مدرب نيوم: جاهزون لضمك والفريق يحتاج فقط للانسجام    بافارد يتغنى بشغف مدرب الهلال.. ويؤكد: ظننته مجنونًا!    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تنظم لقاءً معرفيًا لسفير خادم الحرمين الشريفين لدى الصين    بيان مشترك لوزراء خارجية المملكة ومصر والإمارات وأمريكا بشأن السودان    المركزي الروسي يرفع سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسة    وزير الصناعة والثروة المعدنية يقود وفدًا رفيعًا إلى فيتنام لتعزيز الشراكات    الداخلية: ضبط 21,339 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل والحدود خلال أسبوع    رياح نشطة وأمطار رعدية وزخات برد على عدة مناطق    استشهاد 11 فلسطينيًا في إسرائيلي على غزة    تحت رعاية سمو ولي العهد.. سمو نائب أمير منطقة مكة يتوج الفائزين في مهرجان ولي العهد للهجن بالطائف    القادسية ينهي تحضيراته ويغادر لمواجهة الهلال    يايسله يدافع عن خياراته الهجومية    الشهري: التعادل أمام الأهلي إيجابي.. والإرهاق أثر على فاعلية الاتفاق    أحلام تشعل موسم جدة بحفل استثنائي في عبادي الجوهر أرينا    محمد بن سلمان.. صوت الحكمة وقلب العروبة النابض    المعلمون والمعلمات بين حضوري وتحديات العام الدراسي الجديد    تحميل الركاب وتوصيل الطلبات    الأثر المعرفي والاقتصادي للشهادات الوهمية    نتنياهو بين النرجسية والخوف    خطاب يستحضر التاريخ: السعودية ونهضة عالمية برؤية 2030    أحياء على الشاشات أموات في الواقع    رابطةُ العالم الإسلامي تشيد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتماد "إعلان نيويورك" بشأن حلّ الدَّولَتين    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تعاملاتها على تباين    موسم الخريف: اعتدال الأجواء واقتران القمر بالثريا في قران 19    التسويق والأسعار معوقان يواجهان مربي الحمام    موسم الرياض 2027 يستضيف WrestleMania ® 43 الأضخم في تاريخ المصارعة الحرة    والدة الزميل إبراهيم القصادي في ذمة الله    ثقافة العافية الرقمية تهدد الصحة بالهامشية    الرياض الأكثر تبرعا بالدم    الاتحاد يكسب الفتح برباعية في دوري روشن للمحترفين    إدارة مساجد الدمام تنظم حملة للتبرع بالدم تحت شعار "قيادتنا قدوتنا"    الأمير ناصر بن عبد الرحمن يفتتح معرض "حياة في زهرة" الذي نظمته جسفت عسير    بلدية القطيف تنظم ورشة "السلامة المهنية والحماية من الحرائق"    السعودية تدين تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد دولة قطر    بنك الرياض شريك مؤسس في مؤتمر Money 20/20 Middle East    جامعة الإمام عبدالرحمن توقّع مذكرة تفاهم مع الجمعية السعودية للصيدلة الإكلينيكية    إجتماعاً تنسيقياً لبحث أولويات مشاريع الطرق في حاضرة الدمام    الوسطاء يبيعون الوهم    تخريج (3948) رجل أمن من مدن التدريب بمنطقتي الرياض ومكة    150 مستفيدا من مبادرة إشراقة عين بالشقيق    أبحاث أسترالية تؤكد دور تعديل نمط الحياة في خفض معدلات الإصابة بالخرف والزهايمر    التكامل بين الهُوية والاستثمار الثقافي    مها العتيبي.. شاعرة تُحاكي الروح وتكتب بوهج اللحظة    هبات تورث خصاماً صامتاً    سِيميَائِيَّةُ الأَضْوَاءِ وَتَدَاوُلِيَّتُهَا    حراسة المعنى    الراية الخضراء    ثوابت راسخة ورؤية متجددة    مجلس الشورى.. منبر الحكمة وتاريخ مضيء    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُعيد قدرة المشي لستينية بإجراء جراحة دقيقة لاستبدال مفصلي الركبة    كشف مبكر لمؤشرات ألزهايمر    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الخطاب الملكي يؤكِّد على المبادئ الراسخة لهذه الدولة المباركة    خلال تدشينه جمعية كافلين للأيتام بالمحافظة محافظ تيماء: خدمة الأيتام تتطلب فكرًا وعملًا تطوعياً    " كريري" يزور المدخلي للاطمئنان على صحته بعد نجاح عمليته الجراحية    محافظ الطائف يلتقي القنصل الامريكي رفيق منصور    وزير الدفاع لرئيس وزراء قطر: نقف معكم وندين الهجوم الإجرامي السافر    بولندا تدعو لاجتماع عاجل.. أزمة المسيرات تشعل التوتر بين موسكو والناتو    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وماذا إذا امتنع الفلسطينيون عن المفاوضات؟
نشر في الحياة يوم 19 - 10 - 2010

تجادل القيادة الفلسطينية بعدم وجود خيارات بديلة لديها لمواجهة تعنت إسرائيل، في شأن تملصها من استحقاقات عملية التسوية، ومحاولاتها فرض املاءاتها في العملية التفاوضية، سوى الاستمرار بالمفاوضات. وتحاول هذه القيادة أن تسند مضيّها بهذا الخيار الى دعوى استثمار تزايد التأييد الدولي (لا سيما الأميركي) لحل الدولتين، وسعيها للحفاظ على أمن الفلسطينيين من بطش الإسرائيليين (كما حصل في تجربة المواجهات الماضية بين عامي الفين و 2005).
