وزير الصناعة يبحث توطين الصناعات عالية القيمة بالمملكة مع شركات صينية    بمشاركة 27 دولة.. المملكة تستضيف الدورة ال27 لهيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى    بمشاركة السعودية.. إطلاق "التحالف الطارئ للاستدامة المالية للسلطة الفلسطينية"    الأمين العام لمجلس التعاون: الكارثة الإنسانية في غزة تتطلب مضاعفة الجهود الدولية لدعم (الأونروا) ومواجهة انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلية    سمو وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية قبرص ويوقعان اتفاقية عامة للتعاون بين البلدين    القيادة تهنئ رئيس تركمانستان بذكرى استقلال بلاده    الإعلان عن رعاة بطولة كأس العرب FIFA قطر 2025TM وكأس العالم تحت17 سنة FIFA قطر 2025TM    إشكالية سياسة واشنطن بشأن الطائرات المسيرة    الملك عبدالعزيز الوحدة والمنهج    السعودية بين الردع والسلام ومعادلة القرن الجديد    كيف قرأ العالم اتفاقية السعودية وباكستان    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية الهند    أزمة قلبية تنهي حياة عريس    قطرات تقلل ألم مرضى الشبكية    خطر خفي لنقص سوائل الجسم    النفط يرتفع محققاً مكاسب أسبوعية قوية وسط تعثر الإمدادات الروسية    %20 استعادوا النبض بعد توقف القلب    ضبط 18421 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    الصقور المنغولية في «الصيد السعودي الدولي»    "الإسلامية" تُقيم خطبة الجمعة في مسجد السلام بسانتياغو    «أم جرسان».. أقدم مواقع الاستيطان البشري    خطيب المسجد الحرام: الوطن عطيّة لا تُقَدَّر بثمن    «خمس سنوات».. تدعم توازن السوق العقاري بالرياض وترفع جاذبية العيش فيها    نيوم يهزم الرياض ويتقدم للثالث.. الفيحاء يكسب النجمة.. القادسية تجاوز الفتح    دراسة: كبسولات صغيرة تسعى للحد من التهاب الدماغ    إنجازًا طبي لزراعة مفصل المرفق    القادسية يرتقي للوصافة بالفوز على الفتح    ترقب لحركة تداول بعد موجة الارتفاع    57% استجابة البنوك الخليجية لمحادثات العملاء    4320 شركة ومكتبا هندسيا في المملكة    بلادنا أعزَّها الله    تقدم وازدهار    الطبع السعودي    محمد بن سلمان.. قائد التحول    سماحة المفتي.. رحل وبقي الأثر    غوارديولا: أرقام هالاند التهديفية جنونية    الحرب على غزة.. شهداء وجرحى ومنظمة أطباء بلا حدود تعلق عملها    ضبط 4 يمنيين لتهريبهم (60) كجم "قات" في عسير    تأهيل وادي قناة بالمدينة    أمريكا تلغي تأشيرة رئيس كولومبيا بسبب تصرفاته "المتهورة" في نيويورك    سوق الأعمال في المعرض السعودي للفعاليات    الارتقاء بالمحتوى الرقمي    حماة البيئة    تعرف على غيابات الهلال أمام ناساف الأوزبكي    رحل من كان أبا للجميع    فتح باب الشراكات لتشغيل المركبات ذاتية القيادة في المملكة    د. البقمي: سجلات المتبرعين وبنوك الحبل السري تدعم الطب التجديدي    فعاليات قرية جازان التراثية تشعل الواجهة الجنوبية احتفاءً باليوم الوطني السعودي ال95    عطيف يحصل على وسام الملك عبدالعزيز    جمعية إحسان لحفظ النعمة تنفذ برنامج "عزنا بوطنا" للأطفال احتفاءً باليوم الوطني ال95    الملحقية الثقافية بماليزيا تحتفي باليوم الوطني السعودي ال٩٥    أمطار رعدية غزيرة على عسير وفرصة للسيول بعدة مناطق    في صمت النفس غربة الواقع وتمرد العقل    المزاح والضغوط النفسية    مهنة التسول    محافظ طريب يرعى احتفال مركز الصبيخة باليوم الوطني 95    محافظ قلوة يرعى احتفال أهالي المحافظة باليوم الوطني ال 95    إيران لا تعتزم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب الخليج والنظم التقليدية بين أزمة الشرعية ومأزق التبعية
