الأمير عبدالعزيز بن سعود: مضامين الخطاب الملكي أكّدت اعتزاز المملكة بالمبادئ الراسخة التي قامت عليها    ماسك يقلب الطاولة على موظفيه    بيض ديناصور بعمر 86 مليونا    مندوب المملكة لدى الأمم المتحدة: اعتماد قرار حل الدولتين يعيد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية وجهود القيادة سخرت الدبلوماسية السعودية لدعمه    بيان مشترك لوزراء خارجية المملكة ومصر والإمارات وأمريكا بشأن استعادة السلام والأمن في السودان    30 هدفًا في افتتاح دوري يلو.. والعلا يتصدر    إنزاغي يُبرر تأخر التغييرات أمام القادسية    أشاد بدعم ولي العهد| آل الشيخ يعلن استضافة موسم الرياض WrestleMania ® 43 الأضخم في تاريخ المصارعة الحرة    الوزن الرسمي يكتمل بنجاح| لاس فيغاس تتأهب لنزال كانيلو وكروفورد التاريخي    شغف الموروث    إعادة النظر في أزمة منتصف العمر    أسعار مرتفعة تعيق شغف فتيات جدة بتعلم الموسيقى    باراسيتامول دواء شائع بمخاطر خفية    الأرق يهدد كبار السن    ألزهايمر يهاجم في الثلاثينيات    إجراء عملية جراحية ناجحة باستخدام تقنية الروبوت الجراحي بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز    غرامة 5000 ريال لصيد «الكروان» دون ترخيص    أمير القصيم يكرم «الرياض» ويشيد بتميزها في تغطية كرنفال تمور بريدة    الهلال يتعثر بالتعادل أمام القادسية    القبض على (4) إثيوبيين في جازان لتهريبهم (260) كجم "قات"    موسم الخريف: اعتدال الأجواء واقتران القمر بالثريا    الإسعاف الجوي .. استجابة سريعة    الاستقرار والازدهار.. الخطاب الملكي يعزز ثقة العالم بالمملكة    من عمارة الصحراء إلى آفاق الفضاء    السعودية.. قصّة مجد    ليلة من «أحلام» الفن الجميل تصدح في موسم جدة    الثقافة.. استثمار المستقبل    المملكة ترأس الدورة غير العادية ال(8) للمؤتمر العام لمنظمة "الألكسو" في تونس    3.2% زيادة بمتوسط أجور القطاع الخاص    روبيو : الغارة في قطر لن تغيّر طبيعة علاقة أميركا بإسرائيل    60 جهة مشاركة في معرض التوظيف بجامعة البترول    تداول يخسر 1.58% في أسبوع    450 ألف طفل يعانون صدمات نفسية    النصر يعلن تفاصيل إصابة نواف العقيدي    نائب أمير منطقة مكة يقدم التعازي للفريق محمد الحربي في وفاة والدته    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر اغسطس 2025    الهلال الاحمر السعودي بنجران يحتفي باليوم العالمي للاسعافات الاولية    أوكرانيا تستهدف مجمعا كبيرا لتكرير النفط في وسط روسيا    في رثاء عبدالعزيز أبو ملحه    المرء أسير الإحسان    أرتيتا: أرسنال يمتلك الآن عمق التشكيلة المناسب للمنافسة على كل الجبهات    المملكة تدين الهجوم الإرهابي شمال غرب باكستان    العناية بشؤون الحرمين: 121 دقيقة متوسط زمن أداء العمرة    الإرث بين الحق والتحدي    يامال يغيب عن برشلونة بسبب إصابة في منطقة العانة    المركزي الروسي يرفع سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسة    الأثر المعرفي والاقتصادي للشهادات الوهمية    المعلمون والمعلمات بين حضوري وتحديات العام الدراسي الجديد    تحميل الركاب وتوصيل الطلبات    والدة الزميل إبراهيم القصادي في ذمة الله    بلدية القطيف تنظم ورشة "السلامة المهنية والحماية من الحرائق"    جامعة الإمام عبدالرحمن توقّع مذكرة تفاهم مع الجمعية السعودية للصيدلة الإكلينيكية    إجتماعاً تنسيقياً لبحث أولويات مشاريع الطرق في حاضرة الدمام    هبات تورث خصاماً صامتاً    سِيميَائِيَّةُ الأَضْوَاءِ وَتَدَاوُلِيَّتُهَا    مجلس الشورى.. منبر الحكمة وتاريخ مضيء    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُعيد قدرة المشي لستينية بإجراء جراحة دقيقة لاستبدال مفصلي الركبة    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عنبرة»... بيروت الأنثى التي في خاطري
نشر في الحياة يوم 14 - 05 - 2016

فيما كانت شخصية «أم خالد» الكوميدية التلفزيونية تؤدي بسخرية متكلّفة وتهاون في المضمون، دور المرأة البيروتية، عشية الانتخابات النيابية في بيروت الأسبوع الماضي، عبر شاشات التلفزيون، داعمة للائحة «البيارتة» المدعومة من تيار المستقبل، ومشاركة في الاحتفال الانتخابي الترويجي لها، كانت عليّة الخالدي تعرض مسرحيتها «عنبرة» على مسرح بابل، وهي قصة عنبرة سليم سلام (1897 - 1986) رائدة من رائدات المجتمع اللبناني الحديث.
