القيادة تهنئ رئيس جمهورية مدغشقر بذكرى استقلال بلاده    النفط يرتفع مع انخفاض مخزونات الخام الأمريكية، وتعزيزات قوة الطلب    رونالدو يقترب من تجديد تعاقده مع النصر السعودي    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    استشهاد 26 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    مونتيري المكسيكي يفوز على أوراوا الياباني برباعية ويصعد لدور ال16 بكأس العالم للأندية    بيئة الشرقية تقيم فعالية توعوية عن سلامة الغذاء بالشراكة مع مستشفى الولادة بالدمام    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    الذكاء الاصطناعي.. نعمة عصرية أم لعنة كامنة؟    روسيا تسقط 50 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    10.9 مليار ريال مشتريات أسبوع    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    القيادة يهنئ رئيس جمهورية موزمبيق بذكرى استقلال بلاده    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    طقس حار و غبار على معظم مناطق المملكة    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مؤتمر صحفي يكشف ملامح نسخة تحدي البقاء لأيتام المملكة    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    صوت الحكمة    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    مهندس الرؤية وطموحات تعانق السماء    توقيف قائد «داعش» في لبنان    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    بكين تحذّر من تصاعد توترات التجارة العالمية    رخصة القيادة وأهميتها    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد الشهري وجْه «القاعدة» الصاعد... ونموذج الإرهاب القادم من السجون
نشر في الحياة يوم 20 - 06 - 2010

سعيد الشهري، صاحب الرقم 372 في معتقل غوانتانامو، والرقم 31 على لائحة المطلوبين ال 85 لأجهزة الأمن السعودية، هو اليوم الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» بعد أسامة بن لادن، إضافة إلى كونه الزوج الثالث ل «السيدة الأولى» في التنظيم وفاء الشهري المعروفة ب «أم هاجر الأزدي”.
والشهري الذي تم تكريسه نائباً لزعيم «القاعدة» في اليمن أو «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» عبر تسجيلات صوتية ومواقف «رسمية» له، هو إلى ذلك، واحد من 11 سعودياً خرجوا من معتقل غوانتانامو إلى صفوف «القاعدة» وواحد ممن خضعوا لبرنامج المناصحة من دون أن يتخلوا عن عقيدتهم القتالية. كل ذلك يجعل من الشهري رقماً صعباً في معادلات مكافحة الإرهاب التي تتسابق مع قدرة «القاعدة» على انتاج وتشكيل وجوه جديدة لها. لكن في الوقت الذي ارتبط اسم الشهري اخيراً بعدد من الأحداث المتلاحقة بدءاً من إعلانه عن فرع يمني للتنظيم، مروراً باتهامه بالضلوع في تفجير موكب السفير البريطاني في صنعاء اواسط نيسان (أبريل) الماضي، ووصولاً إلى دفاعه العلني المتلفز عن هيلة القصير وتبنيه لها، يبقى ان أهمية الشهري تكمن في كونه يفتح ملفاً أوسع منه ومن تلك الأحداث المباشرة التي ارتبط بها. إنه نموذج عن شريحة من خريجي معتقل غوانتانامو الذين عادوا إلى صفوف «طالبان» و «القاعدة»، سواء كانوا أعضاء ناشطين في التنظيمين قبل دخولهم المعتقل، أو تم تجنيدهم فيه فخرجوا جاهزين للانتقام من سنوات قضوها معزولين خلف القضبان في تلك الجزيرة الكوبية. والنتيجة في الحالين واحدة، وهي ان المعتقلات والسجون وبرامج التأهيل لا تعطي بالضرورة النتائج المرجوة منها، بل تكون في أحيان كثيرة بيئة حاضنة وخصبة لإنتاج مجرمين جدد يتبوؤون مناصب قيادية.
وبهذا، يشكل الشهري «أيقونة» لمجموعات أثارت وتثير مخاوف أجهزة الأمن، وأولتها وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أهمية قصوى لتهديدها الأمن القومي وجهود مكافحة الإرهاب، لا سيما أن صعودها يتزامن مع «وعد» قطعه الرئيس الأميركي باراك اوباما إبّان انتخابه بإغلاق غوانتانامو نهائياً، ثم قراره نزع صفة «مقاتل عدو» عن المتهمين بالإرهاب.
