أمير القصيم يستقبل محافظ ضرية ويتسلّم تقريري مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس    إطلاق شركة "تسامى" كمزودٍ لخدمات الأعمال عالمية المستوى في المملكة    استكمالا لتوسعها في المبادرات الرقمية: تكافل الراجحي" تطلق "سلامتي"    جمعية البر الخيرية بالنويعمة توزّع لحوم وتمور على أكثر من 1500 مستفيد    "زين السعودية" تتعاون مع "سيسكو" لتطوير بنية تحتية متقدمة مرتكزة إلى الذكاء الاصطناعي    اطلاق المرحلة الثانية من "تحدي الابتكار للاستدامة" من بوسطن    السعودية الأولى عالميًا كأعلى وجهة في نسبة نمو إيرادات السيّاح الدوليين    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي لنقطة توزيع مياه    أمير الشرقية يستقبل سفير جمهورية جورجيا لدى المملكة    ورشة عمل وصالون ثقافي في مكتبة الملك عبدالعزيز احتفاء ب"عام الحرف 2025"    موعد مباراة سان جيرمان وتشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    كوكب زحل يصل اليوم إلى نقطة الثبات    القيادة تهنئ رئيس الجبل الأسود بذكرى اليوم الوطني لبلاده    جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تحصل على اعتماد أكاديمي فرنسي    وكالات أممية: نقص الوقود في غزة بلغ مستويات حرجة ويهدد بانهيار شامل    رئيس الوزراء الأسترالي يبدأ زيارة إلى الصين    «اليونسكو» تدرج نقوش موروجوغا الصخرية الأسترالية ضمن قائمة التراث العالمي    الأرصاد: رياح على 5 مناطق و طقس حار في الشرقية    الياباني GO1 يتوّج بلقب FATAL FURY City of the Wolves    ضمن منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق "Team Redline" البريطاني يتوج ببطولة"Rennsport"    «أوبك»: 18.5 % نمو طلب النفط عام 2050    الزعيم يسابق الزمن لحسم صفقة" كين"    النصر يخطط لمبادلة لابورت بالأمريكي بوليسيتش    دمج «قسد» ضمن الدولة قيد البحث.. لا" تخطيط أمريكي" لبقاء القوات في سوريا    مبعوث ترمب في طريقه إلى كييف.. أوكرانيا تؤكد استئناف الإمدادات العسكرية من واشنطن وأوروبا    وسط تصاعد التحذيرات الدولية.. إدانة أممية لعرقلة الحوثي جهود إنقاذ البحارة المفقودين    ضبط 21058 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة    الغبار الإفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    ضبط 20 ألف قرص مخدر والإطاحة بعدة مروجين    باحث: دخول نجم سهيل 24 أغسطس المقبل    الأمن العام يوضح خطوات الإبلاغ عن الاحتيال المالي    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    صورة مميزة لمونرو تباع بمزاد    568 مبتعثا ثقافيا للخارج والأولوية للبكالوريوس    فيلمي القادم سيصور بالرياض.. الفنان أحمد السقا ل"البلاد": الهلال شرف العرب في كأس العالم    رنا جبران تجسد الأمومة الجريحة في مسلسل"أمي"    «الشؤون الإسلامية» تعزز نشر المنهج الوسطي بالمالديف    تعديل جيني بديلا لأبر التنحيف    قطة تكتشف سلالة فيروسية نادرة    الدماغ لا يتوقف عن النمو    الإفراط في تناول دواء شائع يسرع شيخوخة كبار السن    «الصحة» تقدم 7 إرشادات لتجنب ضربة الشمس    المدخلي رأس خصوم الإخوان    نائب أمير الرياض يشرف حفل السفارة الفرنسية.. ويطّلع على جهود "الأمر بالمعروف"    خطيب المسجد الحرام: تلطفوا بعباد الله وأحسنوا إليهم    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    جدة تستضيف الجولة الرابعة من بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة F1H2O    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الفارس"المبطي"يحقق المركز الثاني في بطولة ڤالكينزڤارد بهولندا    Bitcoin تسجل أعلى مستوياتها في 2025    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد منظومة الدفاع الجوي «ثاد»    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على جهود لجنة مراقبة عقارات الدولة وإزالة التعديات بالمنطقة    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير العدل: أحكامنا القضائية في عهدة رجال جمع الله لهم بين القوة والأمانة
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 2010

طمأن وزير العدل الشيخ الدكتور محمد العيسى جماهير المتابعين لملف القضاء، بأن الأحكام القضائية، في عهدة رجال «جمع الله لهم بين القوة والأمانة»، في إشارة إلى الآية القرآنية، التي نصت على الفضيلتين بقولها «إن خير من استأجرت القوي الأمين». وأكد العيسى في وقت يدور فيه جدل عميق بين المهتمين بشأن تنظيم الصلاحية القضائية، أهمية ضبط الأحكام القضائية على نحو يبهر قارئ الحكم، ولا يترك فيه ثغرة قانونية. واستدعى مسألة ضبط الفتوى التي كانت لتوها صدر بها قرار ملكي، وألمح إلى ضرورة تنظيم مماثل للشأن القضائي، بالإشارة إلى أنه «إذا كانت الحاجة بضبط الفتوى ملحة، فهي في الأحكام القضائية أكثر إلحاحاً وحاجة».
