نار «الأصلية» أم هجير «التشاليح» ؟    492 ألف برميل نفط يومياً وفورات يومية    مقامة مؤجلة    هوس «الترند واللايك» !    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    أمير حائل يرفع التهنئة للقيادة نظير المستهدفات التي حققتها رؤية المملكة 2030    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة    أمير جازان ونائبه يهنئان القيادة بما تحقق من إنجازات ومستهدفات رؤية المملكة 2030    60 مزارعا يتنافسون في مهرجان المانجو    هيئة السوق المالية تصدر النشرة الإحصائية للربع الرابع 2023م.    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    "أوبرا زرقاء اليمامة" تبدأ عروضها بحضور عالمي    الهمس الشاعري وتلمس المكنونات    الأخضر تحت 23 عاماً يواجه أوزبكستان في ربع نهائي كأس آسيا    أمين الرياض يحضر حفل السفارة الأميركية    تحول تاريخي    المملكة تبدأ تطبيق نظام الإدخال المؤقت للبضائع    العين يكشف النصر والهلال!    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    فلسطين دولة مستقلة    محمية الإمام تركي تعلن تفريخ 3 من صغار النعام ذو الرقبة الحمراء في شمال المملكة    الفيحاء يتجاوز الطائي بهدف في دوري روشن    تفكيك السياسة الغربية    القيم خط أحمر    لو ما فيه إسرائيل    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    مقال «مقري عليه» !    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الرياض    الكشف عن مدة غياب سالم الدوسري    أرامكو السعودية و«الفيفا» يعلنان شراكة عالمية    ريال مدريد في مواجهة صعبة أمام سوسيداد    مانشستر سيتي يضرب برايتون برباعية نظيفة    النواب اللبناني يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية    الهجوم على رفح يلوح في الأفق    سلمان بن سلطان يرأس لجنة الحج والزيارة بالمدينة    رئيس الشورى يرأس وفد المملكة في مؤتمر البرلمان العربي    حزمة الإنفاق لأوكرانيا تشكل أهمية لمصالح الأمن الأمريكي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    "ذكاء اصطناعي" يرفع دقة الفيديو 8 أضعاف    مستشفى ظهران الجنوب يُنفّذ فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    «رؤية 2030»: انخفاض بطالة السعوديين إلى 7.7%.. و457 مليار ريال إيرادات حكومية غير نفطية في 2023    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    تسليم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي    أدوات الفكر في القرآن    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    النفع الصوري    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النائب الثاني يفتتح المؤتمر العالمي عن ظاهرة التكفير غداً
نشر في البلاد يوم 19 - 09 - 2011

نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله يفتتح صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية راعي جائزة نايف العالمية للسنة النبوية والدراسات الاسلامية المعاصرة مساء غد الثلاثاء المؤتمر العالمي عن (ظاهرة التكفير.. الأسباب ، الآثار والعلاج) بالمدينة المنورة بمشاركة جامعة الإمام.وبهذه المناسبة قال صالح بن عبدالله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : لقد ولدت ظاهرة التكفير ويلات وفتنا اكتوى بنارها كثير من المسلمين في أقطار العالم , وما كانت تلك الظاهرة إلا نتاجا لفكر متشدد لم يعرف يسر الشريعة ولا مقاصدها , ولم يتأمل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي حذر من مغبة هذا التكفير وعواقبه الوخيمة , فقد قال صلى الله عليه وسلم:(أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ) رواه مسلم , وقال صلى الله عليه وسلم:(من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال .. ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ومن لعن مؤمنا فهو كقتله , ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله ) رواه البخاري , وقال صلى الله عليه وسلم:(لا يرمى رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ) رواه البخاري , وقال صلى الله عليه وسلم:(ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه ) رواه مسلم .
إن التكفير المبني على الجهل والهوى وسيلة للخروج عن جماعة المسلمين وشق صفهم وتفريق وحدتهم , وهو ذريعة للإفساد في الأرض , وقتل الأنفس المعصومة وإراقة الدماء البريئة بغير حق, وقد قال الله تعالى :"ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما" (93) سورة النساء , وقال صلى الله عليه وسلم:(إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) رواه مسلم , وقال صلى الله عليه وسلم:(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم .
