أمير جازان يستقبل وكلاء الأمارة الجدد و يوجه بالعمل لخدمة المنطقة والمواطن    أمير جازان يستقبل رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد    نائب وزير الخارجية يلتقي المستشار الدبلوماسي لرئيسة مجلس الوزراء الإيطالي    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية    "الحزام الناري" يستهدف 40 طبيبا باطنيا ب"مركزي القطيف"    مُحافظ الطائف يشهد اتفاقية شراكة لإنشاء مركز زراعة كلى بتخصصي الطائف    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    مفردات من قلب الجنوب ٤    انتخاب المملكة لرئاسة جمعياتٍ ولجانٍ في المنظمة العالمية للملكية الفكرية    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤنة" للتوعية بتيسير الزواج    الدولار يتعافى والأسهم الأوروبية تتجاوز سلسلة خسائر استمرت أربع أيام    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية تنظم برنامج "إعادة التدوير من الفكرة إلى الاستدامة"    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات النسخة الثامنة من برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    تأسيس جمعية المستقبل الصناعي غير الربحية    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب (34) كلجم من مادة الحشيش    النفط يرتفع مع تحسن المعنويات بفضل توقعات الطلب والبيانات الاقتصادية    استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    "طمية" تنظم إلى الأسطول الإسعافي بفرع الهلال الأحمر بعسير    الرئيس السوري: تفوق إسرائيل العسكري لا يضمن لها النجاح السياسي أو الأمني    مقتل امرأة وإصابة 3 في روسيا    457 مليونا مستحقات مزارعي القمح    6 أسهم سعودية ضمن أعلى الأسهم الخليجية    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الأمير سعود بن نهار يلتقي المدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الغربي    فعاليات نوعية تُثري تجربة الزوّار في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    "الأونروا": سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعف في قطاع غزة    "الأحوال": جدد هويتك قبل انتهائها لتفادي الغرامة    "الداخلية" و "الموارد البشرية" يوقّعان مذكرة تفاهم    تسحب اليوم بمقر الاتحاد القاري في كوالالمبور.. الأخضر يترقب قرعة ملحق تصفيات مونديال 2026    حفل يامال المثير للجدل يغضب برشلونة    السويسري"تشاكا" بين نيوم وسندرلاند    «شلة ثانوي».. مسلسل جديد في الطريق    بهدف الارتقاء بالمنتج الثقافي والمعرفي.. توقيع مبادرة "سعوديبيديا" لتعزيز المحتوى السعودي    شركة الدرعية توقع عقداً بقيمة "5.75" مليارات ريال لمشروع أرينا الدرعية    تفكيك خلية خطيرة تابعة للمليشيا.. إحباط محاولة حوثية لاغتيال المبعوث الأممي    مصر ترفض مخطط «خيام غزة»    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    إطلاق مبادرة لتعزيز التجربة الدينية لزائرات المسجد النبوي    المواصفات تجدد دعوتها للتحقق من مطابقة المركبات عبر"سابر"    أصابع الاتهام تشير للفصائل المسلحة.. تحقيق عراقي في ضرب حقول النفط    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    طبيب يقتل 15 مريضاً ويحرق منازلهم    المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر يُطلق مبادرة تقليم أشجار العرعر في منطقة عسير    رونالدو يخطف جائزة لاعب الموسم..وجماهير الاتحاد تنتزع"تيفو العام"    الخليج يضم الحارس الدولي"أنتوني"حتى 2027    القادسية يوقّع رسمياً مع المهاجم الغاني"كريستوفر بونسو" حتى 2029    أمير جازان: جهود مقدرة لهيئة التراث في تمكين الشباب    وزير الخارجية ومدير الطاقة الذرية يبحثان تعزيز العمل الدولي    مقتل شخص وإصابة 18 جراء غارات إسرائيلية على دمشق    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    كريم عبد العزيز أول بطل ل 4 أفلام بنادي ال «100 مليون»    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابراهيم الفرغلي يختبر فن الرواية
نشر في الحياة يوم 14 - 04 - 2016

لعبة روائية بسيطة ومعقدة في آنٍ واحد. بل هو بناء روائي بسيط ومركّب بلغ قائمة البوكر الطويلة، ورمحت فيه مخيلة ابراهيم الفرغلي، التي دأبت على أن ترمح في روايات سابقة، وها هي في «معبد أنامل الحرير» تشيد مدناً – مجتمعاً – دولة، وأول ذلك «مدينة الظلام» حيث عمل الكاتب رشيد الجوهري في مؤسسة الرقابة، وفي سدّة البلاد يتربع «المتكتّم».