جاء ذلك في افتتاحيته للعدد الأخير من مجلة «العدل»، الذي تصدرها وزارته بشكل دوري، حملت عنوان «الحكم القضائي». في ما يأتي نصها.
قَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى قِيَادَةِ المَمْلَكَةِ العَرَبيَّةِ السُّعُوديَّة بتحكيم شَرْعِهِ، وإنفاذِ حُكْمِهِ، عَلَى الصَّغير والكَبير، والضَّعيف والقَويّ، لا تَأْخُذُها في ذَلِكَ لَوْمَةُ لائمٍ، عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاء، تَأسَّسَ عَلَيْهَا كَيَانُهَا، وَتَرَسَّخَتْ أَرْكَاْنُهَا، وَاعْتَزَّ بِهَا وُلاةُ أَمْرِهَا، لا يُرِيْدُوْنَ عَلَى ذَلِكَ جَزَاْءً وَلا شُكُوْرَاً، إلاَّ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ.
فَقَاْمَتْ صُرُوْحُ العَدَالَةِ بكفاءاتها الشَّرْعِيَّةِ خيرَ قيام، امتداداً ميموناً لتاريخ أمّتنا الحافل بمَشْهَدِهِ المُضِيءِ، وَسِجلِّهِ المُشَرِّف، مُسْتَهْدِيَةً مَوْلاها الحَقَّ القائل: {وتمَّتْ كَلِمَةُ ربِّك صِدْقاً وَعَدْلاً}، تسيرُ في أداء وظيفتها الشرعية على هَدْي من كتاب ربها الكريم، وسنة نبيها الأمين (صلى الله عليه وسلم)، فأضافتْ لسير أعلام الأمَّةِ فَصْلاً مُهِمَّاً في تَرَاجم رِجَاْلٍ صَدَقُوا ما عاهدوا اللهَ عَلَيه، فمنهم من قَضَى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ،
وما بدَّلُوا تَبْدِيْلاً.
إن أحكامَنا القضائيَّة في عُهْدَةِ رجَالٍ جَمَعَ اللهُ لَهُمْ بين القُوَّةِ والأَمَانَةِ، تَسيرُ بخُطَىً واثقة على بَيِّنَةٍ من ربِّها، تَنصرُ المظلوم، وتغيث الملهوف، وتضعُ الأمورَ في نِصَابِهَا، في سياق مُسْتَنِيْرٍ، تَتَجَلَّى فيه قُدْرَةُ الكَفَاءاتِ الشَّرعيةَِ على اضْطِلاعِهِا بمُهِمَّاتِهَا القَضَائيَّة عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، يقابل هذا تخرُّصَاتٌ وَظُنُونٌ، مرفوضة في مصادرها، ركيكة في مبانيها ومعانيها، ضلت عن مَعْقد الحق، ومناط العدالة، تلوح في الأفق كالفجر الكاذب، وَكَسَرابٍ بِقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجدْهُ شيئاً، والحمدُ لله الذي هَدَى وَأَرْشَد، ووَفَّق وَسَدَّد.
وَعِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنِ بِنَاْءِ الحُكْمِ القَضَائِيِّ نَذْكُرُ أَرْكَاْنَهُ الثَّلاثَةَ:
الوَقَائِعُ
الأَسْبَاْبُ
المَنْطُوْقُ
و«الوَقَائِعُ» وفي تَصْوِيْبِ البَعْضِ: «الوَاقِعَاتُ» تتضمَّنُ مُجْرَياتِ المُرافعة، من تَقْدِيْم لائِحَةِ الادّعَاءِ «أو قرار الاتهام»، والإجابات والدفوع، حتى قَفْلِ باب المُرَافَعَةِ، وَحَجْزِ القضية للحُكم، ويتعين أن تكون خالية من الحشو والتكرار، ولا تُضمن إلا ما يُفيد، ولا تُختصر بما يعيب، وكتابة الوقائع تُظهر المستوى المهني ل: «محضر القضية» المعني في الأصل بكتابة وقائعها تحت إشراف ناظرها، غَيْرَ أنَّ الفواتَ فيها محسوبٌ على مُصْدِرِ الحكم؛ لنسبته إليه، وبخاصة أن الأعمال التحضيرية تحت إشرافه، وتكتسب في وصفها النهائي اعتمادَهُ، وتُمهر بمَهْرِهِ.
ومن فَوَاتِ كِتَابَةِ الوَقائِع: المَيْلُ ل: «نَسْخ» المُذَكِّرَاتِ مِنْ مَلَفِّ القَضِيَّةِ أو ضَبْطِهِا، وَ «لَصْقها» في وَقَائِعِ إِعْلام حُكْمِهَا، دُوْنَ تَنْقيحِهَا، بمَا يَلُمُّ شتاتَها، ويُحْسِنُ رَصْفَهَا، في عقد منتظم، تجلله أمانة النقل، وحسن التلقي والفهم، وحياد الوصف، وجودة السبك، وإن كان هذا الأخير أكثرَ تجلياً في الأسباب منه في الوقائع، كما سيأتي.
ومن فواتها: تركُ الإشارة إلى اختزال السرد والإطالة، وفرز التداخل بعبارة تشعرُ بتصرف المحكمة في هذا، كنحو: «وبتاريخ كذا قدَّم المدعي / المدعى عليه مذكرة لا تخرج عما جاء في مذكراته السابقة»، أو «وقدَّم دفعاً / دفوعاً لا تخرجُ في مُجْمَلِهَا عن كذا»، ولا يَرِدُ عَلَى هَذَا ضَمَانةُ الرّقابة التَّعَقُّبِيَّة؛ لئلا يَطَالَ المَحْكَمَةَ ملحظٌ، وإن كان مقصدُها حَسَنَاً، وَلَوْ تَأكَّدَتْ السَّلامة بالحكم التَّعَقُّبِيّ بعدَ الطَّعْنِ عَلَى الوَقَائِعِ بالتَّجَاهُل والإغفال .
ومن فواتها: الانسياقُ مع المذكرات في سياقاتٍ لا تُناسب، والمتعين شرعاً ونظاماً حملُ الأطراف من بَدْءِ المُرَافَعَةِ عَلَى آدَابهَا ، وأمرُهُمْ بإزالةِ أو تَعْدِيْلِ كُلِّ ما يُفضِيْ إلى الخُرُوْج عَنْ أَدَب الشَّريعة، وَعَدَمِ قَبُول أيِّ مُذَّكرة أو ترافع شفوي يتضمن إخلالاً بهذه الآداب، بل وتأديب كل من فجر في خصومته، ومن الفجور: الكذبُ، والتدليس، والخروج عن سمت الإسلام، ورسم النظام، في طَلَبِهِ الحُكْمَ بما يَدَّعِيْهِ.
ومن فواتها: تجريدُها من التوثيق بالأرقام والتواريخ، ولاسيما تاريخ قفل باب المرافعة، وحجز القضية للحكم.
ويَتعين أن يُلحظ بأن التراتيب المذكورة، وغيرها مما لم يذكر، إما أن تَحْكُمَهُ نصوصٌ شرعية، أو مواد نظاميَّةٌ، أو تَقْضي به مبادئ المرافعة، إن في نظامها العام، أو استقرار العمل، وهو ما تُنبه له المحكمة الأعلى عند الخروج عن ترتيبه.
والمواد النظامية لا تحكم كافة ما يجب من إجراء، بل إن نصوص الشرع - وهي من الشمول والسعة بما لا يخفى- تركت كثيراً من الفروع، ولذا وضع أهل العلم أدواتهم الشرعية في هذا الكَوْن المُهم: من «القواعد»، و«الأقيسة»، و «المصالح»، وغيرها.