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات أهل التكفير والخروج بقوله :(سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية ,يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) متفق عليه , وأشار لصفات أخرى بقوله صلى الله عليه وسلم :( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم , يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان , يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية , لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ) متفق عليه .
إن آثار ذلك التكفير لا تعود بضرر على الأفراد فحسب وإنما تعم المجتمع كله , لتنشر الفوضى, وتفسد الدين وتحرض الناس على التمرد والعصيان وإثارة الفتنة , وتلغي مرجعية العلماء الراسخين وتدعو لاحتقارهم والتقليل من شأنهم ومن ثم تصدير أهل الجهل والضلال لمنصب الفتوى .
فتنة التكفير خطرها عظيم يجب على الجميع مواجهته واستئصاله من جذوره بالبيان والسلطان وفق التدابير والسبل الوقائية والعلاجية على منهج كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, ومن تلك السبل ذلك المؤتمر العالمي الذي دعت إليه جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة بمشاركة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حول:(ظاهرة التكفير .. الأسباب , الآثار , العلاج )بالمدينة المنورة , فهو وسيلة للحوار وإقامة الحجة وبيان الحق لمريديه ,والمؤمل أن تكون له آثاره الجلية وصداه المسموع في العالم كله . وقال الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نائب رئيس لجنة الإشراف العليا:الحمد لله رب العالمين ، نحمده سبحانه وهو الموفق والمعين ، ونصلي ونسلم على خاتم النبيين ، وعلى آله وأصحابه التابعين ، وبعد :فلا يخفى أن أخطر الفتن التي مرت على الأمة الإسلامية ، وأعظم الأخطار التي هددت وحدتها واستقرارها وأمنها وأمانها فتنة نبتت نبتتها في عهد سيد المرسلين وإمام المتقين وأخبر أنها ظاهرة ممتدة الى قيام الساعة . وذلك حينما اعترض عليه ابن ذي الخويصرة التميمي وواجه بقوله اعدل يا محمد ! وقال : من يطع الله إذا عصيت ! أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني . فسأل رجل قتله فمنعه فلما ولى قال : ( إن من ضئضئ هذا – او في عقر هذا – او يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان . لئن أنا ادركتهم لا قتلنهم قتل عاد ) . ونمت هذه البدعة واشتد أوار هذه الفتنه حتى خرجوا زمن على بن ابي طالب رضي الله عنه واستمر خروج هذه الجماعات التكفيرية وتفاوت ظهورهم بين المد والجزر مصداقاً لقول رسول الله : ( كلما ظهره منهم قرن قطع حتى يخرج في أعقابهم الدجال ) .
وفي عصرنا الحاضر صار لهذه الجماعات أثر كبير على مجريات الأحداث العالمية، وأصبحوا يقتحمون الساحة السياسية ، ويرمون الوصول إلى مطامع كثيرة ، وفي الوقت نفسه اكتوت أوطان المسلمين بفتن وأحداث كبرى ، راح ضحيتها الأبرياء من المسلمين والمعصومين تحت حجج التكفير .
