هجوم سيبراني في مطارات أوروبية كبرى يثير مخاوف أمنية    عبدالرحمن الأحمدي يكتب.. إنزاغي وجماهير الهلال!    التعادل السلبي يخيّم على مواجهة الحزم والفتح    النصر يكتسح نادي الرياض بخماسية ويستعيد الصدارة من الاتحاد    ماريسكا: البطاقات الحمراء غيرت سيناريو المباراة أمام المان يونايتد    النصر يتفنن على الرياض بخماسية    شرطة الرياض تقبض على (3) أشخاص لاعتدائهم على آخر    كسوف جزئي نادر غير مرئي عربيا    المملكة توزّع (1600) سلة غذائية في ولاية شمال كردفان بالسودان    أسباب شائعة للعقم عند الرجال    Al يتوقع إصابتك ب1000 مرض    المملكة تكرّم علماء العالم    خطب الجمعة تعزّز مشاعر الانتماء والولاء للوطن    الحكومة اليمنية تعرب عن تقديرها البالغ للدعم الاقتصادي الجديد المقدم من السعودية    رئيس صحيفة الشعب الصينية يستقبل رئيس التحرير    ختام الأسبوع الثقافي السعودي في ألبانيا    وزير الخارجية : القضية الفلسطينية على رأس أولويات المملكة في كل المحافل الدولية    تشابي ألونسو: الانتصار على إسبانيول خطوة مهمة في مسيرة تطور ريال مدريد    201 مبتعث ومبتعثة في نخبة جامعات كندا    التغذية الراجعة فلسفة إدارية ناجحة    ضمان الزواج    استبشروا خيرا    واجبات ومحظورات استخدام علم المملكة    جمعية التنمية الأهلية في فيفاء تنفذ مبادرة "بصمة إبداع"    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة حتى يوم الخميس المقبل    «الداخلية»: العلم السعودي .. مجدٌ متين .. وعهدٌ أمين    الجدية في طلب العلم النهوض وميزان الحضارة    البريطانيون والرياضيات التطبيقية    التاجر والتمرة: حين تصبح الصحة أغلى من الكنوز    أهالي محافظة طريب يطلقون مبادرة عودة سوق الاثنين الشعبي يوم الاثنين القادم    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في البرنامج التوعوي للوقاية من التدخين    الذهب الجديد    رؤية 2030 والسيادة الرقمية    الفخر بطبيعتنا هوية وطن    المركزي الروسي يرفع سعر الدولار ويخفض اليورو أمام الروبل    بوبا العربية تعقد شراكات تقنية وصحية في مؤتمر "Money 20/20" بالرياض    جودة التداوي والكسب المادي    أثر الحوار في تعزيز المشاركة لدى طلاب الثانوي    حق التعليم لا يسقط بالتقادم أين مرونة القبول    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    محافظ الطائف يتوّج الجواد "تلال الخالدية" بكأس الأمير عبدالله الفيصل و"وثاب المشاهير" بكأس الملك فيصل    18حكماً يشاركون في إدارة مباريات خليجي تحت 17 عاماً    الرويلي يشهد حفل تخريج دورة التأهيل العسكري للأطباء الجامعيين ال 12 من طلبة كلية الأمير سلطان العسكرية للعلوم الصحية بالظهران    المرور : ترك الطفل وحيدًا داخل المركبة.. خطر يهدد حياته    الجهني: أوصي المسلمين بتقوى الله والاعتصام بالكتاب والسنة    جمعية نمو للتوحد تحتفي باليوم الوطني ال95    خطباء الجوامع: وحدة الصف وحفظ الأمن من أعظم نعم الله على المملكة    اختتام ورشة عمل بناء العمل الفني بالمدينة المنورة    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع مجلس هيئة تطوير المنطقة    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي    نائب أمير تبوك يدشن حملة التطعيم ضد الانفلونزا الموسمية    قطر: حرب إبادة جماعية    السعودية تطالب بوضع حد للنهج الإسرائيلي الإجرامي الدموي.. الاحتلال يوسع عملياته البرية داخل غزة    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساعد الخميسي يكتب معجم البدو السردي
نشر في الحياة يوم 09 - 02 - 2016

من شمال جدة، جاء هذا البدوي ليكتب نقوشه القصيرة جداً، عبر مساحة بيضاء هي مسافة 75 صفحة، جاء محمّلاً بالصورة الموروثة لحياة البادية، من دون أن تخدعه المدينة بأنوارها وعماراتها وتأسره بألوانها وألسنتها المتعددة. فها هي لغة البداوة وعوالمها الثقافية والاجتماعية تسيطر على قصص ساعد الخميسي، بدءاً من النقش الذي جعله عنواناً لمجموعته القصصية «نقوش» (نادي جدة الأدبي الثقافي) وصولاً إلى مفاصل اللغة المنقوشة داخل كل قصة قصيرة جداً.
