- 1 - ما «الوحدة الأوروبية»؟ إنّها تكوينٌ «سياسيّ» يقوم، جوهريّاً، على العَسْكَرة والاقتصاد. وهي، إذاً، جوهريّاً، تنهض على رؤيةٍ استراتيجية كولونياليّة. الثّقافة الأوروبيّة هنا تذوب في السّياسة. حركيّتها الإبداعيّة، وعلاقاتها الإنسانيّة مع العالم، «نظامٌ خطابيٌّ - إعلاميّ». الأساسُ هو تحويل العالم العربيّ - الإسلاميّ، بخاصّة، إلى مكان «استثمار»، وإلى سوق»، وإلى «بضاعة»، تتصدّرها الأسلحة بأنواعها كلّها. قُبَيْلَ أن يموت بأسبوعٍ واحد، قال أحد قادة اليسار الفرنسيّ، ميشيل روكار، رئيس الحكومة في عهد ميتّران، ما خلاصته أنّ أوروبا «تُبنى» على «النّفط الإسلاميّ». (مجلّة لوبوان، 23 حزيران- يونيو 2016). هل يمكن أن يكون للعرب «دورٌ» في هذا العالم؟ أن يقولوا مثلاً، على الأقلّ، «العالم العربيّ يُبنى على النّفط العربيّ»؟ «الوحدة الأوروبيّة» في صورتها الرّاهنة عامِلٌ أساسٌ في التّأسيس لما يمكن تسميته بعصر «الاكتراش»، تصادِياً مع عصر «الافتراس» في صورته الدّاعشيّة. لكن، هل يذكّرنا هذا كلُّه بالمسؤوليّات الضّخمة التي يتحمّلها، عندنا، أولئك الذين رفعوا رايات «الوحدة العربيّة» - وحكموا باسمها، وفكّكوا باسمها، ودمّروا باسمها، وقتلوا باسمها؟ أم أنّنا فقدنا، نحن العرب، لا القدرة على التّفكير والاعتبار وحدها، بل فقدنا أيضاً حتى القدرة على التذكُّر؟ - 2 - ما تكون العلاقة إذاً بين «الفكر» عندنا نحن العرب، و «الحرب» التي نخوضها ضدّ بعضنا بعضاً، منذ بدايات هذا القرن، خصوصاً؟ في كلّ حال، ومهما كانت الأجوبة، يمكن القول إنّ هذه العلاقة لم تُنتج حتى الآن، كما يُفترَض، وكما حدث تاريخيّاً في اليونان القديمة، تمثيلاً لا حصْراً، فكراً يطرح تساؤلاتٍ جديدة - اجتماعيّاً واقتصاديّاً، سياسيّاً وثقافيّاً. على العكس، أنتجت ثقافة «إعادة الإنتاج»: إنتاج ما مضى في أدنى صوره، وفي جميع الميادين. وها هي الحياة العربيّة، اليوم، تُكَذِّب على نحوٍ ساطع المَقولةَ الهيراقليطيّة التي صارت مبدأً كونيّاً إنسانيّاً: لن تعبرَ النّهرَ مرّتين»، وتُحِلُّ محلَّها: «لن تخرجَ من النّهر الذي جريتَ وتجري فيه». أنتَ فيه جاثِمٌ إلى الأبد. حصاةٌ بين الحصى. حجرٌ بين الحجارة. نقطة ماء في تيّار. ويزداد الفكرُ العربيُّ خرافيّةً. ويزداد الفنُّ إبحاراً في محيطات المدح والهجاء والرثاء والزّغردة. - 3 - المُرعِب، المفرط، اللاإنسانيّ: هذا ما يهيمن على حياتنا العربيّة الرّاهنة. وهو يطرح دينيّاً وإنسانيّاً، هذا السّؤال: كيف يتخيّل دعاتُه وداعموه والقائمون به أنّ الخالِق سيقابلهم في سماواته، غامِراً إيّاهم بنعمته ورحمته وفاتحاً لهم جنانَه؟ لكنّه سؤالٌ سيسخرون منه ومن الذين يطرحونه. فهم يوقنون أنّهم سيصعدون إلى السّماء، وأنّهم سيجلسون في حضرة الملائكة ودماءُ البشر الأبرياء الذين أبادوهم تسيل على صدورهم. - 4 - دون كلمة، دون إشارةٍ، ذهب القمر، هذا المساء، وجلس على ضفة النّهر. - 5 - أكثرُ من جمجمة تتحرّك في الكأس التي تُمسِكُ بها أيُّها السيِّد القائد. - 6 - لم تتوقّف اليوم شجرةُ الزّيتون عن الكلام، ولم تتحدّثْ إلا عن جراحها. - 7 - تحوَّل الجوعُ إلى كلمةٍ تائهة تبحث عن جذورها. - 8 - غريبٌ أمرُ هذه الوردة: لم تعُد تريد أن تبدوَ أسنانُها عندما تضحك. - 9 - القمرُ في هذه اللحظة، يزحزِحُ ظلَّ الّليل. - 10 - أخيراً اعترفَ الحلمُ، قال: نعم، لا طريقَ إلى الشّمس، إلا الليل. - 11 - الحياةُ كلُّها في كلمةٍ لا حياةَ فيها: أذلك انقلابٌ ضدّ الموت، أم انقلابٌ ضدّ الحياة نفسها؟ - 12 - تحت السّقف ضوءٌ يضعُ حجاباً، فوق السّقف ضوءٌ ينزع الحجاب: أين الشّمسُ إذاً؟ - 13 - دمٌ يصبغ جدرانَ المدينة: بالبكاء يحيطُ النّاسُ جدرانَها، وبالدّمع يغسلونها. - 14 - النّارُ التي تلتهِمُ جسمَ القتيل مرآةٌ لوجه القاتل. - 15 - أظنُّ أنّ الذّاكرةَ، اليوم، تتحوَّلُ إلى مجرّد إصْطَبْلٍ لتدجين الحيوانات التي تتشرّدُ في الكتُب. - 16 - شُعاعٌ ينحني ويُحَيّي شمعةً ماتَت. - 17 - رأيتُ كتباً تبكي، وكتُباً تنزف دماً، وكتُباً مرهَقَةً لا تستطيع أن تقفَ على أقدامها. سلّمْتُ عليها واحداً واحداً، غيرَ أنّني لم أستطِعْ أن أفعل شيئاً من أجلها. - 18 - عَلَمٌ يمْشي في الفضاء، حافياً، يحملُ صنّارةً لصيد النّجوم. - 19 - رفَضَ إنسانٌ آليّ أن يُرافِقَ صاحبَه إلا راكباً على كتفيْه. - 20 - شَكَتِ السّنابِلُ حالَها للحقل، قالَتْ: لم أعُدْ أطيقُ المناجِل، ألديكَ شكلٌ آخر للحصاد؟ - 21 - أتخَيَّلُ العروبةَ كأنّها غزالةٌ تبكي، وتتشرّدُ وحيدةً في صحراء العالم. أتخيّلُ جيشاً من الصيّادين يطاردونها، بين أشدّهم ضراوةً أشدُّهم قرباً لها. - 22 - قفزَ قلبُه من صدره لرؤية العالَم، خاف وآثَرَ أن يبقى داخل ظلمات الجسد. - 23 - الزّمنُ قرصانٌ غامضٌ يقودُ سفينةَ المكان. - 24 - هل الماءُ وجهنا الثّاني؟ سألْتُ المطرَ، فأجابني: لماذا لا تسأل الغَيْم؟ - 25 - ليس الضّوْءُ رجلاً وليس امرأةً: الضّوءُ كائنٌ خنثويّ. - 26 - أظنُّ أنّ الريحَ أجملُ وأعزُّ صديقةٍ للورق: لا يستطيع أن يطيرَ بحُرّيّةٍ إلا بين أحْضانها. - 27 - يخبئكَ البُرعُمُ لغايةٍ واحدة: لكي يُبَعثِرك العطر. - 28 - احتلّ العطرُ جسَدَها، فصارَ أسيراً له: لا يقدرُ أن يفارقَه. لو كان أبو نواس يقرأ ما كتبتُه الآن، لردّ عليّ قائلاً: احتلّ جسدُها العِطْرَ ويرفض العِطْرُ أن يتحرّر. - 29 - هل البحرُ هو الذي يُسافِرُ حقّاً أم أنّ الشّواطئَ هي التي تُسافر؟ سؤالٌ طَرَحْتُه على الموج، ولا أزال أنتظِرُ جواباً. - 30 - للطّرُقِ هي أيضاً ضفافُها: ضِفافٌ لا تسافِرُ في اتّجاه السَّيْر، وإنّما تُسافِرُ في اتّجاه الأثَر.