والمملكة العربية السعودية وهي إحدى الدول التي كانت هدفاً لهذه الجماعات والتنظيمات والأفكار الضالة . وانجرف بعض شبابها بهذه الدعوات الفاسدة المفسدة بل وارتكبوا عظائم وجرائم ، وبحكم مركزها في العالم الإسلامي ومكانتها التي حباها الله جل وعلا استشعرت مسئوليتها تجاه كل انحراف وخصوصاً هذا الانحراف الذي لا ينحصر على قناعات بل يتحول إلى سلوكيات وتصرفات شاذة منكرة. يتمثل بالتفجير واستهداف كل مظاهر الصلاح والإصلاح بشبهات واهية وخلفيات فكرية متنوعة . وصدرت الموافقة السامية ذات الرقم 2258/م ب وتاريخ 10/ 3/ 1430ه على قيام الجائزة الرائدة جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة بالاشتراك مع الجامعة العريقة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على عقد مؤتمر عالمي يناقش الأسس الفكرية. والمنطلقات والأيدلوجيات التي تقف وراء فكر التكفير مع استحضار الأبعاد التاريخية والآثار الخطيرة لهذه الظاهرة وصولاً الى تقديم المعالجات العلمية المتوازنة التي تمثل رسالة الإسلام وروحه المتجسدة في الوسطية والاعتدال. ومحاربة الغلو والتطرف ، والتشدد والجفاء ، يحمل هذا المؤتمر عنوان : "ظاهرة التكفير: الأسباب –الآثار- العلاج" ومنذ صدور الموافقة شكلت اللجان العاملة وباشرت الجنة العلمية أعمالها بعد ان تشكلت ممثله في عديد من الجامعات السعودية وقد تواصل عمل هذه الجنة على مدى عامين ، تأطيراً ومنهجاً واستجلاباً للخبرات وتواصلً مع الكفاءات في العالم كله استكتاباً وإعلاما للمؤتمر حتى تهللت هذه الجهود بالنجاح وتمخضت في هذه المجموعة العلمية التي حوت 119 بحثاً وورقة عمل وتنوعت المشاركات محققة الأبعاد العالمية وبحكم المسئولية والإشراف فقد كنا نتابع أعمال هذه اللجنة خطوة خطوة وعملت الجامعة على تذليل وتسهيل كل عقبة وصعوبة تتعرض سير أعمال هذه اللجنة وحرصت على توفير البيئة التي يتم فيها عقد الاجتماعات واللقاءات المتواصلة وها نحن نقطف ثمار هذه الجهود ونراها عند هذا المؤتمر . وقد مرت البحوث المقدمة لعدة خطوات أولها الفحص الأولي من قبل اللجنة ثم التحكيم ثم متابعة التعديلات والتصويبات التي أبداها المحكمون ثم المراجعة العامة لكل البحوث ثم التدقيق اللغوي ثم تلخيص البحوث وترجمة الملخصات وكل ذلك لتكون مخرجات هذا اللجنة بحوثا عميقة ورؤى سديدة وإسهامات متميزة وصورة مشرفة تليق بالمناسبة والراعي.
وقال الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير المفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي:التكفير أمره خطير وشرره مستطير ، فإنه يبدأ بكلمة وينتهي بالقتل والتفجير ، فهو يبيح الدم والمال والعرض ، ويجعل الناس يعيشون في هرج ومرج ، يختلط فيه الحابل بالنابل ، وكل يدَعي صواب رأيه ، ويستبيح دم غيره ، بسبب خلاف فكري أو توجه عقدي ، أو مستوى ثقافي ، لذلك كان أمره في الإسلام عظيما ، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه أيما تحذير ، كما روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيما رجل قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما " ، وفي رواية مسلم " إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما" ، يعني إن كان كافرا حقا فذاك، وإلا فإن الحكم يرجع عليه ، كما في رواية أخرى عند مسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه ".ذلك أن تكفيره لأخيه وهو ليس كذلك رضاً له بالكفر ، ومصادرة لحقه في الإسلام ، وذلك مناف للأخوة الإيمانية وما يقتضيه الإيمان من وجوب محبته له كما يحبه لنفسه ، وهذا لا يكون مع التكفير الذي هو حكم عليه بغضب الله وخلود له في نار جهنم وكونه عرضة لإراقة الدماء واستباحة المال ، وهذا من المفاسد العظيمة في المجتمعات ، فلا يتجرأ على ذلك إلا أحد رجلين :
الأول من كان له برهان عند الله ليس فيه امتراء كالشمس في رائعة النهار ، كما قال صلى الله عليه وسلم :"إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " ، والبرهان هو الدليل الذي لا يقبل التأويل ، وذلك بما يشاهد بالحس من قول كفر أو فعل كفر أو اعتقاد كفر ليس فيه تأويل سائغ ، ومثل هذا لا يكون من آحاد الناس ، بل يكون من جماعات العلماء ، واتفاقهم على ذلك المكفِر .