من عتبة العنوان تواجهنا كلمة واحدة اختارها القاص لتكون مدخلاً سيميائياً للمجموعة «نقوش»، فمنها نستطيع أن نعي جيّداً أن هناك أكثر من نقش، حيث تتوزع مفردة العنوان بالداخل من خلال التقسيم الذي قام به الخميسي، فقد قسّمها إلى ثلاثة أقسام، على النحو الآتي: الأول: نقوش حائرة. الثاني: نقوش دائرة. الثالث: نقش شخصي.
ولعل النقش الشخصي كان واضحاً في تقسيمه واختلافه عن القسمين السابقين، إذ جعله القاص صفحة واحدة متضمنة لسيرته الذاتية، أما القسم الأول: نقوش حائرة فيلاحظ أنها تخلو من الحوار، كما يظهر فيها أن الصوت السردي يجيء من طرف واحد، أما القسم الثاني والمعنونة بنقوش دائرة فتدور أحداثها بين شخصين أو أكثر، وهو ما يعلي من شأن الحوار وتعدديته. وكأنه بذلك يستحضر نقش البيداء عند الشعراء الأوائل في وصفهم للراحلة والفيافي والقفار.
لهذا تحضر عند القاص مفردات مثل: الطريدة، البيداء، القبيلة، القطيع، القنص، القوس، السيوف، السهام، السرج، الرعي، الرواحل، الرمل، السراب، النار، الحصى، الحجارة، الكلأ، المدافن، الخ...
وتأتي العبارات بدلالتها المُضافة في صفة تركيب لغوي تأكيدي على ذلك مثل: كبد الصحراء، نباح الكلاب، بقايا الرعايا، حوافر الخيل، رؤوس السمر، أسرجوا خيلهم، ناصية القرى، فتات الحصى، تجاعيد الرمل، رغى البعير. وهذه العوالم اللغوية للأشياء لا تجيء إلا من كاتب عاش هذه الأجواء، ومر بهذه التجربة وذاق حلاوتها ومرارتها.
صنع الحدث وتوجيهه
كما حضر «شيخ القبيلة» شخصيةً سردية لها تأثيرها وبطولتها في صنع الحدث وتوجيهه في أكثر من قصة، منها على سبيل المثال: في قصة «اتفاقية»، وفي قصة «سنن».
وتأتي شخصية (الراعي) في قصص الخميسي، منها على سبيل التمثيل: قصة «2011»، وقصة «نفس»، وإنه لمن الطبيعي أن تحضر من خلال شخصية الراعي الشخصيات الحيوانية، والتي تظهر في وصف واحد للأغنام والمواشي عبر كلمة (القطيع) والتي هي تعبير عنها، في قصة «2011» التي يبدأها بقوله: «تكاثر القطيع على الراعي...». وتحضر شخصية (الراعي) حضوراً رمزياً في بعض قصص المجموعة، من دون ذكر معلن للشخصية لكنها تنكشف من خلال رسم القاص للحدث القصير.
كما تظهر شخصية (الصيّاد) بصور مختلفة تكشف عن تنوع في دورها السردي، في بعض القصص، فمرة تجيء عابرة في نهاية قصة استسلام وهبوط الطائر/الصقر بعد خيانة أجنحته، وتجيء مرة معلنة رفضها إسراف الصيادين في القتل، في قصة «رحلة نجاة». كما أن هذه الشخصيات تُمارس قدح نارها من شجر البيئة مثل: «يقدحون رؤوس السمر»، هنا تحضر أشجار السمر، وهو تناص مع شاعر المعلقات الذي يقول: «لدى سمُرات الحي ناقف حنظل». كما أن هذه الشخصيات البدوية تصدح بالغناء والحداء وبالمواويل، يقول: «يصدحون بمواويل مضاربهم الهاجعة».
