أفادت مصادر مغربية مطلعة بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيدفع الرباط لاحقاً إلى طلب إطلاق مفاوضات لإنشاء منطقة تجارية حرة مع المملكة المتحدة، على غرار تلك الموقعة مع الولاياتالمتحدة وتركيا ودول أخرى، بهدف تجاوز الصعوبات القانونية التي ستخلفها مغادرة مؤسسات الاتحاد. وتعتبر بريطانيا الشريك التجاري السابع والمزود ال15 للمغرب والخامس أوروبياً بعد فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، بنحو بليوني جنيه (2.47 بليون دولار) سنوياً. وأشارت المصادر إلى أن بنود اتفاق الشراكة الأوروبية والوضع التجاري المميز الذي يتمتع به المغرب داخل الاتحاد، لن تعمل به بريطانيا بعد مغادرتها الاتحاد في المرحلة المقبلة، ما يُحتّم على المغرب التوصل إلى اتفاق تجاري جديد. وأشارت الغرفة التجارية البريطانية في الدار البيضاء إلى أن المغرب يمثل فرصاً هائلة للشركات البريطانية الراغبة في العمل في المنطقة العربية، والتوسع جنوباً في أفريقيا جنوب الصحراء في سوق تتجاوز 1.2 بليون نسمة وتتمتع بمعدلات نمو مرتفعة. واعتبرت أن المغرب من بين الدول العربية الأكثر استقراراً وتطوراً في المجالات الاقتصادية والقانونية في المنطقة، وحقق حضوراً كبيراً داخل القارة بعد عودته إلى الاتحاد الأفريقي. وأعلنت الغرفة أن الوضع الجغرافي الإستراتيجي للمغرب والكلفة التنافسية للأعمال والاستقرار السياسي والماكرو اقتصادي، واتساع الطبقات الوسطى والبنية التحتية الجيدة، كلها عناصر مشجعة للشركات البريطانية لتوسيع مشاريعها في المغرب، والاستفادة من انفتاحه الأفريقي وارتباطه الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي. ويعتبر المغرب المستثمر الأول في غرب أفريقيا والثاني في القارة، باستثمارات تجاوزت 11 بليون دولار. وكانت الصادرات الصناعية المغربية تضررت من انخفاض سعر صرف الجنيه في السوق البريطانية، خصوصاً قطاع صناعة الملابس والمنتجات الغذائية التي تمثل نحو نصف الصادرات المغربية إلى المملكة المتحدة. وقال مصدرون إن نحو 150 مصنع ملابس يعمل لحساب السوق البريطانية، وهناك 30 ألف شخص يعملون لحساب شركات محلية تتعامل مع شركات بريطانية. ويصدر المغرب أيضاً أجزاء السيارات وقطع غيار الطائرات وتكنولوجيات الاتصالات والألياف البصرية والمواد الزراعية والبحرية والصناعات اليدوية التقليدية والتحف. وكانت شركة «بومبارديه» الكندية لصناعة الطائرات نقلت بعض مصانعها من ارلندا إلى المغرب لتطوير مشاريعها في الدار البيضاء. وابتعدت الرباط أخيراً عن الاتحاد الأوروبي نحو القارة السمراء، التي تملك فيها مشاريع ضخمة تثير شهية الجانب الأوروبي. وترى المصادر أن المشاكل السياسية في القارة الأوروبية ستعيق النمو خلال الفترة المقبلة، وتقلص الدعم الخارجي وتعزز معاداة الأجانب. وستشهد 5 دول أوروبية انتخابات برلمانية أو رئاسية خلال الشهور المقبلة، بينما عززت موافقة البرلمان البريطاني على إطلاق مسلسل الطلاق الأوروبي التصدع داخل الاتحاد. وعلى رغم الطابع العدواني لبعض الجماعات السياسية ضد المهاجرين، الذي من بينهم نحو 5 ملايين شخص من أصول مغربية، فإن الرباط باتت أقل رهاناً على التطور الاقتصادي الأوروبي، بعدما استحوذت الشركات المغربية على قطاع المصارف والتمويلات والاتصالات والنقل الجوي والفوسفات والزراعة في أفريقيا. ويستعد المغرب ونيجيريا لإطلاق المراحل الأولى من مشروع بناء أنبوب للغاز الطبيعي، الذي تراوح قيمته بين 25 و35 بليون دولار، ويمتد على طول الساحل الأطلسي على مسافة 6 آلاف كلم داخل دول غرب أفريقيا، ما يمكنها من تطوير إنتاج الكهرباء التي يشهد نقصاً كبيراً. ولا تخفي الرباط رغبتها في إشراك الشركات البريطانية في بعض مشاريعها الأفريقية، ومنها في قطاع الطاقة والتمويلات وأسواق المال، التي تتمتع فيها بخبرة كبيرة. وتنقب شركات بريطانية عن النفط والغاز في عدد من مناطق المغرب، منها آبار تندرارة قرب الحدود الجزائرية، حيث يجري الحديث عن اكتشافات مهمة قامت بها شركة «ساوند إنرجي» المسجلة في بورصة لندن. وبقدر ميل الشركات المغربية إلى الاستفادة من نتائج الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وزيادة حصتها من السوق وجلب الاستثمارات، فإن لندن قد ترى في قرب المغرب من جبل طارق ورقة توازن في علاقتها مع اسبانياوفرنسا في ملفات اقتصادية عدة، منها الصيد البحري وخلافها مع مدريد، ورغبتها في مزاحمة فرنسا في شمال وغرب أفريقيا حيث النفوذ الفرانكفوني الكبير لباريس، واللوبي الفرنسي في دائرة القرار المغاربي والأفريقي.