وكان الشهري الذي يعرف أيضاً ب «أبو سفيان الأزدي» أو «أبو أسماء» نسبة الى ابنته التي ولدت من زواج أول له أثناء غيابه، اعتقل أواسط عام 2002 على الحدود الأفغانية الباكستانية ونقل إلى قندهار ثم غوانتانامو. وبحسب محاضر جلسات المحاكمات العسكرية في «القاعدة» الاميركية في غوانتانامو، وتقارير «اللجنة الإدارية لمراجعة الأدلة» كان الشهري يصر على أنه عامل إغاثة توجه إلى منظمة الهلال الاحمر في أفغانستان بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) ليقدم العون وينقل المساعدات للمدنيين.
وعن رحلاته إلى باكستان وإيران التي علمت بها أجهزة الأمن، وواجهته بها، قال إنها كانت بغرض شراء السجاد والتحف لمتجر المفروشات الذي تملكه عائلته في الرياض. وتمسك الشهري طوال فترة اعتقاله التي امتدت حتى نهاية 2007 بهذه الرواية، نائياً بنفسه عن أي تأييد لأسامة بن لادن لا بل كان يصفه بأنه «ضد الإسلام ولا يفيد قضايا المسلمين».
لكن ملف الشهري لدى اجهزة الامن الاميركية لم يبدُ بالنقاء الذي زعمه. ففي 23 أيلول 2001 غادر الشهري السعودية للمرة الثانية وتوجه الى البحرين حاملاً مبلغ ألف و900 دولار أعطاه لشابين متوجهين للقتال في أفغانستان ثم أحضر مبلغاً مشابهاً وأعطاه لشابين آخرين وهكذا خطا خطواته الأولى في تسهيل مهمة سفر «المجاهدين». بعد فترة وجيزة انتقل الى مدينة مشهد الإيرانية، القريبة من الحدود الافغانية وراح يعمل من هناك «وكيل سفر» لمقاتلي طالبان و «القاعدة»، ودليلاً لهم خلال رحلتهم حتى عبورهم عند نقطة «الطيبات». وبحسب تقرير لجنة «البحث عن إجابات ل 11 ايلول» (NEFA)، فإن أجهزة الامن الاميركية كانت جمعت معلومات تفيد بأن الشهري اكتسب خبرة قتالية وتلقى تدريبات في «معسكر الليبي» شمال كابول، نسبة إلى «أبو يحيى الليبي» الذي قالت مصادر أمنية باكستانية انه قتل مطلع 2009 بعملية أميركية باكستانية مشتركة. لكن الشهري عندما كان يواجه بتلك الاتهامات في غوانتانامو كان يصر على أنه «مجرد مسلم وليس إرهابياً» وأنه وقع في الأسر من طريق الخطأ.
ونظراً إلى أن معتقلي غوانتانامو لم يخضعوا لمحاكمات فعلية وتوجيه تهم جنائية واضحة، ينتج عنها عقوبات تتحدد مصائرهم في شكل قانوني. أخلي سبيل الشهري في 2007 وأعيد الى المملكة العربية السعودية على ان يخضع لبرنامج المناصحة. لكنه بعد فترة وجيزة تمكن من الهرب إلى اليمن حيث بنى فرعاً لإمارة أسامة بن لادن وأعلن نفسه نائباً له في جزيرة العرب. وهو على ما يبدو خلال تلك الفترة لم ينقطع انقطاعاً تاماً عن أبناء دعوته.
ففور خروجه الى اليمن، قام رفيقه يوسف الشهري، الخارج أيضاً من غوانتانامو، بتزويجه بأخته وفاء، المعروفة بأنها أول سعودية تنضم رسمياً الى تنظيم «القاعدة».
وهي بعد طلاقها من زواج أول وإنجابها ولداً تزوجت ب «القاعدي» عبدالرحمن الغامدي الذي قتل في مواجهات الطائف في 2004 وأنجبت منه طفلاً آخر. وبعد زواجها الثالث من سعيد الشهري، حملت ابنيها ووافته الى اليمن، وراحت تنشط من هناك فتبث رسائل الكترونية عبر المواقع الجهادية تحضّ فيها النساء على الانضمام إلى «شباب الجهاد» وتقديم الدعم لهم. وثمة معلومات تفيد بأنها هي من عرفت زوجها بهيلة القصير (أم الرباب) ووافقت على زواجه بها لتسهيل تحركاتها ومهماتها.