ولا تتوقف الشخصيات الآدمية عن الشخصيات الحيوانية في توظيف الدلالة البدوية فلقد حضرت في مجموعة القاص على سبيل التمثيل لا الحصر: الخيل، والإبل، والأغنام، والكلاب، والقطيع، والطيور، وسرب القطا إلخ...
وتجيء (الطيور) شخصيات سردية لها ما لغيرها من الحضور والتوظيف، متأرجحة ما بين دلالتي الواقعي والرمزي، ففي قصة «تحليق مقرر»، يهبط الطائر عمداً؛ لينتحر على يدي الصيّاد، والذي يبدو أنه صقر لقوة التعبير والوصف من خلال رسم الصورة السردية له، في القصة يعلن هذا الطائر الاستسلام، إنها خيانة الأجنحة، خيانة الذات أمام المواجهة، وكأنها بذلك تعبير عن زمننا الحاضر، زمن الخنوع والضعف والانكسار، فلم يعد الطائر رمزاً للتحليق والقوة، وإنما أضحى رمزاً للاستسلام والهبوط، وتحديداً في يد العدو الصيّاد.
ويرد الطائر الهزيل في قصة «هزال» والذي يظهر من خلال وصفه ووصف صوته بأنه طائر الغراب، حيث تحضر شخصية الطائر في القصة عبر صورة سيئة مقززة تحضر اللامبالاة من خلال شخصية الصيّاد عبر ملمح «فوهة الرصاص» في نهاية القصة. وتجيء كذلك أشياء الطائر من (عُش، وريش...) في قصص أخرى مثل: قصة «بلاهوية»، ويذكر القاص صورة لسرب القطا في قصة «مجاهل».
ولا تغيب الدلالة الرمزية عن المبنى السردي الذي أوقده القاص في صحرائه، ليمنح الفضاء المكاني تشكيلاته النفسية الغاضبة. فالصحراء هنا هي النقش، الصحراء هنا هي القص، الصحراء هنا هي الكون الممتدة على أطراف النص، صحراء ممتدة عبر قَص قصير جداً، يعيده رمزياً القاص بجوار عالمه الواقعي، من دون أن يلغيه في صفة البدو وبحثهم المستمر عن الماء والكلأ.
الضجر من المدينة
ويظهر ضجر القاص من المدينة، وهو ما تكشفه قصة «مقاومة»، حينما يجيئها البدوي طالباً من المركز الطبي لقبيلته ما يطرد عنها النوم. وهو كره مبطن للمدينة من جهة ابن الصحراء الذي لم يزل في حالة شوق وحنين للبداوة حيث النقاء والصفاء الذي تفتقده المدينة. وهي كذلك نسق ثقافي عالٍ يتعلق بإحساس البدوي بالأصالة والقوة والشجاعة والأنفة والكرم.
وتتضح فلسفة الرفض عند الخميسي من خلال رسمه لهذه الصورة، فالمكان الجديد هو عدو للمكان القديم، الصحراء في مواجهة المدينة، ترفضها شخصيات البدو، فهي تسخط عليها، وتنكرها عبر موقف عقلاني تكشفه طبيعة اللغة التي تصورها نفسية الشخصيات في قصص عدة، منها: صعود، عتق، جدار الدهشة، نفس، عودة البدء، ففي قصة «عتق» يقول: «حدق في بيداء شاسعة، وقد قذفته شواطئ التيه على الحدود...».
وتنهار الشخصية في شوارع المدينة بعد أن أصابتها الرتابة والملل، ليسقط منهاراً كسقوط الجدار الذي حضر لإكمال المشهد البصري في قصة «جدار الدهشة».
ولهذا نصل إلى أن القاص الخميسي استطاع أن ينحت لغته الخاصة المستمدة من بيئته البدوية، وأن يعلن في مجموعته الأولى هذه ضجرَه وغضبَه من الحياة المتحولة، فهي قصص تراجيدية مصابة بلعنة السواد، والذي يؤكد أنها كذلك، عتبة لون الغلاف الخارجي لمجموعته القصصية ذات اللون الداكن، وكأنه بذلك يغلق بها هذا العالم ويغطيه عبر تموجاته الصغيرة من خلال قصصه القصيرة جداً، من دون أن يعود إلى الصحراء الحُلم التي أصبحت مدناً حديثة تحيط بالشخصية وتحاصرها من كل اتجاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.