أَمَّا الأَسْبَاْبُ:
فهي مناط الحكم، وعليها مدارُهُ، ولا غرو، فهي مرتكز «قياس الأداء الفني»، في الحكم نفسه، وفي تقويم مَلَكَةِ مصدره، وقياس رصيده العلمي ولو صحت النتيجة ؛ فكثيراً ما يؤخذ على الحكم قصور أو ضعف في التسبيب (الانعدام الجزئي له)، ويُرَدُّ على مُصدره؛ لهذا العيب الإجرائي في توصيفه الشكلي، مع التسليم بسلامة منطوقه الذي يمثل شقه الموضوعي، وهذا الأمر في طليعة مقاييس التفتيش القضائي. وكتابة الأسباب هي الركن الأهم في بناء الحكم، وتزيد عندنا أهمية؛ لكون أحكامنا منسوبة للشريعة المطهرة، والقاضي يوقع عن حكمها، ومن هنا ثَقُلَ تَعَارُضِ «الأحكام الشرعية» وتباينها في الواقعة الواحدة، وصارتْ المُطَالبة بمُدَونةٍ للأحكام لها حظٌّ من النظر، ونحن إليها أكثر حاجة من غيرنا من هذا الوجه، فإذا كان من لا يحكم بشرع الله لا يرتضي تعارض وتضارب أحكامه عند اتحاد وقائعها وهي من عند غير الله ؛ سعياً منه لتسديد عيبها ما وسعه التسديد، فكيف والشأن يتعلق بحكم الله المُحْكَم. وإذا كانت الحاجة بضَبْطِ الفتوى ملحة؛ فهي في الأحكام القضائية أكثر إلحاحاً وحاجة، وكل هذا لا يحول عن واجب البحث والدرس في نصوص الشريعة ومدونات أهل العلم؛ وصولاً للحق الذي يُدان الله به، فإن كان خلافَ ما قضت به المدونة، أو ما استقر عليه العمل القضائي بَيَّنَ مَا يَرَاهُ (مسبِّبَاً وِجْهَةَ نَظَرِهِ)، وإلا لزم جادة ما دُوِّنَ، وما استقر عليه قضاؤه، والتراتيب الأولية في فكرة تدوين الأحكام القضائية على هذا الخَطْو المَيْمُوْن. وتسبيبُ الأَحْكَام يَكْشِفُ عَنْ مُسْتَوَى المَادَّةِ، والمَلَكَةِ القَضَائِيَّةِ كَمَا قلنا، وَيُؤَسِّسُ للحُكْمِ ببيان شَافٍ لا مُصَادَرَةَ فِيْهِ ولا غُمُوْض، فهذا الحكم وهذا وَجْهُهُ، ويجعل من يشرف على الحكم على بينة من أمره في دراسة ما انتهى إليه الحُكْم الابتدائيّ أو الاستئنافيّ، وقصور التَّسبيب عيبٌ إجرائي له أهميته؛ إذ يتجاوز مأخذُهُ في قياس من لا يعلم مُصْدِرَ الحُكْمِ إلى مَصَادر تلقيه، وإن كانت مصادرنا من ضعفه وفواته براء.
وحسن التسبيب يزيد من رونق الحكم تأسيساً وبياناً، وهو من قبلُ ومن بعدُ منسوبٌ للشَّرع، ويتجلى هذا المعنى الدَّقيق في مثل قول النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «زيِّنوا القًرَآن بأصْوَاتِكُمْ»، وَيَبْدُو مَشْهَدٌ من إعْجَازُ الشَّريعة، وَبَرَكَةِ عُلومِهَا في تَقْدِيْم أَحْكَاْمٍ قَضَائيَّةٍ مَبْنِيةٍ عَلَى أسَبَابٍ (جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ) في مَعَانيها وَأَلْفَاظِهَا وَمَبَانيها، مُباركةِ الابْتِدَاءِ، مَيْمُونَةِ الانْتِهَاءِ.
وعيبُ انعدام الأسباب أو قصورها يختلف مثالاً عن عيب ترك البت في الطلبات، فالأول يعني انعدام تأسيس الحكم، وهو عيب إجرائي يتعلق بهيكل بنائه، والثاني موضوعي خاص بقطع الخصومة أمام المحكمة، وكلاهما محل للطعن أمام محكمة التعقيب التي تبدأ بفحص الأول قبل الثاني، فإذا تحقق العيب الإجرائي لم يمكن للمحكمة التحقق من صحة ما انتهى إليه الحكم المطعون عليه، على أن انعدام الأسباب يسلب التعقيبَ القدرةَ على تعديل الأسباب بأسباب صحيحة، بخلاف ما لو وُجدت الأسباب وكانت محل ملاحظة، وبما أن عيب انعدام الأسباب، أو قصورها، من النظام العام فإن للتعقيب إثارته من تلقاء نفسه بعد رفع القضية إليه دون أن يُطعن به، ومن أدق عيوب الأسباب: تناقضها، ولذلك صور عديدة، منها: صدور حكم من محكمة الاستئناف مؤيدٍ للحكم الابتدائي بقبول تدخُّل أحد الأطراف، ثم رفض طلبه الاستئناف؛ تأسيساً على عدم علاقته بأصل الدعوى، ومنها: فساد الاستدلال، كالبناء على وقائع متعارضة، ويزيد من حسن التسبيب دفعُ الإيراد، وكشف ما يتوقع من وهم، بمثل عبارة: «ولا يرد على ما ذكر ...» ، «ولا يذهب الوهم ...»، ونحو ذلك.
