الأشياء كلما ركضت نحوها هربت، وكلما استودعتها ومضيت عادت، لأن الأشياء لا تحب أن تطارد، ولأن المطاردة أحيانًا لا تشبه السعي بل تشبه التوسل. في الحياة كل شيء نفرض عليه قبضتنا يهرب، نطارد الفرص، ونحاول أن نحاصر الأحلام كي تتحقق بسرعة، نضغط على الحياة، ونرجوها ألا تؤجل ما نتمنى؛ فنرهق أنفسنا أكثر مما ننجز، لكننا حين نتوقف-لا لأننا يئسنا- بل لأننا تعبنا، تبدأ الأبواب التي ظلت مغلقة في الانفتاح! وكأن الأشياء كانت تنتظر أن نهدأ، أن نكف عن الرغبة الداخلية بامتلاكها، أن نخفف صوت الحاجة، ونعود إلى أنفسنا، لكن الحقيقة ليست جميلة دائمًا كما تبدو في القصص، فكثيرون انتظروا، وصدقوا، وتركوا الحياة تمر على أمل أن تأتي اللحظة التي انتظروها، وبدلًا أن تأتي الفرصة، مر الوقت والعمر، وتبدل فيهم شيء لا يمكن إصلاحه، أناس ظنوا أن الفرصة التي تلوح لهم من بعيد ستأتي يومًا وتغير كل شيء، فانتظروا، وصبروا، وضغطوا على أنفسهم؛ كي لا ينهاروا، ثم في لحظة صمت داخلي قالوا:" كفى" لقد قرروا ان يتركوا الحلم، لا لأنهم لا يريدونه؛ بل لأنهم استهلكوا أعمارهم في انتظاره، والأصعب من ذلك أن كثيرًا من هذه الأحلام تأتي فعلًا، لكنها تأتي بعد أن يفقد الإنسان قدرته على الفرح بها وإستقبالها، تأتي بعد أن يطفأ الحماس، ويبرد القلب، ويصمت الأمل، تأتي الفرص، لكنهم لا يعودون نفس الأشخاص الذين تمنوا أن تأتي حينها، لقد غيرهم الانتظار وسحب من أرواحهم شيئًا لن يعود كما كان، فحين نقول: إن الأشياء تأتي بعد أن نتوقف عن مطاردتها، علينا أن نتذكر أنها أحيانًا تأتي لكنها لن تجدنا في المكان ذاته ولا بنفس الرغبة، وهنا لا يكون الانتصار في تحقق الحلم، بل في شجاعة النهوض بعد التخلي عنه، في القدرة على العيش بعد أن قلنا له:" كنت أستحقك، لكني لم أعد أنتظرك."