نشر في الحياة يوم 13 - 08 - 2010

رغم مرور عشرين سنة على اندلاع حرب الخليج الثانية في آب (أغسطس) 1990 إلا أن تداعيات هذا الحدث ما زالت ممسكة بتفاصيل الحاضر بل ومؤثرة في صياغة مستقبل النظام السياسي العربي. ولعل أحد أبرز العناوين، التي تمخضت عنها كارثة حرب الخليج، الأزمة التي طالت النظم السياسية التقليدية في عالمنا العربي، ممزقة إياها بين أزمة الشرعية ومأزق التبعية، ما أدى إلى انقسام النظام السياسي العربي إلى محاور متصارعة، كما عرقل مسار التحول الديموقراطي في الدول التي تقبع تحت حكم تلك النظم. فبحسب ما طرح المفكر السياسي المصري محمد حسنين هيكل في كتابه «المقالات اليابانية» فإن النظم التقليدية في العالم العربي وعلى رأسها النظامان المصري والسوري شعرت بحرج بالغ إذ واجهت تجربة في منتهى الصعوبة بدخول حرب الخليج كطرف أصغر تابع لقوة عظمى، وهي التي دعت لحقب طويلة إلى التحرر الوطني والعدل الاجتماعي.
فقبولها بهذا الوضع مثَّل اعترافاً ضمنياً منها بعجز النظام العربي وأملاً في حل مشاكلها الاقتصادية وإيجاد تسوية عادلة مع إسرائيل في إطار الاعتراف بالشرعية الدولية متمثلة في قرارات ومبادئ الأمم المتحدة. إلا أن الأمور، بحسب ما يؤكد هيكل، لم تتم بعد انتهاء الحرب في إطار الخطط المرسومة من قبل تلك النظم، فبقيت أزماتها الاقتصادية والاجتماعية بل وطرأت عليها أزمات أخرى خطيرة تتعلق بالهوية التي تأثرت بانقسام الأمة والشرعية التي تآكلت بفعل الرياح القوية التي تهب من الشمال بحق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في الديموقراطية كاشفة عن ثغرات في نظم تقوم إما على القبيلة التقليدية التي فقدت صلتها بالعصر، أو على الوصاية العسكرية التي فقدت صلتها بالحقيقة. ما يعني، من وجهة نظري، أن التداعيات التي أعقبت حرب الخليج متمثلة في خروج تلك النظم التقليدية العربية صفر اليدين من تلك المعركة شكلت الإرهاصة الأولى لحال الانقسام والتمزق الذي يعيشه النظام السياسي العربي بين محوري الاعتدال والممانعة بل وللجدلية الدائرة في شأن الإصلاح السياسي والتغيير في عالمنا العربي. فتلك النتيجة السلبية للحرب دفعت كلا النظامين المصري والسوري إلى تبني نهجين سياسيين متضادين يسعى كل منهما إلى شرعنة ذاته بنفي وإقصاء الآخر. فالنظام المصري اندفع بعد الحرب باتجاه محاولة إقرار السلام الشامل والعادل بين العرب وإسرائيل، إلا أن الانقسام الذي حدث في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 والذي نتج عنه انفصال المسارين الفلسطيني والأردني عن المسارين السوري واللبناني وما تلاه من رفض قوى المقاومة الفلسطينية لنتائج مؤتمر أوسلو عام 1993 وتعثر المفاوضات السورية مع إسرائيل، من ناحية أخرى أسهم في تكتيل قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية والنظام السوري في خندق والنظامين المصري والأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية في خندق آخر ما أسس لطرح رؤيتين أيديولوجيتين وسياسيتين جديدتين في المنطقة تتمركزان حول الموقف من الحل السلمي مع إسرائيل عبر مسار التفاوض وقبول الشرق أوسطية كصيغة بديلة عن العروبة.
