اندثرت غالبية صالات المزادات لمصلحة انتشار غاليريات تبيع اللوحات وقطع الديكور والأثاث بأسعار ثابتة. لكن صالة «أوزوريس» في وسط القاهرة لا تزال صامدة وتنظم مزادادت تعرض فيها قطعاً تنتمي إلى عصور مضت وتحمل عبقها، «ليس بهدف الحصول على سعر أعلى ولكن من أجل التأكد أن تلك القطع ستقع في أيادٍ أمينة»، وفق المدير الحالي لصالة المزاد الأقدم فؤاد صديق (80 سنة). أسس الصالة الإنكليزي جورج ليفي عام 1900، وخلال فترة الثلاثينات من القرن العشرين عمل معه فؤاد صديق قلتة خبير تثمين التحف، وهو تولى الإشراف على الصالة عقب ثورة تموز (يوليو) 1952 إثر خلاف بين مجلس قيادة الثورة ومؤسس الصالة لبيع الأخير مقتنيات من القصور الملكية في مزاداته، وهنا قرر مجلس الثورة فرض الحراسة على ليفي ونقل الإشراف على صالته أوزوريس إلى قلتة التي ورثها عنه أبناؤه وأحدهم المشرف الحالي على الصالة. يقول صديق ل «الحياة»: «أتقنت تقييم التحف والتعامل معها خلال عملي الطويل في الصالة ومشاهدتي للمزادات، فعملت مع أخي الأكبر شكري الذي تولى مسؤولية الصالة عقب وفاة والدي، وبوفاته (شكري) توليت مسؤولية أوزوريس. تغير موقع الصالة مرارًا حتى استقرت في مقرها الحالي في شارع شريف، وسط القاهرة». وعن معايير تقييم القطع التي يُفتح عليها أي مزاد يوضح: «قطع الذهب والفضة لا بد ألا يقل ثمنها عن وزنها، وبالنسبة الى القطع الأخرى هناك معايير خاصة بتاريخ القطعة وأصلها. كما يتم الاتفاق بيني وبين صاحبها على سعر مناسب من دون مبالغة وبما يضمن عدم ظلمه»، مشيراً في الوقت ذاته إلى بيع بعض القطع أحياناً بأقل مما تستحق، ومنها غرفة سفرة الأميرة فوزية، أخت الملك فاروق، التي بيعت بمبلغ 95 ألف جنيه لإحدى الشخصيات العربية «لكنني كنت أشعر بالحسرة لأنها تستحق أضعاف هذا المبلغ نظراً إلى قيمتها التاريخية». يرفض صديق بيع أي قطعة خارج المزادات: «أوزوريس ليست قاعة لبيع التحف والأنتيكات. لو كنت أسعى إلى الربح لتحولت عن هذا المجال، لكنني أعمل وفق رسالة إنسانية وطنية مفادها حماية التراث وصيانته؟ لا يهمني البيع بقدر ما يهمني الاطمئنان على وجود القطعة المباعة في أيد أمينة». وهنا تجدر الإشارة إلى أن صديق لا يملك القطع التي يعرضها بل يعد دوره وسيطاً بين البائع الذي يودع القطع في صالة المزاد والمشتري. يقف صديق أمام مقتنيات من العصور الملكية في القاعة متذكراً تلك الفترة الأكثر رواجاً في عمل المزادات والأكثر زخماً بالشخصيات المهتمة بهذا العالم، مشيراً إلى أن الملك فاروق كان من بين زواره ومعه باشوات وعلية القوم في ذلك العصر، ومتحسراً على أحوال المزادات حالياً «بعدما تسلل إليها دخلاء ليست لديهم الخبرة الكافية في تثمين القطع الفنية». وقد تنوّع رواد «أوزوريس»على مر العصور، بداية من شخصيات سياسية مثل رئيس حزب الوفد فؤاد سراج الدين، مروراً ببعض الفنانين أمثال المخرج كمال الشيخ الذي كوّن محتويات بيته من مزادات «أوزوريس». وتزخر القاعة اليوم بقطع ثمينة منها مكتب مشرفها المصنوع من خشب البلوط ويبلغ عمره 150 سنة، إضافة إلى نجفة ضخمة أثرية متدلية من السقف يبلغ عمرها عشرات السنين ثمنها نحو 15 ألف جنيه مصري (ما يعادل 800 دولار).