الحرف اليدوية في المملكة.. اقتصاد يتشكل بيد المبدعين    القيادة تعزي رئيس جمهورية العراق في وفاة شقيقه    المفتي لوزير العدل: القيادة تدعم تطوير القضاء    السعودية.. منظومة متكاملة لتمكين ريادة الأعمال    «جيدانة».. وجهة استثمارية وسياحية فاخرة    15مليار ريال فرصاً استثمارية بالخطوط الحديدية    أكدوا دعمها للقضية الفلسطينية.. سياسيون ل«البلاد»: زيارة ولي العهد لواشنطن تعزز العلاقات والاستقرار    اشتعال جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا    الغرب يدفع نحو تفتيش عاجل.. إيران تمتنع عن استئناف المحادثات النووية    تشيلسي يعرض 150 مليوناً لتحقيق حلم الثلاثي البرازيلي    مهاجمه مطلوب من عملاقي البرازيل.. الهلال ال 39 عالمياً في تصنيف«فيفا»    ضمن تصفيات أوروبا المؤهلة لكاس العالم.. إيطاليا في مهمة مستحيلة أمام هالاند ورفاقه    آل الكاف وآل سجيني يحتفلون بزواج علي    الدحيلان عميداً لتقنية الأحساء    ضوابط موحدة لتسوير الأراضي بالرياض    هنأت ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده.. القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    كلية طب الأسنان بجامعة الملك عبدالعزيز تشارك في تنظيم المؤتمر السعودي العالمي لطب الأسنان بجدة    أمراء ومواطنون يؤدون صلاة الاستسقاء في مختلف أنحاء المملكة    علماء روس يبتكرون جزيئات تبطئ الشيخوخة    طبيبة أمريكية تحذر من إيصالات التسوق والفواتير    مختصون في الصحة يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    الحربي هنأ القيادة على الإنجاز.. والمشرف يعانق فضية التضامن الإسلامي    الرميان رئيسًا للاتحاد العربي للجولف حتى 2029    القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    الذهب ينهي الأسبوع مرتفعا    تطوير الصناعة الوطنية    مصرع 3 أشخاص وإصابة 28 في البرتغال بسبب العاصفة كلوديا    المملكة تدين الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني    المملكة ترحب باتفاق الدوحة للسلام بين الكونغو و«حركة 23 مارس»    ولي العهد يرعى القمة العالمية للذكاء الاصطناعي    27.9% من الإنفاق على البحث والتطوير للصناعة والطاقة    %70 من الشركات اللوجستية تعرضت لهجمات إلكترونية    أمسية البلوفانك    شتاء درب زبيدة ينطلق بمحمية الإمام تركي    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ مبادرة ( وعيك أمانك ) في مقر إدارة مساجد محافظتي الدرب وفرسان    السودان بين احتدام القتال وتبادل الاتهامات    المرأة روح المجتمع ونبضه    تهنئة ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    "الشريك الأدبي".. الثقافة من برجها العاجي إلى الناس    ملامح حضارة الصين تتنفس في «بنان»    "دوريات جازان" تُحبط تهريب 33 كيلو جراماً من القات المخدر    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل وزير الشؤون الدينية في بنغلاديش    وزير الحج: إنجاز إجراءات التعاقدات لأكثر من مليون حاج من مختلف الدول    "الحج والعمرة" وجامعة الملك عبدالعزيز توقعان مذكرة تفاهم لخدمة ضيوف الرحمن    حائل الفاتنة وقت المطر    ترحيل 14916 مخالفا للأنظمة    رينارد يريح الصقور    دور ابن تيمية في النهضة الحضارية الحديثة    مكانة الكلمة وخطورتها    