لكن هذه القيادة، في مجادلاتها تلك، تتجاهل حقيقة أساسية وهي أن العملية التفاوضية، التي بات لها من الزمن 17 عاماً، لم تفض إلى شيء يذكر، سوى إقامة نوع من كيان فلسطيني محدود، وتحت السيطرة الاسرائيلية، في 40 بالمئة من أراضي الضفة الغربية (إضافة إلى قطاع غزة المحاصر). وأن هذه المفاوضات، مع كل التقديمات الفلسطينية، ومع كل الضغط الدولي (والأميركي)، لم تستطع إيقاف عجلة الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية، ولو لفترة محدودة، فكيف سيتم الأمر إذاً، أو ما الذي سيلزم، للضغط على إسرائيل في شأن القضايا الأخرى (الحدود والقدس واللاجئين)؟
على ذلك فإن السؤال الأساس الذي يجب أن يوجه إلى القيادة الفلسطينية (وأن توجهه هي إلى نفسها)، هو: ما الجدوى حقاً من هذه المفاوضات؟ ثم إذا كانت هذه القيادة لا تمتلك موازين القوى اللازمة، ولا المعطيات الدولية المناسبة (كما تبيّن أخيراً)، لدفع إسرائيل نحو بعض التسوية، فما الذي تفعله إذاً في المفاوضات؟ وعلى ماذا تراهن؟
ربما لو أن ثمة تغيرات داخلية في إسرائيل تفضي بها نحو الاعتدال، وإنصاف حقوق الفلسطينيين، والتحول إلى دولة عادية (كما حصل في جنوب إفريقيا سابقاً لجهة تفكيك النظام العنصري)، لقلنا بأن هذه القيادة تراهن على هذه التغيرات، ولكن الأمور في إسرائيل تسير على عكس ذلك تماماً، أي نحو التطرف، وتكريس وضعها كدولة استعمارية وعنصرية ويهودية (دينية).
القصد من ذلك التوضيح أن عدم وجود خيارات بديلة لا يعني الاستنتاج بأن البقاء في المفاوضات هو الخيار الأسلم والأنسب للفلسطينيين، ذلك أن استمرارهم في هذا الخيار، وفي هذه الظروف، لا يؤدي إلا إلى تفكيك مشروعهم الوطني، وإثارة الشكوك في شأن عدالة مطالبهم، وتشجيع إسرائيل على قضم المزيد من حقوقهم. وعلى الصعيد الداخلي فإن هذا الخيار يساهم في تعميق الخلاف بين الفلسطينيين، ويزعزع مشاعرهم بالمصير المشترك، ويصرفهم (لا سيما في مناطق اللجوء والشتات) عن الالتفاف حول حركتهم الوطنية، التي باتت مجرد سلطة في الضفة وقطاع غزة.
أيضاً، فإن القيادة الفلسطينية، في مجادلاتها هذه، تبرر استمرارها بالمفاوضات بادعاء أن انسحابها منها قد يفضي إلى استفحال الاستيطان في الضفة الغربية، كما إلى وقف الدول المانحة دعمها المادي للكيان الفلسطيني. لكن مراجعة متفحصة للواقع على الأرض تبيّن أن الأنشطة الاستيطانية تضاعفت بالذات في فترة المفاوضات (وضمنها فترة حكم حزب العمل بقيادة ايهود باراك)، ما يدحض أطروحة وقف الاستيطان بالمفاوضات. بل إن الأمر على العكس تماماً. ذلك أن المسؤولية تقتضي الاعتراف بأن الخطيئة الأساسية إنما تكمن في اتفاق أوسلو (1993)، الذي لم يحسم مسألة وقف الاستيطان، إلى درجة أن عدد المستوطنين الذي كان لا يزيد على مئتي ألف في الضفة (وضمنها القدس) بات اليوم بحدود نصف مليون مستوطن! ويستنتج من ذلك أن المفاوضات لم توقف الاستيطان، وأن إسرائيل ستستمر بأنشطتها الاستيطانية بعملية المفاوضات أو من دونها، وبالوتائر التي تقدر عليها، طالما انه ليست ثمة كلفة سياسية وأمنية لذلك، وليس ثمة ضغط دولي عليها للدرجة المناسبة، وطالما هي سلطة احتلال. ومعنى ذلك أن الفلسطينيين يجب أن يركزوا على إنهاء الاحتلال جملة وتفصيلاً، وليس فقط على إنهاء أو تجميد احد مظاهره. وفي المقابل فإن وقف الاستيطان يحتاج الى مقاومة شعبية، وإلى موقف دولي فاعل، لا إلى رهانات سياسية لا أرضية لها.
