يعود ملايين الطلاب الأحد القادم إلى مدارسهم، بعد أن عاد معلموهم قبلهم بأسبوع واحد، وبعد غربلة إدارية عاشها الجميع لمدة أربع سنوات، طبقت فيها وزارة التعليم ثلاثة فصول دراسية طويلة، امتدت فيها الدراسة إلى 180 يومًا، وهو رقم تريد الوزارة تحقيقه مهما كلّف الأمر. انتهى العام الدراسي الماضي بقرار إداري يتم تطبيقه لأول مرة في تاريخ التربية السعودية، وهو تطبيق الاختبارات النهائية بعد عيد الأضحى للفصل الدراسي الثالث في نفس اليوم الدراسي، أي أن الطالب يدرس ويختبر في الوقت نفسه. ولا يبدو أن تلك التجربة قد نجحت، فربما أرادت الوزارة- في الوقت الضائع- استثمار الوقت وتحسين مستوى الانضباط، كما لو أن الاختبارات لا تمثّل تلك الأهمية الكبيرة لديها. لكن الجميع يعرف أن التعليم كان موجهًا طوال العام الدراسي نحو الاختبار test-oriented، والدليل تلك الاختبارات المركزية والدولية والمحلية المتتابعة، التي تنظّمها وزارة التعليم، وتلك التي تتم بالتنسيق مع هيئة التقويم. المعلم المغلوب على أمره أمام مهام جسام خلال العام الدراسي؛ حيث يقوم بالتدريس والملاحظة والتنظيم والمراقبة والتنفيذ والتصحيح والمتابعة، والقائمة تطول. تجري الوزارة خلف سراب تحقيق هدف خيالي خال من أي معنى تربوي، وهو تحسين ترتيبها في قائمة الدول التي تخوض الاختبارات المعيارية، التي تعقدها منظمات دولية لا علاقة لها بالتربية؛ مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD . هل انتبه القارئ الكريم إلى أن كلمة التربية أو التعليم غير موجودة في اسم هذه المنظمة الغامضة؟ هذه المنظمة تضع قوائم ترتّب فيها الدول حسب نتائجها في الاختبار، الذي يعتمد في جزء كبير منه على الاختيار من متعدد، ثم تقوم بتحليل نتائج الاختبارات، وتقديم تقارير مكتوبة حول درجات الطلاب وترتبهم بالمقارنة مع دول أخرى أجنبية مختلفة في الدين، واللغة، والجغرافيا، والثقافة، والسياسة. شاركت المملكة في اختبارين سابقين في 2018 و 2022 بنتائج دون المتوسط الدولي، رغم وجود تحسّن طفيف بين الفترتين لا يكاد يذكر. هذه المنظمة الباريسية ليست مؤسسة تربوية خالصة بالمعنى الأكاديمي البحثي، ولا تقدّم معرفة نظرية تخضع لفحص علمي دقيق، كما تفعل الجامعات ومراكز البحث العلمي المرموقة؛ بل هي في الواقع مؤسسة اقتصادية؛ هدفها الأساسي تعزيز النمو الاقتصادي للدول الأعضاء الغنية، التي تمولها وتعكس رؤية اقتصادية ليبرالية؛ تتمحور حول قضايا الخصخصة وسوق العمل والمحاسبية. هذه القضية الأخيرة هي التي أثقلت كاهل المعلم، وجعلته عرضة للمحاسبة وأساليب التقويم المتعددة، ثم فضحه على الملأ من خلال نشر نتائج طلابه ومدرسته (وهو ما تفعله الآن هيئة التقويم بلا خجل في موقعها)، رغم أن المعلم بريء، ولا علاقة له بنتائج الطلاب في مثل هذه الاختبارات، التي أثبت البحث التربوي لمؤسسات أكاديمية تربوية مرموقة، أنها لا تعكس جودة التعليم. الإصلاح الحقيقي للتعليم لا يأتي من مصدر خارجي؛ يغفل السياق الثقافي للمملكة المتمثل بقيم إسلامية خالدة، لا تتعامل مع الإنسان ككائن اقتصادي قابل للقياس، يمكن تعليبه وقولبته بحسب معايير المنظمات الدولية.