بين تلك المرأة السخيفة وخطابها الهزلي الأبله ولهجتها البيروتية المصطنعة البعيدة كل البعد عن البيروتيات ونضالهن وشخصياتهن المستقلة والتقدمية والمتحرّرة التي خطبت في الناس إلى جانب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، في احدى اطلالاته، وعنبرة التي كانت من أوائل النساء اللواتي نادين بتحرير المرأة وتعليمها ومشاركتها في الحياة السياسية أوائل القرن العشرين، تزامناً مع حركات التحرر الوطنية ضد الحكم العثماني، قد يبكي اللبناني على ما وصلت اليه الأمور السياسية والسوسيولوجية في البلاد.
لا تجوز المقارنة بين ابنة بيت تقدمي عريق ومثقفة ملتزمة ثورية نادت بدور النساء الجوهري في النضال القومي، وكرّست نشاطها للترويج لحقوق المرأة وتعليمها، منذ كانت مراهقة في ال 16 من عمرها، وتلك الشخصية التلفزيونية التي لا تمتّ الى الكوميديا ولا إلى الفن بصلة. عنبرة سلام التي تمرّدت على حجابها وخلعته في محاضرة ألقتها في الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1927، لتصبح أول امرأة تلقي خطاباً في احتفال عام من دون حجاب، وهي من أبرز وجوه النهضة الأدبية النسائية في العالم العربي إذ ترجمت «الإلياذة» و«الإنيادة» و«الأوديسة» إلى العربية، كما كتبت مذكراتها «جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين»، هي فعلاً المرأة التي تمثّل ليس النساء البيروتيات فحسب بل اللبنانيات، وتمثل كل امرأة تقدمية تسعى الى تحرير العقول من الجهل وتسعى الى أن تكون فاعلة ومناضلة من أجل مجتمع أفضل. التشبيه والمقارنة ليسا واردين أبداً، لكن تزامن المشهدين على اختلافهما الشاسع، كان مستفزاً لكثير من البيروتيات والبيروتيين الذين كتبوا واعترضوا على تلك الشخصية الساخرة التي قدمت على أنها تمثل نساء بيروت، بينما هي تُسيء إليهنّ شكلاً ومضموناً.
اختارت أستاذة «تاريخ المسرح العربي» في الجامعة اللبنانية الأميركية منذ العام 2010، قصة جدّتها لأبيها عنبرة سلام الخالدي لتكون محور مسرحيتها التي تعرض حالياً على «مسرح بابل». اختيار ليس سهلاً، إن كان لناحية الجهد البحثي الذي بذلته الخالدي وفريق العمل معها، أو إن كان لجهة تحويل سيرة ذاتية من القرن العشرين الى عمل مسرحي في العام 2016، من خلال نص بحثي محكوم وعصري ودراماتورجيا (نورا السقاف) بديعة وحيّة، وإخراج عصري سمعي بصري ممتع.