الثاني من أعلن على الملأ أنه لم يرض بالله ربا ولا بالإسلام دينا ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا و رسولا ، وأعلن العداء لله ورسوله والمؤمنين ، كما هو حال أهل الملل الأخرى ، سماوية كانت بعد نسخها، أو وضعية من صنع البشر ، ومع هذا فإن تكفير هذا الصنف لا يعني استباحة دمه ولا ماله ، إنما هو للتمايز بينه وبين المسلمين مادمنا في حال عهد وهدنة .
ومن الخطأ القاتل سواء كان من الأول أو الثاني أن يكون المكفِر يملك سلطة تشريعية وتنفيذية في آن واحد ، فيكون الحكم و المنفذ وهذا ما يجري من سفهاء الأحلام و حدثاء الأسنان ، الذين يقولون من قول خير البرية ، ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميِّة ، كما وصفهم المصطفى صلى الله عليه وسلم فهم الذين نبذوا التحذير النبوي عن التكفير وراءهم ظهريا ، فكانوا محادين لله ورسوله والمؤمنين .
والعجب أن هذا الخطأ الذي يأتي من هؤلاء يستفحل يوما بعد يوم ، فكلما خبت ناره ، عاد واشتد أواره ، وذهب يلتهم الأبرياء من الركع السجود ، الموفين بالعهود ، الآمنين في بيوتهم و أوطانهم ، و الأعجب من ذلك أن هؤلاء يجدون آذان صاغية من فئات عمرية محددة من الشباب الذين خلت أذهانهم من فقه الكتاب والسنة ، و اغتروا بقراءة نصوص مبتورة عن سياقها ودلائلها ووضعوها في غير مواضعها، وهاهي الأمة اليوم في أرجاء المعمورة تعاني من هذا الداء الذي يستفحل يومأ بعد يوم ، ولا سبيل لاستئصاله إلا بتضافر الجهود أفراداً وجماعات ، حكاماً ومحكومين ، ابتداءً بنشر الثقافة الصحيحة لمفهوم التكفير، وخطره على الأمة والمجتمعات ومروراً بوضع اليد على السفهاء بتعقب آثارهم والاحتفاظ بهم حتى يرجعوا عن غيهم وضلالهم ، ثم الضرب بيد من حديد على من عتا وتجبر ، وتمكن من السلاح أو الاحتماء بفئة ضالة أو جبال شاهقة ، أو أودية وعرة ، وهذا لا يكون إلا من سلطان قاهر ، وقوات متنوعة متطورة . وإن هذا المؤتمر الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين سيضع لبنات أساسية لتصحيح المسار نحو هذه الفكرة الخاطئة و الفئة الضالة ، فإنه يهدف إلى تحميل المسؤولية علماء الأمة ، بمختلف طبقاتهم وبلدانهم ، فهم الذين يعوَّل عليهم بدحض حججهم وإزهاق باطلهم ، كما يعول عليهم بغرس الثقافة الصحيحة لمفهوم التكفير و الولاء و البراء ، وطاعة ولي أمر المسلمين ، ناهيك عن نشر عقيدة أهل السنة و الجماعة الذين لا يكفرون بذنب ولا يستبيحون دم مسلم أو ماله أو عرضه . وقال الدكتور تقي الدين الندوي رئيس مركز الشيخ أبي الحسن الندوي للبحوث والدراسات الإسلامية رئيس الجامعة الإسلامية في مظفر فور أعظم جراه الهند:الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :فإن الله تعالى قد اختار محمداً صلى الله عليه وسلم أميناً ومعلماً مبيناً، واختار له ديناً قويماً، وهداه في كتابه صراطاً مستقيماً، ارتضاه لجميع البشر إماماً، وجعله للشرائع النبوية ختاماً، فانتهت إليه سلسلة النبوءات فقال : ( مَا كَان مُحَمًّدٌ أَبا أَحدٍ مِنْ ِرجَالِكُمُ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَم النَّبِيينَ وَكَانَ اللهُ بكُلَّ شَيْءِ عَلِيمًا ) الأحزاب : 40.إن الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي شريعة تصلح لكل زمان ومكان، وصرح القرآن الكريم بأن هذا الدين قد بلغ طوره الأخير من الكمال والوفاء بحاجات البشر، والصلاحية للبقاء والاستمرار فقال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكمْ وَأَتِمْمتُ عَلَيْكم نِعْمتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة: 3.