السعودية ترحب باتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس    إنسانيةٌ تتوَّج... وقيادة تحسن الاختيار: العالم يكرّم الأمير تركي بن طلال    لكل من يستطيع أن يقرأ اللوحة    انتصار مهم لنادي بيش في الجولة الرابعة أمام الخالدي    هطول أمطار في 8 مناطق ومكة الأعلى كميةً ب58,6 ملم في رابغ    أمير منطقة الجوف يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الصحي الشمالي    تجمع الرياض الصحي يبرز دور "المدرب الصحي" في الرعاية الوقائية    قسم الإعلام بجامعة الملك سعود يطلق برنامج "ماجستير الآداب في الإعلام"    بمشاركة 15 جهة انطلاق فعالية "بنكرياس .. حنا نوعي الناس" للتوعية بداء السكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث في فقه الجريمة يطالب برفع لواء «لا جريمة أو عقوبة إلا بنص»
نشر في الحياة يوم 07 - 05 - 2009

أوصى أستاذ الفقه المشارك في جامعة الملك فيصل في الأحساء الدكتور عبدالله الديرشوي، الفقهاء والباحثين في القانون والجهات الاختصاصية، بتكثيف جهودهم في تقنين «الجرائم والعقوبات»، بغية «أن يكون الناس على بينة من أمرهم. ولتقوم عليهم الحجة، فلا يتترس بعدها أحد بجهله بما يعتبره الشرع جريمة، وليتحقق مبدأ لا جريمة إلا بنص، وكذلك مبدأ لا عقوبة إلا بنص بأجلى الصور».
واعتبر تقنين العقوبات على وجه التحديد ضرورة عصرية، بوصفه يمكّن من «توحيد التشريع والمرجعية في البلد الواحد، وتحقيقاً للمساواة بين الأفراد، ومنها مراعاة المستويات العلمية للقضاة، إذ لم تعد تتوافر صفة الاجتهاد فيهم إلا في القليل النادر منهم، وحسماً للشكوك والظنون المريبة تجاههم، وحماية لأعراضهم من القيل والقال، خصوصاً في زمن ضعف فيه الوازع الديني، وفسدت الذمم لدى كثير من الناس».
وكان الفقيه الديرشوي ناقش الموضوع في سياق بحثه عن «الجريمة وضوابطها في الفقه الإسلامي»، والذي بدأه بتعريف الجريمة وأركانها، وأساس تجريم الأفعال، إلى جانب ضوابط الجريمة، ومناقشة ما إذا كانت كل جريمة معصية؟ وهل مصدر الحظر الشرع فقط؟ إلى غير ذلك من المحاور والفروع التي أشبعها الباحث نقاشاً في بحثه الذي نشرته أخيراً دورية «البحوث الأمنية» الصادرة عن جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية.
وبين أهم المحاور التي تناولها الباحث محور «كل جريمة لا بد فيها من الزجر عنها بحد أو تعزير»، إذ توصل إلى أنه «لا خلاف بين أهل العلم في استحقاق المكلف العقوبة في كل معصية ارتكبها، مهما كانت صغيرة، لما في ذلك من مخالفة امر الشارع، وهذه العقوبة إما أن تكون في الدنيا كالسرقة مثلاً، أو في الآخرة فقط كالحقد والحسد مثلاً، أو تكون في الدنيا والآخرة معاً كالردة والزندقة».
غير أنه نبه إلى كونه ما قصد «المعصية» بمفهومها الشامل في بحثه، وإنما أراد تحرير الجانب الأخص منها، وهو ما اصطلح على تسميته جريمة. وأضاف: «أما ما شرعت له عقوبة أخروية فقط فلا شأن لنا به، لأنه وإن كان جريمة بالمعنى اللغوي، إلا انه ليس جريمة بالمعنى الاصطلاحي». كما أنه بحسب قوله مستثنى من أصل «التلازم بين الجريمة والمعصية»، ولكن بأدلة وتعليلات خاصة. وضرب مثلاً على هذا النوع من المعاصي، التي لا تدخل في باب الجريمة، ب«أعمال القلوب والصغائر، وما كان ظاهره الكذب، والاعتداء على النفس، والاعتداء على الفرع».