ومنذ أن أصبح الشهري الوجه الصاعد ل «القاعدة»، استعر النقاش في الولايات المتحدة بين من وجد في سيرته دليلاً قاطعاً على ضرورة إبقاء معتقل غوانتانامو وعدم إعادة نزلائه إلى بلدانهم، ومن رأى فيه «ضحية» للاعتقال التعسفي الذي طبقته الإدارة الاميركية السابقة بحق أشخاص أبرياء فحولتهم إلى مجرمين متعطشين للعمل ضدها.
والسؤال الذي يطرحه مؤيدو هذا الرأي هو أن إدارة الرئيس السابق جورج بوش التي اعتقلت «الشهري» هي نفسها من أطلق سراحه... من دون أي محاكمة. فماذا لو كان فعلاً مجرد تاجر سجاد بريء قضى 4 سنوات ظلماً في غوانتانامو في أسوأ فتراته؟ ألن يخرج متحمساً للانتقام؟
وأكثر من ذلك، في حال كان مذنباً لدى دخوله وتعامل فعلاً مع «طالبان» و «القاعدة»، لماذا لم تؤثر فترة اعتقاله ومن ثم «مناصحته» في إعادة تأهيله وإبعاده عن عقيدته القتالية؟ يتزامن هذا النقاش مع كشف مسؤول في «البنتاغون» عن أن 20 في المئة من المفرج عنهم من غوانتانامو عادوا إلى نشاطهم السابق، وهو رقم يصعب مهمة إغلاق المعتقل من جهة، ويفتح الباب على نقاشات أكثر تشعباً من جهة أخرى. فالرقم اعلاه أورده مستشار الشؤون الارهابية في إدارة أوباما جون برينان، في رسالة موجهة إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في شباط (فبراير) الماضي. وميز برينان بين من «تأكدت عودتهم» إلى العمل الارهابي ونسبتهم 9.6 ومن «يشتبه بعودتهم» ونسبتهم 10.4.
لكن هذا الرقم يتناقض مع إحصاءات سابقة كشف عنها مسؤولون آخرون في «البنتاغون» عمن ثبت تورطهم بأعمال إرهابية بعد الإفراج عنهم وارتفعت نسبتهم من 11 في المئة إلى 16 في المئة بين كانون الثاني (يناير) ونيسان 2009. وبالمقارنة مع الأرقام التي كانت رشحت في حزيران (يونيو) 2008 والأرقام الأخيرة، مع احتساب هامش الخطأ يبدو أن العدد قفز مرتين أي من 37 في 2008 إلى 74 في 2009.
ولا شك في أن تضارب الارقام والمصادر التي تصدر عنها في الإدارة الاميركية هو أحد أوجه الانقسام بين الديموقراطيين والجمهوريين في خوض الحرب على الارهاب. فإدارة أوباما الحالية التي تطمح الى تصحيح أخطاء إدارة بوش عبر إغلاق المعتقل وتحسين علاقاتها مع المسلمين، تقلل من شأن تلك الإحصاءات بالقول إن نسبة العودة إلى العمل الاجرامي عموماً (خصوصاً القتل والسرقة بشقيها السطو والنشل) داخل الولايات المتحدة تصل إلى 50 في المئة، وبالتالي فإن 20 في المئة للإرهابيين ليس رقماً سيئاً «خصوصاً أن البعض لم يثبت تورطه بعد». ومسألة السجون ليست جديدة بل لطالما شكلت مصدر قلق للسلطات الأمنية الى درجة حددتها «الاستراتيجية الحكومية لمكافحة الإرهاب في بريطانيا» في 2006 بأنها تأتي بعد المساجد مباشرة في ترتيب الأماكن الأساسية للتجنيد، تليها المؤسسات التعليمية خصوصاً في المرحلة الجامعية.
