جلوي بن عبدالعزيز يكرم 61 خاتماً للقرآن    ختام مهرجان التمور بالزلفي    القيادة تهنئ رئيسة مقدونيا الشمالية بذكرى استقلال بلادها    الأخضر السعودي يتعادل مع التشيك ودياً    المسامرة يؤكد جاهزية الأردن لاستضافة كأس العرب للهجن في أكتوبر    سيدات النصر يتوّجن بالسوبر السعودي في نسخته الأولى    مرصد سدير يوثق مراحل الخسوف ويقيم محاضرات وندوات    جامعة حائل تحقق إنجازًا علميًا جديدًا في «Nature Index 2025»    جائزة الأميرة صيتة تكرّم 35 فائزًا بجوائزها الاجتماعية    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط وبرامج «تقني حائل»    علاج جديد لارتفاع ضغط الدم بمؤتمر طبي بالخبر    تجمع مكة يطلق الحملة الوطنية للقاح الحصبة    الرميان: الأصول المدارة يمكن أن تصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول 2030    منتخب السعودية تحت 20 عامًا يفوز على تشيلي وديًا    إحباط تهريب (65,650) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي بمنطقة جازان    الحارس الفرنسي باتويي رسميًا إلى الهلال    الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتوقع اتفاقا وشيكا مع إيران    الدرعية يبدأ Yelo بهوية جديدة    منسوبو أسمنت الجنوبية يتفاعلون مع حملة ولي العهد للتبرع بالدم    انطلاق أولى ورش عمل مبادرة "سيف" بمشاركة أكثر من 40 جمعية من مختلف مناطق المملكة    نائب أمير تبوك يثمن جهود البريد السعودي بالمنطقة    وزير الحج والعمرة يبدأ زيارة رسمية لتركيا    الذهب عند قمة جديدة بدعم من توقعات خفض الفائدة الأمريكية    تونس تتأهل لكأس العالم 2026 بفوزها على غينيا الاستوائية    التحالف الإسلامي يطلق مبادرة توعوية لمواجهة الخطاب المحرّض على الإرهاب    عقارات الدولة تطرح 11 فرصة استثمارية بمددٍ تصل 25 سنة    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقّع اتفاقية تعاون مشترك لتأهيل آبار منطقة دوما بريف دمشق    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: "التماسك بين الشعب والقيادة يثمر في استقرار وطن آمن"    مجلس إدارة جمعية «كبدك» يعقد اجتماعه ال27    وزراء خارجية اللجنة العربية الإسلامية بشأن غزة يعربون عن رفضهم لتصريحات إسرائيل بشأن تهجير الشعب الفلسطيني    إسبانيا تُعلن تسعة إجراءات تهدف لوقف "الإبادة في غزة"    أبرز التوقعات المناخية على السعودية خلال خريف 2025    جمعية رؤية وشركة الصدف تدشنان مبادرة #انتاجنا_هويتنا لتوطين مهن الإنتاج التلفزيوني والسينمائي    أمانة الشرقية تفعل اليوم الدولي للعمل الخيري بمشاركة عدد من الجمعيات    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    محافظ عفيف يدشن مبادرة نأتي اليك    نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.6% في الربع الثاني من 2025    مراقبون توقّعوا أن تكون الزيارة أهم حدث دبلوماسي في 2025 ترمب يدعو ولي العهد إلى زيارة واشنطن.. نوفمبر القادم    حين يتحدث النص    دعم قانوني لرواد الأعمال    عبر أكبر هجوم جوي منذ بداية الحرب.. روسيا تستهدف مواقع في كييف    نزع السلاح شرط الاحتلال.. وحماس تربطه بقيام الدولة الفلسطينية.. غزة على مفترق مسار التفاوض لإنهاء الحرب    النسور.. حماة البيئة    السعودية تحمي النسور ب«عزل خطوط الكهرباء»    راغب علامة يلاحق «المسيئين» بمواقع التواصل    «صوت هند رجب» يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية    «الإعلام» : استدعاء 5 منشآت لدعوتها معلنين من الخارج    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    932.8 مليار ريال قروضاً مصرفية    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    الجوازات تواصل استقبال ضيوف الرحمن    يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء.. التعليم: بدء المرحلة الأخيرة للعمل بنظام «حضوري»    حين نغرس الخير في الصغار.. ينمو مجتمع بالعطاء    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    إعادة السمع لطفلة بعمر خمس سنوات    حين تتحول المواساة إلى مأساة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخراب متماسكاً في قصيدة يوسف بزي
نشر في الحياة يوم 12 - 12 - 2015

الشعر ضالة يوسف بزي الأولى، وواحدة من ضالاّته الكثيرة التي من بينها كتاباته الثقافية والشخصية. يعود إليه اليوم بمجموعة «في فم الغراب» (دار رياض الريس)، مقدماً للقارئ اقتراحاً مغايراً للقصيدة. كتابه يحمل مكر مانيفستو أكثر من كونه مجرد محاولة لإنتاج واقع شعري يطارد السياسة ويزجُّها بقسوة في المجاز.
آخر دواوين يوسف بزي الشعرية كان قبل أحد عشر عاماً. يومها صدر له «بلا مغفرة» عن دار النشر ذاتها، لينعطف بعدها نحو التزام السياسة في ما يعتبره «الممارسة الثقافية» كواجب أسمى لكَ إذا أردت أن تكون شاعراً. نزوعه إلى السياسة مهد لموقفه اللاحق من القصيدة، وإعادته النظر في بنيتها وذهنيتها من جديد، ليعود ويرسم شكلاً شعرياً يسعى إلى أن يقطع مع كل ما سبق. خصوصاً أن كل ما أنتج من أطوار وأنواع من قصيدة التفعيلة إلى «المقاوِمة» واليومية والحداثوية وما بينهما وبعد، ساد في ظل إيديولوجيات مستبدة فرضت نفسها إما لتعارض نظاماً أو لكي تتبرَّج بآثاره.