أولا: أعمال القلوب أو الصفات الأخلاقية الذميمة، مثل الرياء والكبر والحسد والنفاق والحقد وما شابهها، فإنها وإن كانت محظورات يعاقب الشارع عليها، اذ ان ذلك يكون في الآخرة، وليس في الدنيا، لأنها غير متجسدة في أفعال يمكن إثباتها أمام القضاء. فإذا تجسدت في أقوال أو أفعال، بحيث يمكن إثباتها أمام القضاء، كأن يترجم الكبر إلى احتقار للآخرين بفعل سلوكي، فحينئذ تكون هذه المعصية دخلت في مفهوم الجريمة الاصطلاحي، ويزجر فاعلها بعقوبة دنيوية مناسبة. يقول الشيخ محمود شلتوت في هذا الصدد: «ما كان من الجنايات خفياً لا يمكن ضبطه بمظاهر محددة، كالغيبة والنميمة والحسد والحقد والكذب، وغير ذلك مما يتصل بالجانب الخلقي أكثر من اتصاله بالجانب العملي، أو كان متصلاً كثيراً بالجانب العملي، ولكن لم يأخذ الصورة القصوى من صور الإجرام كأخذ المال غصباً، اقتصرت فيه على التحذير بالعقوبة الأخروية، التي ترجع إلى العليم بما تنطوي عليه الجوانح، وما تخفيه الصدور. وما كان منها متصلاً بالحياة العامة، وله آثاره السيئة بحق الأفراد والجماعات، وله من عناوين الإغراق في الشر أقصاها، جعلت له عقوبات دنيوية على الحاكم تطبيقها وتنفيذها».
لا عقوبة في الصغائر
ثانياً: الصغائر، فإنها لا عقوبة فيها، لا لأنها ليست معصية، وليس لأن صاحبها لا يستحق العقوبة، بل رحمة من الله بعباده، وتخفيفاً عنهم، إذ إن قلة من الناس من يمكن أن يسلم منها قال تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً)، «النساء: 31»، وقال جلّ في علاه: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) النجم: 32»، أي لا يتعاطون المحرمات الكبائر، وإن وقع منهم بعض الصغائر: فإنه يغفر لهم ويستر عليهم. ولحديث (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) قال ابن حجر: قال الشافعي: «سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث وقال (أي الشافعي: يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حداً». وقد فسر العلماء عبارة (ذوي الهيئات) بتفسيرات متعددة، فقيل: أصحاب الصغائر. وقيل: الذين إذا أتوا الذنب ندموا عليه وتابوا منه. وقيل: وهو نص الشافعي - الذين لا يعرفون الشر.
ثالثاً: ما كان ظاهر الكذب، وهذا عند الحنفية دون غيرهم. كأن يقول شخص لآخر: يا كلب، يا خنزير، يا حمار... فقالوا: لا يعزر في ظاهر الرواية. وعللوه بأن قائله كاذب كذباً ظاهراً بيناً قاطعاً، ومن ثم كان الشين لاحقاً بالقائل. وقيل: بل لأن العرب لا تعده شتيمة ولهذا يسمون بكلب وذئب. وخالف بعضهم مذهب ظاهر الرواية، وقال: إنه يعزر بها مطلقاً. وروي هذا عن أبي يوسف أيضاً. وعلل بأنه شتيمة في عرف زمانهم، ولأن الأذى يحصل به قطعاً.
رابعاً: الاعتداء على نفسه، ذهب الشافعية إلى أن الذي يعتدي على نفسه كأن يقطع أطرافه لا يعزر وهو أيضاً ما ذهب إليه القاضي أبو يعلي من الحنابلة فيما لو شتم نفسه أو سبها، فقال بعدم تعزيره مع أنه معصية، وتبعه جمع من علماء المذهب في ذلك، وخالفهم آخرون فقالوا: يعزر، لأنه معصية.