فالسجون وما توفره من بيئة مغلقة منقطعة عن العالم الخارجي ومنتظمة في روتين نظام داخلي جماعي، تعيد الأفراد البالغين إلى مرحلة جنينية آمنة، يحجز كل منهم حيزه فيها فيعيش على إيقاع وقعات الطعام والتريض وبعض النشاطات القليلة المتاحة. وبسرعة يتكون مجتمع موازٍ للسجناء تشتد أواصره بطبيعة الحال، لأن السجن في تعريفه يقتل الفردية ويقمع الهوية الجنسية ويقطع الروابط الاجتماعية من خارج أسواره. فكيف إذا كان السجن على جزيرة نائية في غوانتانامو، خارج اي تصور مكاني أو مناخي للمعتقلين وعائلاتهم؟
ولا يأتي من عدم اهتمام الحكومات الاوروبية ببيئة السجون وما تنتجه من «خارجين عن القانون» وصفوا بأنهم إرهابيون، يحدث أنهم اليوم إسلاميون متطرفون. فقد اختبرت تلك الانظمة نماذج مشابهة من «النضال المسلح» إذا صح التشبيه، خصوصاً في إرلندا الشمالية واسبانيا مع حركة «إيتا». وحتى في أميركا تشكلت حركة «المسلمين السود» المتطرفة أواسط الاربعينات داخل السجون وعبرها على امتداد الولايات، ما فرض على تلك الحكومات وضع خطط لمكافحة الارهاب وبرامج تأهيل تشبه إلى حد بعيد الاستراتيجيات التي تعتمد اليوم، ولكن مع اختلاف الازمنة والظروف وتعريف الارهابي نفسه.
وأحد أبرز الامثلة الحديثة في بريطانيا عن «الارهابيين الاسلاميين»، ريتشارد ريد المعروف ب «صاحب الحذاء المفخخ» الذي اعتنق التشدد في السجن، وحاول تفجير طائرة أميركية في رحلة داخلية قبيل عيد الميلاد في 2001. ونتج عن محاولته تلك إجراءات أمنية مشددة في المطارات تقضي بخلع المسافرين أحذيتهم لتفتيشها. ويضاف إلى ريد البريطاني والشهري السعودي لائحة طويلة من المعتقلين السابقين من جنسيات وخلفيات مختلفة عادوا الى نشاطاتهم «الجهادية» بعد الإفراج عنهم. وعلى اختلاف سياقاتهم لكن هؤلاء غالباً ما كانوا يودعون السجن أنفاراً أو من عناصر في الصفوف الوسطى فيخرجون بمناصب قيادية أو زعامة محلية ومسؤوليات ميدانية.
ويمكن ذكر عبدالله صالح العجمي الذي أعيد من غوانتانامو الى الكويت في 2005، ونفذ عملية انتحارية في الموصل (شمال العراق) في 2008 أوقعت عدداً كبيراً من الضحايا وأحدثت أضراراً مادية جسيمة، تم تصويرها وبث مقاطع منها على الشبكة العنكبوتية كمادة ترويجية.
وإبراهيم بن شكران الذي سلم للمغرب في 2004، فأعيد اعتقاله في 2007 لتزعمه فروع «القاعدة» في المغرب العربي وكان من ضمن مهامه تجنيد المقاتلين وإرسالهم الى العراق. والأفغاني عبدالله محسود (الصورة)، الذي أطلق سراحه من غوانتانامو في 2004 فصار قائداً ميدانياً في المنطقة القبلية، وكان مسؤولاً عن عدد من العمليات بينها تفجير فندق «ماريوت» في إسلام آباد واختطاف مهندسين صينيين، إلى أن فجر نفسه قبل أن يقع في أيدي الشرطة الباكستانية في 2007.
هؤلاء عينة من لائحة ليس المجال للتوسع فيها، لكن لا بد من التمييز في هذا السياق بين من تحتضنه المجموعات المتطرفة داخل السجن وتجنده للعمل لحسابها وبين من يدخل معتنقاً تلك الأفكار وله خبرة في العمل الميداني فيكمل لدى خروجه ما كان بدأه من نشاط قبل فترة السجن. وبهذا يصبح الاحتجاز بمثابة وقت مقتطع يستغله السجين في التشبع أكثر من أيديولوجيته، وترسيخ افكاره ونوعاً من «إعداد العدة» المعنوية والذهنية لجهاد تطبيقي فور الخروج.