وكذلك وصف الله في القرآن الكريم رسوله صلى الله عليه وسلم الذي ختم به النبوة بصفات تشير إشارة بليغة إلى خلود رسالته وكونه قدوة صالحة وأسوة حسنة في كل عصر وجيل، ولكل طبقة من الناس من غير تقييد بزمان ومكان ، فقال : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ اْلآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) الأحزاب: 21.لقد كانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مصدر كل خير ومنبع كل سعادة، وبفضل ذلك نشأ المجتمع الإسلامي الفريد، والعناصر التي كونت منها هذا المجتمع الإسلامي إنما هي ثلاثة أمور: الأول : القرآن الكريم، الثاني : شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخلاقه، الثالث : أقواله وأعماله وتوجيهاته التي يسمى مجموعها بالسنة، ويحتوي عليه الحديث النبوي، لو تأملنا لعلمنا أن هذه العناصر الثلاثة بمجموعها عملت على إيجاد أمة جديدة، ولا يمكن أن يوجد مجتمع مثالي بدونها، وما نجد في حياة الصحابة رضي الله عنهم من خلق إسلامي وذوق ساٍم، والكيفيات الإيمانية العجيبة لم تكن نتيجة تلاوة القرآن وحدها، وإنما كانت بجانب هذا فيها يد لتلك السيرة والأخلاق الفاضلة التي يشاهدونها والإرشادات والتعليمات التي يسعدون بها في عهد صاحب النبوة عليه الصلاة والسلام ،إنهم رأوا أن القرآن يقرر أن هذه الدنيا ظل زائل، وأن الآخرة هي دار القرار ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إلَّا لَهٌو وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّار اْلآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ العنكبوت: 64،إلا أنهم إنما عرفوا حقيقة ذلك وتفسيره من أسلوب حياته وحياة أهل بيته صلى الله عليه وسلم وكذلك كانوا يعرفون معنى كلمات الرحمة والتواضع والرفق والخلق وما إليها من التعليمات والتوجيهات، لكنهم لم يعرفوا مدى سعة هذه الكلمات إلا عند ما شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم يعامل الضعفاء والعجزة والأطفال والنساء والفقراء وعامة أصحابه وأهل بيته تلك المعاملة السامية .
والواقع أن وقائع حياة النبي صلى الله عليه وسلم المباركة وإرشاداته وتعاليمه تخلق ذلك الجو الروحاني، وهذه الوقائع هي مجموعة الحديث النبوي التي طبعت الأمة بخصائص متميزة .قال أستاذنا سماحة الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله: لاشك أن الحديث ميزان عادل يستطيع المصلحون في كل عصر أن يزنوا به أعمال هذه الأمة واتجاهها، ويعرفوا الانحراف الواقع في سير هذه الأمة، ولا يتأتى الاعتدال الكامل في الأخلاق والأعمال إلا بالجمع بين القرآن وبين الحديث الذي يملأ هذا الفراغ الذي وقع بانتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، هذه الفجوة لا بد منها في السنن الإلهية, ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) آل عمران: 144( إِنَّكَ مَيَّتٌ وإِنَّهُمْ مَيِّتوٌنَ ) الزمر: 30 فلو لا الحديث الذي يمثل هذه الحياة المعتدلة الكاملة المتزنة، ولو لا التوجيهات النبوية الحكيمة، ولو لا هذه الأحكام التي أخذ بها المجتمع الإسلامي من الرسول صلى الله عليه وسلم لوقعت هذه الأمة في إفراط وتفريط، واختل الاتزان ، وفقد المثال العملي الذي حث الله على الاقتداء به بقوله: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب: 21.