على مدينة الظلام فرض المتكتم العتمة، ليسيطر على أي تمرد محتمل، وهو المحمي بترسانة من القوانين والتقاليد. وقد أطلق رجاله الملتحين بجلابيبهم البيضاء ليحطموا التماثيل، فتصدت لهم مجموعة من الشعراء والعشاق والنساخ، في صياغة روائية لما فعل «داعش» وأخواته، في سوريا والعراق ومصر.
قبل أن نتابع في مدن الرواية، ربما يحسن أن نتبين كيف أسندت اللعبة – البناء إلى الرواية أن تحكي حكاية كتابة رشيد الجوهري لها، وحكاية خطفه وخطفها ومن تداولوا على قراءتها، مقدمة عبر ذلك وعيها للذات وللآخر/ العالم.
تحدثك الرواية عن أنها راقبت تشكلها ونموها حتى صارت قادرة على أن تولد أفكاراً لم تخطر للكاتب، وأخذت تولد بينهما علاقة جديدة. وسنقرأ مراراً أنها تهرب إلى ذاتها، أو تقرأ نفسها، لنراها تشك دوماً في اكتمالها، وأحياناً ترى نفسها رصينةً، تنتسب إلى آباء الرواية العظماء، كرواية في جوهرها فكرة عميقة عابرة للأجيال والثقافات والزمن، وأحياناً ليست غير رواية جريمة، وتجارية رخيصة. وسيلي أن الرواية ترى نفسها حاوية معرفة، ولكن عليها أن تتخذ لهذه المعرفة أسلوباً وشكلاً فنياً، وهي أيضاً لا ترى نفسها سوى رواية مغمورة اختلقت في عرض البحر، عقب محاولة فاشلة لكتابة سيرة ذاتية.
والرواية التي ترى نفسها سليلة لتراث السرد والحكي، تقول باسم الروايات: إننا نمثل معاً جزءاً من صوت البشرية وروح الكون، نمتثل في البداية لعقول - وأيدي - مبدعينا، ثم نقود نحن المسيرة.
أما رشيد الجوهري الذي عاد يائساً إلى القاهرة، بعد رحلة إلى ألمانيا، فتجاوز أزمته الروحية، ثم سافر إلى إيطاليا، فاختطف في البحر، وهو رحالة مثقف متعدد اللغات والعلاقات، وذو ذائقة فنية مميزة. وهذا الذي عمل كمرشد سياحي في الأقصر، مسكون بالحضارة المصرية القديمة، ولذلك تحاول الرواية استعراض التاريخ الفرعوني. وقد التقى رشيد بيوديت الألمانية في وادي الملوك، فتعلّق كل بالآخر، وتجدد اللقاء في شتوتغارت. ولن يفتأ رشيد يقارن بين يوديت وعشقه الكاسح الأول، سلمى. وكما ستكون العلاقة مع يوديت كاشفة لوعي الذات ووعي الآخر/ العالم، ستكون كذلك علاقة رشيد مع الفرنسية بيرجيت، التي تتعلم الرقص الشرقي لأنه لون من إظهار الجمال الباطني للروح عبر حركات الجسد، ولأنه مدخل إلى الشرق. أما يوديت فترى رشيد رومانسياً يحمل رغبةً دفينة في تعذيب الذات. وقد بترت هي علاقتهما عندما جرفت الأسلمة رشيد. وهذه التي أقامت علاقات سابقة مع ألمان وأوروبيين أرادت تجريب المصريين، لعلها تجد علاجاً لروحها في الشرق. وللشفاء من يوديت جاءت علاقة رشيد مع الفنانة التشكيلية آهران الأميركية من أبوين كوريين. وقد ملت آهران زيف الأميركي لذلك اختارت ألمانيا: مجلى آخر لوعي الذات والعالم.