ولا بُدَّ أن تتناول فاتحة الأسباب أمور عدة، أهمها: تكييف الدعوى، وتقرير الاختصاص الولائي والنوعي بنظرها، والتحقق من رفعها في مددها (عند الاقتضاء) وفق أحكام المرافعة والمبادئ القضائية ؛ وهي أمور تُؤشِّرُ شرعاً ونظاماً للدخول في موضوعها، ودراسة مذكراتها، ومناقشة طلباتها، بالدليل والتعليل، ووضع الجميع على ميزان عدل أوضحَ مِنْ مُحَيَّا النَّهَار، لا وَكْسَ فِيْهِ وَلا شَطَطَ.
ولا بُدَّ أن تُنيرَ السبيلَ كلياتُ الشَّريعة ومصطلحاتُها، ونصوص أهل العلم وَجُمَلُهُم، ومع ما في الركون إليها، والأنس بها، من السَّلامة والتَّوقي، إلا أنها تعلن للجميع شعارَ الحُكْم وهُويته، ومن زاد في هذا الخير زِيْدَ له ، «ومن يُؤتَ الحِكْمَةَ فقد أوتي خَيْرَاً كَثيراً»، والتسبيب حق أطراف الدعوى، ومستحق المحكمة الأعلى، وللقاضي فيه شخصية مستقلة وسلطة تقديرية، لا تنفك عن مواردها الشرعية والنظامية، ولن يستريب في مخالفة بعض ما رُسم في مدونات من سبق، متى توخى الحق بدليله، وأخذ بغرز الشريعة، وبين يديه عذر من كلام أهل العلم في قولهم: «عَلَى هَذَا رَسْمُ زَمَاْنِنَا»، وللقاضي زمانٌ له رَسْمُهُ.
ولا وحشةَ البتة من المُصطلحات الحديثة في تضاعيف نظامَي القضاء، وأنظمة المرافعات النافذة والمترقبة؛ فالحكمة ضالة المؤمن، ولاسيما أنها لا تضادُّ في سياقها مصطلحاً في الشريعة، أو مدونات أهل العلم، بل تنسج على منوالها وتحاكيها، مُسَدِّدَةً ومُقَاربَةً، وحاشا آلية التنظيم ودوائرها أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
أمَّا المنطوقُ:
فهو مُحَصَّلُ القَضِيَّةِ، ونتيجةُ مرافعتِها، ونهايةُ مطافها، ولا بد من كونه مُوْجَزَاً، مُحْكماً، بَاتَّاً، مَحْمُولاً على أسبابه، بَيِّنَ الدلالة ، يُفهم نصَّاً ، يتحاشَى الرَّدَّ إلى التَّفْسِيْر، وللمنطوق اصطلاحاتٌ عدة بحسب الأحوال ولا مشاحَّةَ فيها، لكن يتعينُ لزومُ الجَادّةِ فِيْمَا استقرَّ عَلَيْهِ العَمَلُ.
والنُّطْقُ بالحُكْم هُوَ الكَلِمَةُ الفَصْلُ في مُرَافعة القَضيَّة بالنسبة لناظرها ، ولذا يتعينُ عليه استفراغُ الوُسْعِ قَبْلَهُ، مُسْتَصْحِبَاً نِسْبَتَهُ للشَّرِيعَةِ بِتَوْقِيْعِهِ عنَهْاَ، وأنْ يَعْلَمَ بأنَّ السُّرْعَةَ غَيْرُ العَجلة، وأن الأناة خلاف الإبطاء‏، وأن يكون على يقين من درْك الحقّ إذا استوفى شرطَهُ، وعلى ثقة من نَوَالِ النَّظَر إذا أَعْطَاهُ حقَّهُ‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.