقني، وظهور رياضات أخرى واهتمامات أصبحت معها «السباحة» ثانوية، إذ هجر الناس علاج الأمراض الجلدية والحساسية بالمياه الكبريتية إلى المستشفيات. ويحمّل أصحاب مزارع مسؤولية جفاف العيون إلى كثرة حفر الآبار الخاصة لري المزارع، وعدم الالتزام بضوابط استخراج المياه الجوفية، وهو ما أدى إلى شح المياه، وزاد منها قلة الأمطار. وقال جعفر سلطان في مقطع مصور إن «غالبية عيون الأحساء انتقلت إلى رحمة الله، بعدما كانت فوّارة وتتدفق مياهها لتروي المناطق المحيطة بها»، موضحاً أن عيون برابر، وثعالب، وأم الليف وما يجاورها نضبت وهجرها الناس، وأصبحت مكباً للنفايات والقمامة ومأوى للكلاب، بعدما تغنى الشعراء بها قديماً، فيما لا تزال بعض العيون مثل اللويمي تعمل، لكن بالمضخات وبطاقة أقل، لكنها في طريقها إلى النضوب أيضاً. وأوضح سلطان أن الرجال كانوا يقدمون إلى عيون بني معن من مسافات طويلة، وبعضها كانت ترتاده النساء، مثل المشيطية، متسائلاً عن «أسباب نضوب تلك العيون، ومتى يتغير واقعها المأسوي لتعود مياهها؟». وتساءل مغردون عن المتسبب في جفاف عيون الأحساء، فيما أكد أستاذ المناخ المشارك في جامعة القصيم الدكتور عبدالله المسند أن بعض الاختبارات كشفت أن مستوى الماء الجوفي غار إلى مستويات مخيفة (160 متراً منذ العام 1970)، وحمّل المسؤولية جهات عدة.