بالعودة إلى مدينة الظلام التي ستصير مدينة الصمت، ترسم الرواية من عهد المتكتم تدريب المتكتمين الصغار للاعتداء على المعارضة، ومنع الفنون، وإغلاق دور النشر إلا للكتب التي تروّج للمتكتم وللخرافة، وحرق الكتب في الميادين... كما ترسم تمرد مجموعات تابعة للمعتقلين في المنافي الصحراوية، والبؤر السرية التي انتشرت في البيوت، وتمارس قراءة الروايات والشعر والكتب الفكرية، ومشاهدة الأفلام، والمناقشات...
من مدن الرواية أيضاً مدينة الأنفاق، التي يتجمع فيها الناسخون وعلى رأسهم كبيرهم (الكاتب الشبح). وقد خصصت الأنفاق العلوية من هذه المدينة للشعراء والفنانين والآخرين الهاربين الذين ليسوا من كتيبة النساخين. وفي هذه المدينة التي نسخ فيها رشيد كتاب فرح أنطون (ابن رشد وفلسفته) يلتقي بالشاعرة سديم التي يشك في أن يكون المتكتم قد دسّها عليه، ولكن سيتبين أنها ممن هاجمن المتكتم وأتباعه بالوسائل الافتراضية (التدوين). وفي مدينة الأنفاق عربة مترو الشعراء، وقاعة (مغارة) الشعر الإروتيكي، وكهف الشيطان الموقوف على المناقشات الحرة في الفلسفة والدين، وكذلك: المكتبة التي تشبه جزيرة معرفة طافية، وهي بلا تصنيف، وتصورها الرواية كوطن، وقرية كونية، ومدينة عالمية، وطيف، تأسيساً على كتاب ألبرتو مانغويل «المكتبة في الليل». ولئن بدت المكتبة متاهة فهي واحدة من متاهات الرواية: متاهة بيت الفنون، متاهة يوديت الممتلئة بتعاسة البطالة واكتشاف كذبة الديموقراطية..
بعد النهاية تستطيل الرواية في فصل آخر/ ملحق (سفينة الأشباح) بما لو حذف منها لما ضرّها. لكنها تبقى استطالة ماتعة، تروي ما بعد النهاية، تروي عن سفينة ليلية لا تظهر نهاراً، ولا تبرح بقعةً بعينها من البحر، مهجورة وتصدر عنها أصوات مجنونة، كلما اقترب منها أحد، لكأنها واحدة من جزر الشيطان. ولاكتشاف الحقيقة يطارد السفينة ثلاثة تسميهم الرواية: قنديل البحر، الأخطبوط، والعاصفة، كمن يتبع سراباً، لكنهم سيتمكنون أخيراً من السفينة، ويفتحون غرفة، فإذا بمئات الفتيات العاريات/ المخطوطات، وبكتاب عنوانه (المتكتم) وصوت ينادي: «انشرني». ومن الطريف هنا أن روايةً ليوسّا عنوانها «البطل المتكتم» قد ظهرت للتوّ في ترجمة صالح علماني.
تتلفع الرواية بالبوليسية عبر اختطاف رشيد واختفائه، أو عبر ما حدث على السفينة من اختطاف قاسم وضربه وحجزه مع الإثيوبية مهيريت، وعبر ذلك كانت حصة قاسم من قراءة الرواية ومن سرد سيرته وعلاقته برشيد. وبوقوع السفينة بين أيدي القراصنة حتى أنقذتها العاصفة، تتلفع الرواية بالمغامرة، لكنها ستقع هنا تحت وطأة التأرخة، كما الأمر في ما يخص دريسدن. كما تقع الرواية تحت وطأة صفحات المتناصّات الطويلة من أعمال شتّى.
تبدو «معبد أنامل الحرير» تجسيداً بامتياز لأطروحة ناتالي ساروت (الرواية بحث)، والكاتب يثبت مصادره من أفلام وثائقية وتسجيلية ودرامية ومن كتب. وقد أفسحت هذه الرواية لمعركة رواية إبراهيم الفرغلي «أولاد الجبلاوي» مع الرقابة. وكما كانت تلك الرواية إبداعاً مميزاً للكاتب، جاءت رواية «معبد أنامل الحرير» أكثر تميزاً، سواء بلعبة الرواية في الرواية، أم بالتخييل الرامح، أم ببناء الشخصيات، أم بالحمولة الفكرية، خصوصاً ما يتصل بوعي الذات والعالم، وبنداء الحرية ومواجهة الظلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.