خامساً: الاعتداء على فرعه، قال العلماء: لا يعزر الأصل بحق الفرع لو نال من عرضه بأن شتمه أو سبه، أو قذفه، أو جنى عليه. أي لا يحق للولد المطالبة بتعزير والده من أجل حقه، لكن الحاكم لو أراد أن يعزر الوالد لحق الله تعالى أو للحق العام كان له ذلك.
ليس كل ما يعاقب عليه الشرع «جريمة»!
وانتقل الباحث إلى تساؤل آخر حول تلازم العقوبة والجريمة، فأجاب عنه بأن من تتبع أقوال العلماء تبين له أنه لا تلازم بين العقوبة والمعصية أو العقوبة والجريمة. أي لا يمكننا الاستدلال بالعقوبة التي فرضها الشارع على بعض الأفعال على أن تلك الأفعال جرائم أو معاصي، وذلك كما في الصبي الذي يشرب الخمر، أو يمارس الفاحشة، فإنه يفعل منكراً شرعياً! غير أن عمله هذا لا يوصف بأنه معصية، وأولى ألا يسمى جريمة، لأنه غير مكلف شرعاً، والقلم مرفوع عنه، ومع ذلك فإنه يعاقب، لا لارتكابه جريمة، بل من باب الزجر والتأديب.
وكذلك لو تقاعس الصبي عن أداء الصلاة المفروضة، وقد بلغ العاشرة من عمره، فإنه يضرب على تقاعسه هذا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أناء عشر) وهذا الضرب ضرب تأديب. يقول السيوطي في بيان هذا الذي أسلفناه: «ويكون التعزير في غير معصية في صور: منها الصبي والمجنون يعزران إذا فعلا ما يعزر عليه البالغ، وان لم يكن فعلهما معصية. نص عليه (أي الإمام الشافعي) في الصبي، وذكره القاضي حسين في المجنون. ومنها نفي المخنث، نص عليه الشافعي مع أنه لا معصية فيه إذا لم يقصده، إنما فعل للمصلحة. ومنها ما قاله الماوردي: يمنع المحتسب من يكتسب باللهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي. وظاهره يشمل اللهو المباح.» ومثله ما ورد عن عمر رضي الله عنه من ضربه لرجل وجد تمرة ملقاة في سوق المدينة، فأخذها وقال: من فقد هذه التمرة، وهو يكرر كلامه، ومراده من هذا إظهار زهده وديانته على الناس، فسمع عمر رضي الله عنه كلامه، وعرف مراده، فقال: كل يا بارد الورع فإنه ورع يبغضه الله تعالى وضربه بالدرة». فإنه من باب التأديب.
ومن ذلك ما قاله المالكية في تعزير من حلق شاربه، أو طلق ثلاثاً بلفظ واحد، أو حلف بالطلاق... وكذلك ما نقلوه عن أصبغ بأن تارك الوتر يؤدب. قالوا: وقد نقل عن عمر التأديب في المكروه... واستشكل بعضهم ذلك، لأن علماء المذهب ينصّون على أنه لا أدب في المكروه! إلا أن الحطاب وفّق بين الرأيين بأن حمل القول بالتأديب على من واظب على ترك المسنون أو فعل المكروه، وحمل القول بعدم التأديب على من كان منه ذلك مرة. وقد بوب البخاري في صحيحه لبعض الأحاديث بقوله: «بابٌ كمِ التعزيرُ والأدَبُ».
قال العيني: قوله: والأدب بمعنى التأديب وهو أعم من التعزير، ومنه تأديب الوالد وتأديب المعلم». وقال الشربيني بعد أن ذكر ضرب الأب ولده تأديباً والزوج زوجته على نشوزها، والمعلم التلميذ: «وتسمى هذه المسائل المستثناة تعزيراً، وقيل: إنما يسمى ما عدا ضرب الإمام ونائبه تأديباً لا تعزيراً وعلى هذا لا استثناء». وعليه، فإن العقوبة لا تعني دائماً أن المعاقَب مرتكب لجريمة، فقد تكون العقوبة للتأديب فحسب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.