بيوغرافيا يوسف بزي، وتماسه «القسري» مع الحروب، صقل فيه مزيجاً من كينونتين ملتصقتين بعضهما ببعض، واحدة شعرية وأخرى سياسية. لم نعرف يوماً كيف يبدو شكل الجديلة التي يشتبكان عندها. أو ربما لم نكن نعرف بالضبط قبل قراءة «في فم الغراب». في هذا الكتاب، نصوصه أشبه بحوار حاد بين هاتين الطبيعتين المتعارضتين للوهلة الأولى. الشاعر لا يدير ظهره لما يحصل حواليه على مستوى الحدث العام أو الجغرافيا. الخراب حين يتكاثر يستدعي أن نعالجه بالمجاز. المجاز الجميل والصارم في آن. يوسف بزي يكتب كأنه عابس طوال الوقت. بقلم في يد ومشرط في اليد الأخرى. نقرأ فيجرحنا على غفلة منا. يكثف عبارته الشعرية ويختزلها مع حرصه على إبقائها في سياق مشهدي. وإلى جانب تثبيته الواقع كمصدر للمواد الأولية في قصيدته، فإن بزي يلتزم منطقاً حكائياً في نصوصه، بصرياً، ما يجعل التحايل على الواقع «المألوف»، مسألة تستلزم إعادة إنتاج هذا الواقع من الأساس ومن ثم تبديده شعرياً. لا نعود نتلقى الأشياء تماماً كما نعرفها. ونخرج في النهاية بقصيدة كما لو أنها متتالية من التحولات البصرية التي لا تهدأ إلا بعد ان تضع بعداً جديداً لحكاية أو حادثة ظننا بأنّا ألفناها جيداً. الشعر هنا ليس بحثاً عن حقيقة ما، حقيقة مريرة، بقدر ما هو تتويج ماكر لها. سيسقط الواقع في نهاية الأمر عن كتفي القصيدة. وسيحضر أمامنا نص مملوء عن عمد بالإشارات الناقمة. الشعر أخيراً ينال من هزيمتنا.
في القسم الأول «تمرين حرّ بين السياسة والمعنى» من المجموعة، تتخذ نصوص بزي صيرورة ملحمية. تسعى إلى صعق القارئ بخفوت. تكثف العنف، وكل ما يمت إلى العدمية بصلة، وتبحث في التحول العبثي للأشياء، كما لو أنها كتابة لا تريد أن تزكّي المعنى، ولا أن تدل عليه. فالخراب هو المقصد الأول. والمعنى يصبح حاصل هذه الكثافة الصورية المرعبة التي ينظمها بزي ولا يدع فيها مجالاً لعبور ولو نَفَس. الشعر يوازي الواقع هنا في التباسه على الإنسان وقدرته على إحداث الفزع ورسم القلق والمهول كتركة نهائية. صوره الماكرة يخبئها في البساطة الآسرة لجملته، كأن يقول «جملة مرتعشة على جدار» أو السم يسهر على شفاهنا» أو «حين كان صوتك يفكك الجنود».
يصل القارئ إلى الجملة الأخيرة في كل قصيدة مفرغاً من السكينة التي يخلّفها الشعر عادة، سيكون قارئاً منهكاً ومصدوماً، مشبعاً بالتراجيديات القريبة في أمزجتها من ذاكرته. لن نعثر على قصيدة هجينة عنا، أو مترفعة. لا وقت لذلك. ونحن محكومون بالالتفات إلى علاقة جدلية بين الهلاك لحماً وجوعاً وإسمنتاً من جهة، والجماليات المستأصلة ب»عنف» مواز لعنف ذلك الهلاك، من جهة أخرى. سندرك أننا تعثرنا خلال القراءة بمستويات من الخراب، سواء في السياق الكتابي «غير المعتاد»، أو في التقارب الخبيث لكائنات العالم بعضها من بعض («والطيور مكتظة فوق اللحم الأزرق»)، أو في تحولات القصيدة المفرغة لوهلة من الشعور: «كل المتوقع والمتعذر/ كل الخامد الذي يشرع في العمل/ كل المفاجئ الذي ينشطر/ كل الجثامين المغطاة بمكعبات الثلج»).
قصيدة يوسف بزي لا تطلب شيئاً من القارئ بقدر ما تعيد تعبئة محيطه الشخصي. يلغي الشاعر كل خصوصية محتملة لحدث ما، وتصبح القصيدة منظومة من المقترحات المجازية التي تتمدد كلما أمعنا في القراءة. إننا إزاء عمل تسجيلي للواقع النيء، بصيغة كوابيس.
في «موسيقى الحياة العامة»، قسم المجموعة الثاني، تنطلق القصيدة من علاقة بصرية فجة بين الشاعر والفضاء الممكن. إننا هنا في أمكنته. في ملاذه الهادئ، أو الفناء الخلفي الذي يلجأ إليه بعد أن وضع كل الخراب في بيته الشعري بالأول. هي أمكنة يبدو النشاط الإنساني فيها بقوة همس في أذن العدم. تحضر بإيقاع مختلف تماماً. هي بحد ذاتها أمكنة منهَكة، إنها ذاكرة خراب ما، كأنها نيغاتيف لاحق لما يرد في قسم الكتاب الأول، «كل شيء يتحرك أقل/ كل شيء ينطفئ في عمق الساعة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.