ولاشك أن الحديث وسيلة قوية للحسبة في المجتمع الإسلامي ، ولم يزل باعثاً على محاربة الفساد والبدع ، وبهذا كان الحديث من حاجات هذه الأمة الأساسية ، وظلت كتب السنة ولا تزال من مصادر الإصلاح والتجديد، ولا يستغني عن هذا المصدر كل من يريد إرجاع المسلمين في عصره إلى الدين الخالص والإسلام الكامل، ويشهد بهذه الحقيقة تاريخ الإسلام والمسلمين نفسه ، كلما ضعفت صلتهم بكتب الحديث غزت المجتمع الإسلامي تقاليد عجيبة ، وبدع ظالة، وأعراف دخيلة، وصدق قوله صلى الله عليه وسلم "لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعاً بذراع" أخرجه الحاكم .
وبفضل الله ثم بجهود العلماء بقيت صورة عهد النبي صلى الله عليه وسلم بجانب القرآن الكريم مسجلة، وبقاء حديث صاحب النبوة معجزة من معجزات الإسلام ، لا تشاركه فيها ديانة، إن الدين جاء ليبقى إلى يوم القيامة "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذَّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر: 9. واهتمام صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز – النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية للمملكة العربية السعودية – بخدمة السنة النبوية في هذا العصر وهذه البلاد المقدسة التي هي مهبط الوحي ومهجر النبي صلى الله عليه وسلم له أجر كبير عند الله سبحانه وتعالى ، ثم هو توجيه لطيف وخدمة جليلة للأمة الإسلامية للتمسك بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه، لأن المجتمع إذا تمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فالله يحفظه من الانحراف والإفراط والتفريط ، ويوفقه أن يختار منهج الاعتدال والوسطية في منهج حياته، كما يقول الشاعر الإسلامي محمد إقبال في شعره : إن هذا السر لا يعرفه إلا قليل من الناس أن المسلم ليس هو قارئ القرآن فحسب ، بل حياته تفسير للقرآن الكريم الذي يتجلى في سلوك حياته، وهذا لا يكون إلا بالرجوع إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال فضيلة الدكتور أنس بن حسن الشقفة رئيس الهيئة الدينية الرسمية بالنمسا أمين عام مؤتمر الأئمة والمرشدات الدينيات في أوربا إن فتنة التكفير والتفسيق والتبديع، لا يكاد يخلو منها عصر من عصور التاريخ قديمه وحديثه. وليس بدعا ولا مستغربا أن نرى هذه الظاهرة المدمرة تطل برأسها القبيح علينا في زمان الناس هذا، ولكن المستغرب أن هذه الفتنة قد بلغت في زمننا مبلغا من الشطط لم نر له مثيلا في التاريخ (إلا ما ندر)، إذ أن خوارج زماننا هذا لا يستبيحون دماء مخالفيهم فقط، بل يستبيحون دماء الأبرياء ممن لا شأن لهم لا من قريب أو بعيد بشيء مما يدعيه هؤلاء ويقاتلون الناس في سبيله.وأضاف أن ما نراه اليوم من استفحال أمر هذه الظاهرة المدمرة يدعونا إلى التأمل ومراجعة النفس، مفتشين عن الأسباب المباشرة الظاهرة، وغير المباشرة المستترة لتبني فئة من الشباب المغرر بهم لهذا الفكر وجنوحهم إلى هذا المنحى الخطر، مع ظننا أن أكثرهم أراد الحق وجانبه.وبين أن من أهم أسباب هذه الظاهرة عنف الخطاب الديني، فكثيرا ما نسمع، أو نقرأ تسفيها وتسخيفا لرأي من خالف ولو برأي واحد في أمر فرعي لا يتصل بعقيدة أو بعبادة، فإذا ما اتصل الأمر بشيء منها نقرأ، أو نسمع تقريعا و توبيخا وتضليلا، كثيرا ما يصل إلى حد إخراج صاحب ذلك الرأي من الملة، ولم يكن هذا شأن أهل العلم والفضل من سلفنا الصالح أبدا.وقال: ومن العجب العجاب أن نرى مكفرين من أهل زماننا يدعون اتّباع السلف في العقيدة والعبادة، ولا يلتفتون إلى ما قرره صاحب العقيدة الطحاوية: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله. مع اتفاق أهل السنة والجماعة على صحة معناه.