وهذا ما دفع كلا النظامين إلى توظيف ذلك المناخ السياسي لخلق استقطابات سياسية وإيديولوجية جديدة في المنطقة عوضاً لهما عن الحصيلة الهزيلة اقتصادياً واجتماعياً للمشاركة في حرب الخليج. فمصر تزعمت محور الاعتدال بدورها الداعم لعملية السلام، ومن ثم حصلت على امتيازات اقتصادية تتمثل في اتفاقيات شراكة مع أميركا وإسرائيل كاتفاقية الكويز، على سبيل المثال، وفي المقابل فإن سورية تسعى إلى إحياء الخطاب القومي من جديد كنهج بديل من الشرق أوسطية، ولكن هذه المرة بزعامة حزب البعث السوري الذي حل كوريث لدور حزب البعث العراقي في مرحلة ما قبل حرب الخليج من خلال دعم فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
وهذا بدوره رسخ في الداخل الفلسطيني منطق الصراع ما بين شرعيتين. شرعية المقاومة بقيادة «حماس» وشرعية المفاوضة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية مساهماً في صياغة المشهد الهزلي الذي تجلى أثناء العدوان الاسرائيلى على غزة واتضح بحال الانقسام والتناحر الفلسطيني- الفلسطيني بين «فتح» و «حماس»، والعربي- العربي بين محور الاعتدال بزعامة مصر ومحور الممانعة بزعامة سورية.
ومن ناحية أخرى فقد أسهم اندلاع حرب الخليج في شكل أو في آخر بتباطؤ عجلة الإصلاح السياسي في العالم العربي، إذ شكل الغزو الأميركي العراق، والهادف بالأساس الى خلع نظام صدام حسين ومقرطة العراق سياسياً والذي جاء كمحصلة نهائية لحرب الخليج وما تلاها من انقسام سياسي عربي، مسوغاً لشرعية جديدة في الداخل لتلك النظم لممارسة المزيد من الهيمنة تجاه مواطنيها، على اعتبار أن الديموقراطية بوضعها في هذا الإطار أصبحت وثيقة الصلة بالاحتلال وبالتدخل الأجنبي والتفتت الطائفي، إضافة إلى أن المفارقة المؤلمة التي تجلت في تناقض الموقف الأميركي بشأن الديموقراطية والذي اتضح في أعقاب الحصار الذي فرضه الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية على حكومة «حماس» مجهضاً الخيار الديموقراطي للشعب الفلسطيني كشف بما لا يدع مجالاً للشك أن إيمان أميركا الديموقراطية محكوم بمنطق نفعي ما شجع تلك النظم على التعاطي بلامبالاة مع الضغوط الأميركية من أجل إقرار الديموقراطية في الشرق الأوسط، بل واستخدام التيارات الدينية كفزاعة للغرب وأميركا من أجل تأخير أي إصلاح سياسي قد يفضي إلى وصول الإسلاميين الى السلطة.
وهو الأمر الحادث في مصر، على سبيل المثال، ما يعني إجمالاً أن محاولة تلك النظم التقليدية البحث عن شرعية بديلة لشرعيتها القديمة التي تآكلت بفعل حرب الخليج سواء على مستوى الدور الإقليمي أو على مستوى علاقاتها بشعوبها في الداخل وأدت إلى مزيد من الهيمنة والتبعية للغرب والولايات المتحدة الأميركية، إذ أضحى حق الشعوب العربية في تقرير مصيرها، سواء بالقضاء على الاحتلال أو الاستبداد الداخلي خاضعاً لحسابات إقليمية ودولية معقدة تفرضها أجندة سياسية مرتبكة لتلك النظم التقليدية التي تعاني ولا شك مأزقاً بنيوياً سواء على مستوى الشرعية أو على مستوى ممارسة اللعبة السياسة.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.