والواقع أن المجموعات المقاتلة والمنخرطة في العمل النضالي عموماً تولي أهمية قصوى للفترة التي يقضيها أعضاؤها خلف القضبان، حتى أن لقب أسير سابق أو محرر يعد مفخرة لحامله ويمنحه أسبقية على بقية رفاقه. فتلك «معمودية نار» تختبر فيها النوايا وصدق الانتماء للمجموعة والقدرة على تحمل الشدائد والتضحية من أجل «القضية». والإسلاميون لا يشذون عن هذه «القاعدة»، بل شكّل السجن جزءاً رئيساً من أدبياتهم ونتاجهم الفكري وحملاتهم الدعووية، بدءاً بابن تيمية مروراً بسيد قطب وصولاً إلى الظواهري (في مؤلفه فرسان تحت راية النبي) والمقدسي. فكرس كل من هؤلاء جزءاً كبيراً من كتاباته للإشادة بالسجون بصفتها المكان الأنسب لشحذ العزائم، وتحمل الشدائد والتفرغ للصلاة حتى اعتبرها المقدسي «نوعاً من الجهاد». وكتب المقدسي «أوراق من دفتر سجين» و «رب السجن أحب إلي مما يدعوني اليه» وغيرها من الرسائل والاشعار التي يصف فيها عذابات السجن. ويشكل شعره «سجون عطرة» بمثابة نشيد افتتاحي لكثير من المواقع الجهادية وخلفية لأفلام ترويجية تبثها تلك المواقع.
واعتبر المقدسي أن السجن أفضل مكان لجني ثمار الإيمان لأنه يمنح فرصة الاختلاء بالذات وتكريسها للصلاة وإطاعة الله، وتقوية العزيمة في سبيل الجهاد. ويبدو أن عمر، ابنه، الذي قتل الاسبوع الماضي في العراق أكثر من تأثر به. فبعدما قضى نحو 7 سنوات في السجن كتب لوالده في إحدى رسائله يقول «ازددت إصراراً أكثر عندما دخلت السجن (...) والسجون في بلدنا العراق أصبحت أكبر جامعة لطلب العلم لأن الأساتذة يلتقون فيها من أنحاء العالم كافة. وأشكرك كثيراً يا أبي على هذا الأمر الذي اخترته لي وأنا لست نادماً على شيء».
وإلى ذلك، خصصت «وثيقة مانشستر» فصلاً كاملاً للسجون والتعليمات في حال الاعتقال وماذا على المعتقل أن يتوقع وكيف يجب أن يتصرف. ويشدد الدرس الثامن عشر على بناء شبكة امان داخل السجن، واستغلال الزيارات والرسائل للتواصل مع العالم الخارجي والاهم من هذا وذاك إقناع السجان بأنه نجح في إقناعهم بالتخلي عن عقيدتهم القتالية. وفي تطبيق واضح للدرس، استطاع الشهري التصرف طيلة سنواته في غوانتانامو بصفته تاجر بريء، يبعث الرسائل لأهله يمدح فيها طيبة سجانيه، ويقول إنه تعلم الإنكليزية بفضلهم، ونجح عمر المقدسي في إخفاء هويته الحقيقية وهوية والده وجعل الجميع يعتقد أنه عراقي.
أما بن لادن، فلا يترك فرصة إلا ويأتي على ذكر المجاهدين الاسرى وفي كل تسجيلاته يدعو إلى فك أسرهم، ويشيد ببطولاتهم في تحمل الصعاب وذلك منذ اعتقال الشيخ عمر عبدالرحمن لدوره في تفجير مركز التجارة العالمي في 1993. وشكل معتقلو غوانتانامو هدفاً مباشراً لابن لادن، فيتوجه اليهم في شكل مباشر ويسميهم بأسمائهم ويبرئ البعض منهم من اي علاقة بتنظيم «القاعدة»، ويثني على جهود البعض الآخر. وتشكل المقتطفات المتعلقة بالسجون خصوصاً بعد فضيحة ابو غريب، مادة رئيسة في المواقع الجهادية وذريعة مباشرة للحض على محاربة السجانين وبلدانهم من خلفهم.
ومن شأن ذلك إشعار المعتقل بأنه لم يذهب طي النسيان، وأن تضحياته موضع تقدير واعتزاز وهي خطوة في الترقي الهيكلي. لذا لا يعود مستغرباً أن يتبوأ الشهري المنصب الثاني في قيادة «القاعدة» كما لا تستغرب عودته إلى التنظيم أصلاً. فهو إضافة إلى كونه ناشطاً سابقاً، و «أسيراً محرراً» أثبت جدارته في الامتثال للتعاليم كافة، وقدرته على التواصل بنجاح مع مجموعات جديدة تستقطبها «القاعدة»، ألا وهي النساء.
وبهذا يصبح افتراض أن غوانتانامو يشذ عن غيره من السجون والمعتقلات في غير محله. فالشهري واحد من 20 في المئة عادوا إلى الإرهاب وهي نسبة فعلاً أقل من ال 50 في المئة للعود الجنائي، لكن أضرارها أكبر بكثير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.