خمسة آلاف مشاركة في يوم واحد حصدتها صفحة «فوتو مصر» بعد يوم من إطلاقها على موقع «فايسبوك». ونجحت المصورة المصرية المقيمة في هولندا هالة القوصي، في إثارة شغف المهتمين بتاريخ الصورة عموماً وتاريخ مصر الاجتماعي، خصوصاً في الصفحة التي لم تكتفِ بتقديم الصور وتحميلها تقنياً، إنما خاضت محرّرتها نقاشات واسعة حول حدود التحريم والشرط الاجتماعي لإنتاج الفن. تؤكد القوصي ل «الحياة» أن دوافع إطلاق الصفحة على نطاق واسع مصدره هموم خاصة مرتبطة بالحفاظ على التراث الفني والشخصي، وحالة الأرشيف في مصر، إلى جانب الرغبة في خلق حوار مجتمعي حول أهمية الصورة كأثر تاريخي يمكنه الاستدلال على السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الفترة التي أنتجت فيها الصورة. معايير مهنية واجتماعية تشير القوصي إلى أن اختيار الصور التي تعرضها الصفحة يخضع لاعتبارين، الأول مهني، والثاني اجتماعي. وهما وجهان لا يمكن الفصل بينهما في شكل حاسم. لذا، لديها اعتقاد أنها أقدر على استخلاص دلالات اجتماعية من الصورة أكثر من شخص مختص في علم الاجتماع، لأنها أدرى بما انتهت به الحال في الصورة عن قصد وما انتهت به الحال في الصورة بسبب محددات تقنية مرتبطة بالفترة التي أنتجت فيها. وبحكم حرفتها، ترى نفسها أقدر على تحديد العنصر القصدي في الصورة. ويلاحظ المتابعون للصفحة أنها تعتمد في شكل أو في آخر على الأرشيفات الخاصة كمصدر رئيس من مصادرها، وهو أمر يواجه صعوبات تراها القوصي مرتبطة بافتقار المصادر إلى كثير من المعلومات التي لا يمكن ملْأُها، إلا باستجلاب مصادر أكثر. في أعمالها تتناول القوصي التاريخ غير الرسمي لمدينة القاهرة من خلال تجارب حياتية عادية لسكان المدينة وتستخدم في تناولها وسائط التصوير الفوتوغرافي، والتركيب في الفراغ والنص المكتوب والفيديو. وتؤمن أنه لم يحدث أي تأريخ سابق جاد عن تاريخ التصوير في مصر، إلا في شكل متقطع وبتركيز على فترات بعينها أو مصورين معينين. و«البحث في غياب أرشيفات عامة، وفي غياب شبكة تواصل بين المقتنين وفي غياب تيسر تبادل المعلومات يستلزم مبدئياً الاستثمار في خلق هذه الشبكة حتى نستطيع أن نضع أيدينا على كمية مقبولة من المصادر، نستطيع منها استخلاص معلومات ذات قيمة وليس فقط استنباطات ضعيفة الارتباط بالمصدر»، كما تقول. ترى القوصي أن تفاعل الناس مع الصفحة يزداد كل يوم عبر عدد المشاركين بصورهم الشخصية وتفاعلهم مع صور الآخرين. وولد حوار أخيراً، تحول صورة نصف عارية من عام 1920 صورها المصور المصري الأرمني ألبان. ونشرتها القوصي للتعريف بأعمال ألبان الذي عمل في باريس أيضاً، وصدرت أعماله في كتاب يضم معه أعمال مان راي الذي يعد واحداً من أهم المصورين في القرن العشرين وهو واحد من رواد الحركة السوريالية، والتي غيرت رؤية العالم للصورة كونها تسجيلاً للواقع أي كونها منتجاً فنياً مثله مثل اللوحة أو التمثال. لذلك، شاركت القوصي بالصورة للتدليل على حضور هذا الفنان في مصر، ولإبراز طموح الصفحة في تقديم عرض تاريخي متكامل. وتفيد بأن «الصور العارية جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ ولا يجوز إغفالها فقط، لأن المجتمع يميل إلى التحفظ لدرجة لا تسمح بالتعاطي مع صورة لصدر عار عمرها 100 عام». وتعتبر هالة القوصي أن مثل هذا التفاعل «صحي لأنه يحيي مواضيع يقف الخوف الاجتماعي حائلاً دون تناولها خشية إثارة الحفائظ، وعائقاً دون التقدم عن نقطة معينة توقفنا عندها ربما للمرة الأخيرة في السبعينات». اختارت القوصي فتح صفحة على «فايسبوك» قبل إطلاق موقع إلكتروني، لأن إنشاء صفحة إلكترونية أبسط وأقل كلفة وتعقيداً، ومن الأيسر جذب الجماهير إليه في حين أن الموقع يستلزم كثيراً من التفكير والتحضير حتى يُصمّم في شكل يتماشى مع مضمون المادة وفي شكل بسيط يُيسّر للمستخدم التعامل معه. لنقل إن الصفحة هي خطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى أولها الموقع. متحف افتراضي للفن المعاصر إلى جانب عملها على صفحة «فوتو مصر»، دعت الفنانة هالة القوصي إلى تأسيس متحف افتراضي للفن المعاصر على الإنترنت، وهي خطوة اتّخذتها لأن «مصر تفتقر إلى وجود متحف للفن المعاصر، وهناك لبس مفاهيمي مرتبط بتعريف الحداثة وتعريف المعاصرة في مصر». من وجهة نظرها، «أهم سبب لانعزال هذا المتحف مرتبط بسوء الإدارة، وهي مشكلة ليست فقط مقصورة على هذا المتحف، ولكن على جميع المؤسسات الثقافية الحكومية في مصر». وما يطرحه المتحف هو التأريخ والتسجيل للحركة الفنية ككل. وهو دور سيلعبه طبقاً لقواعد مؤسساتية مثل القوانين واللوائح والاختيار بالانتخاب المفتوح والتقويم الدوري للأداء. الفكرة من المتحف الافتراضي، كما تراها القوصي، «نقدية في الأساس، لكنه نقد ليس مبنياً على الشكوى وتعداد المساوئ في المؤسسة الفعلية، إنما هو نقد يبنى على إيجاد نموذج موازٍ يضع أسساً للشكل الذي يجب أن تكون عليه مؤسسة ثقافية معاصرة في مصر اليوم». وهناك طموح لتحويل الأمر إلى عمل مؤسساتي، هو التحرك من الفضاء الافتراضي إلى الفضاء العام على مراحل مدروسة ومحسوبة بتأنٍّ بالغ. بداية من موقع إلكتروني، إلى استضافات دورية لنشاطات المتحف الافتراضي في مؤسسات موجودة على الأرض، إلى الطموح الأكبر، وهو متحف الفن المصري المعاصر (مع إسقاط كلمة افتراضي) كمتحف قائم في شكل تعاوني بين الفنانين أو بالتمويل الشعبي أو بمزيج من شكلي التمويل.