واستعرض الآثار السلبية لظاهرة التكفير وتبعاتها على المسلمين خارج العالم الإسلامي والتي تشمل الانعزال عن المجتمعات، والجفاء والصلف في التعامل مع الآخرين، الذي ربما يصل إلى ممارسة العنف والإرهاب تجاههم، وتعزيز بعض الأفكار السلبية المشوهة وغير الصحيحة عن الإسلام، والتعامل الحذر مع المسلمين في مختلف المجالات، وغيرها كثير، قد انعكس على نظرة هؤلاء إلى الإسلام والمسلمين، ولا سيما أولائك منهم ممن يعيشون خارج العالم الإسلامي فأصبح الآخرون ينظرون إليهم بكثير من الشك والريبة، ويعتبرونهم سببا لتنغيص حياتهم، ومصدرا للخطر عليهم مشيراً إلى أن المسلمين الذين يعيشون خارج العالم الإسلامي ليسوا حفنة قليلة، بل هم ثلث عدد المسلمين في العالم بل قد يزيدون عن ذلك.وبين أن الله سبحانه وتعالى قد أوحى كتابه الكريم على قلب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ليهدي به الناس جميعا وهو الدين الخاتم الذي أنزل للناس كافة، وبعث نبيه رحمة للعالمين. وقال: إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك، فكيف نبلغ الناس بهذا الدين ونهديهم إلى صراطه المستقيم، إذا كان بعضنا ينفرونهم منا بالقول الفظ والفعل الشنيع؟ .. هل يظن عاقل أن ذلك إنما يكون في زماننا بشن الحروب لفتح البلدان لهداية أهلها إلى الإسلام؟ إن مثل هؤلاء لم يفهموا معنى ومقاصد فتوحات المسلمين في مطلع الرسالة، فلم يفتح المسلمون البلدان التي فتحوها ليفرضوا الإسلام على أهلها، بل ليزيلوا العوائق التي كانت تحول بينهم وبين تبليغ رسالة ربهم، وكلنا يعرف أن الناس في تلك الأزمنة كانوا على دين ملوكهم، وكان حكامهم يحولون بينهم وبين اعتناق دين آخر، فكان الفاتحون المسلمون يزيلون هذا العائق بقهر أولائك الحكام، ثم يتركون الحرية للمحكومين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وحيثما كان حسن المعاملة بالقول والفعل هو الغالب في البلاد المفتوحة، كانت أعداد المسلمين من أهلها أكبر حتى أصبحوا أكثرية، وحيثما لم يتوفر ذلك المناخ الصحيح تعثرت الدعوة وبقي المسلمون حتى بعد مضي قرون متطاولة أقلية. كيف لا وقد بين لنا ربنا سبحانه وتعالى الطريق الصحيح والأسلوب القويم للدعوة حيث قال عز وجل من قائل: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن). (وقولوا للناس حسنا).واستطرد قائلا: واليوم وقد أصبح الناس أحرارا في خياراتهم، لا تفرض عليهم سلطة ما دينا، أو عقيدة، وانتشر المسلمون في الأرض يستوطنونها وعاشروا الآخرين جيرانا فلم يعد يحول بينهم وبين تبليغ الدعوة شيء غير سوء الفعل والقول، وما يقترفه البغاة من بني ملتهم عن جهل أو غفلة، مما ينفر الناس من المسلمين ودينهم المظلوم بما يفعله السفهاء منهم، وكأني بهم تنادوا دون قصد منهم لتصديق نبوءة (صموئيل هونتينجتون Samuel Huntington ) في كتابه (صدام الحضارات) حيث زعم أن الحضارة الإسلامية ستكون في علاقة صدام ومواجهة مع كافة الدوائر الحضارية الأخرى. فانتقدناه وسفهنا رأيه نحن وكثيرون معنا من المنصفين من غير المسلمين، وقلنا هو نذير شؤم وناعق بخراب ككساندرا تلك الأميرة الطروادية! ولم يخطر ببالنا أن بعض من ينتمي إلى ملتنا وربما تؤرقه حال أمتنا ولعله أراد الحق فجانبه، نهض لتصديق تلك النبوءة المشؤومة! والأعجب والأغرب أننا كلنا نكتوي الآن بنيران هذه الفتنة المدمرة، وما زال بين ظهرانينا من لا يريد أن يسمع أو يرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.