أما بالنسبة الى ادعاء وقف الدول المانحة دعمها للكيان الفلسطيني الناشئ في الأراضي المحتلة (1967) فهذا بدوره افتراض غير يقيني، فالدول الغربية الكبرى لا تفكر، ولا تعمل، في السياسة بهذه الطريقة الساذجة، ولا بردود الفعل. طبعاً ربما تلجأ بعض هذه الدول لتوجيه ضغوط ما نحو الفلسطينيين، لكنها لن تلجأ إلى حرمان الكيان الفلسطيني من دعمها، لأن إقامة هذا الكيان جاء نتيجة ارادة دولية، واستمراره يعني هذه الدول، لجهة حفاظها على صورتها ومكانتها ومصالحها في المنطقة. فضلاً عن ذلك فإن هذه الدول باتت تدرك أن تعنت الطرف الإسرائيلي هو الذي يكمن وراء انهيار المفاوضات، ووراء تدهور عملية التسوية، التي باتت تهم أمنها القومي، ولعل هذا ما يفسر تحرك وزيري خارجية فرنسا واسبانيا، أخيرا، لا سيما في شأن إبداد الاستعداد لنقل موضوع إقامة دولة فلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حال واصلت إسرائيل تعنتها.
وإذا كانت عملية وقف المفاوضات تتضمن مخاوف على مكانة كيان السلطة، باعتباره بمثابة منجز سياسي ينبغي تطويره، أو على فكرة «حل السلطة»، باعتبار أن ذلك يخدم هدفاً إسرائيلياً، وقد يفضي إلى فوضى فلسطينية، فإن البديل عن ذلك لا يتمثل بترسيخ ارتهان هذه السلطة للاعتبارات الإسرائيلية، ولا بالرضوخ لاستمرارها كسلطة تحت الاحتلال. بمعنى آخر فإن حل هذه الإشكالية بات يتطلب التمييز بين الوظيفة التفاوضية والأمنية لهذه السلطة إزاء إسرائيل، وهذه ينبغي التحرر منها، وبين دورها في مجال إدارة أوضاع مجتمعها، وتأمين الخدمات اللازمة له، وهذه ينبغي تعزيزها على قواعد وطنية وقانونية وديموقراطية.
وربما أن هذا التمييز، أو هذا التحول، بات مطلوباً لأنه يخدم فكرة إيجاد مساحة فاصلة (بمعنى ما)، وعلى قاعدة التكامل، بين الكيان السياسي للفلسطينيين وحركتهم الوطنية، وهي فكرة طرحت منذ زمن، ولم تأخذ مساحتها من النقاش الجدي، لرغبة القيادة الفلسطينية السائدة في جمع كل الإطارات تحت سيطرتها.
وقد أثبتت التجربة أن التماهي بين كيان السلطة والحركة الوطنية لم يكن ناجعاً، بل اضر بالكيان وبالحركة الوطنية، فالأول لم يتحول إلى كيان نظامي بمعنى الكلمة، والثانية لم تحافظ على طابعها كحركة وطنية، وإنما تحولت إلى سلطة، مع ما في كل ذلك من تداعيات سلبية عليها. لذا فقد آن الأوان، وبعد هذه التجربة المريرة والمكلفة، لإيجاد فك ارتباط أو وضع حد للاندماج والتماهي بين السلطة والمنظمة، أو بين السلطة والحركة الوطنية.
يبقى القول إن التسليم لادعاء القيادة الفلسطينية في شأن عدم وجود خيارات أخرى، مناسبة وممكنة، غير المفاوضات، لا يعفيها من تحمل المسؤولية عن ذلك، لأنها هي القيادة، لذا فهي المسؤولة حقاً عن عدم تأهيل الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية إلى خيارات بديلة. وحقاً ما الذي ستخسره القيادة الفلسطينية من الخروج من اللعبة التفاوضية، غير وضع حد للمناورات الإسرائيلية، ووضع العالم أمام مسؤولياته، وغير نفض التكلس في اوضاعها وبناها وطريقة تفكيرها؟
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.