ليس سهلاً أن تتناول مسرحية عصرية ذات قيمة فنيّة وتاريخية مهمة، خلع النقاب والحب السري وتحرير المرأة ومشاركتها في السياسة في حين يغرق العالم العربي بدماء التطرّف وإقصاء المرأة وتهميشها. ليس سهلاً أن تحوّل عليةّ الخالدي مخرجة مسرحية «الهلافيت» (عن نص للكاتب المصري محمود دياب) و«أيام بيروت» (عن نص لنازك سابا يارد) و«80 درْجة»، أن تحوّل سيرة غنية ورائدة الى مسرحية مدتها ساعة ونصف الساعة، بل هي قصّة لها بداية ونهاية وبطلة ومكان وزمان لا بل أزمنة، وفيها حكمة وطرافة وجدية، وتحمل في طياتها خلفيات سياسية وتاريخية وسوسيولوجية، مكتوبة ومُخرجة ومؤداة بحب وإبداع لافت. صحيح أن سيرة عنبرة سلام الخالدي غنية ومثيرة للاهتمام، لكن هناك مسرحيات قد تسيء الى النص الأصلي وتخونه، إنما الخالدي أحيت هذه السيرة. وباختيارها ممثلين كفوئين مثل نزهة حرب (عنبرة)، سارة زين، فادية التنير (أم عنبرة كلثوم البربير)، هاني الهندي، دانا ضيا، عبد الرحيم العوجي (سليم سلام)، نجوى قندقجي (المدرّسة جوليا الدمشقي)، عمر الجباعي وزياد شكرون (العريسي)، وفنيين من إضاءة ومخرجي فيديو وسينوغرافيا، جعلت من قصة عنبرة رواية مشهدية ناضجة في طرحها وتناولها وصياغتها، وممتعة بصرياً، وبعيدة من المباشرة والوعظ خصوصاً المتعلق بحرية المرأة ومشاركتها السياسية. وكان لافتاً الشغل على إدارة الممثلين وتدريبهم ليعطواً وجهاً مختلفاً عما عهدناه في أدوارهم السابقة، خصوصاً لناحية إتقان اللهجة البيروتية بدقة وروح.
ذهبت الخالدي في إخراجها إلى البيت ليكون نقطة انطلاق ومسرح القصة. فالبيت هو أساس التربية والثقافة، الى الأب التقدمي الذي ساهم في صقل ثقافة أولاده وتحررهم، الى الأم العنيدة والمثقفة ولو أنها تقليدية تريد لعنبرة أن تتزوج بأي طريقة. ومن خلال البيت والشاشة التي تشكّل صدره، نقلتنا كرونولوجياً الى المجتمع البيروتي قبل الحرب العالمية الأولى، وإلى زمن قاسم الأمين المصري الذي كان مثال عنبرة وكاتبها المفضل. لكن، تلك الشاشة التي تتحوّل رداءة أو فاصلاً زمنياً أحياناً، وفاصلاً بين المشاهد أحياناً أخرى، كانت فكرة ذكية في سينوغرافيا بديع. مع أفلام الفيديو آرت (موريال أبو الروس ودفيد حبشي) تبدأ قصة عنبرة مع الضيق من النقاب والتمرّد عليه، ثم ندخل الى جلسات النساء البيروتية الحميمة. لتلك الأفلام القصيرة التي لا يتعدى الواحد منها دقيقة أو اثنتين، وقع قوي بين الماضي والحاضر وبين الخيال والواقع. فهي لعبة بصرية سمعية، شدّت المشاهد وأبحرت به الى بيروت القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ونقلت بلغة بصرية فنية ومهنية عالية، جوّ الشارع البيروتي والانفعالات حيال الوضع العام والصوت الذكوري المتزمّت ومقاهي بيروت... تلك الشاشة نقلتنا الى الموعد الغرامي بين عنبرة وحبيبها الثائر والمثقف الذي سرعان ما خطفه القتل شنقاً على يد جمال باشا السفاح.
لو كانت عنبرة هنا اليوم، كانت ابتسمت للمسرحية التي تحكي جزءاً صغيراً من حياتها الزاخرة التي لا يتّسع المسرح لسردها كلها في مسرحية واحدة. لكن من المؤكد أن عنبرة كانت لتخجل لما وصلت اليه المرأة اليوم من عنف واتجار بالبشر في بلدها التي ناضلت لأجل تحريره وتحرير نسائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.