تسابق الإدارة السورية الجديدة الزمن لفرض الاستقرار الأمني والسياسي في عموم البلاد، بعد أربعة عشر عامًا من الصراع الذي مزّق الدولة السورية وأفسح المجال لفوضى السلاح والفصائل وتدخلات خارجية متشابكة. ففي وقت تُفعّل فيه السلطات خططًا أمنية جديدة وتُحكم قبضتها في جرمانا وصحنايا والسويداء، حذّرت لجنة التحقيق الأممية من تصاعد العنف والتدخل الإسرائيلي، مؤكدة أنّ السلام المستدام في سوريا لا يزال مهددًا ما لم تتوقف هذه التدخلات ويُفعّل القانون. في ريف دمشق، أعلنت وزارة الداخلية أمس السبت ضبط كميات من الأسلحة والذخائر بعد طرد المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون من مدينتي صحنايا وأشرفيتها، في إطار خطة أمنية أُقرت حديثًا تشمل أيضًا مدينة جرمانا. وتم الاتفاق، خلال اجتماع رسمي ضم مسؤولين محليين وأمنيين، على توزيع قوات الأمن العام في المدينة وتثبيت مفارز أمنية، إضافة إلى تسليم السلاح الثقيل بشكل فوري، وتحديد جدول زمني لتسليم السلاح الفردي غير المرخّص، على أن يُحصَر حمل السلاح بمؤسسات الدولة فقط. أما في السويداء، فقد جاء الاتفاق الأمني الأخير بمبادرة محلية من وجهاء المحافظة و"مشايخ العقل"، في ظل رفض شعبي لأي تدخل خارجي بزعم دعم مكون ما، وفق ما أكده محافظ السويداء مصطفى البكور، الذي شدد على أن أكثر من 90 % من السكان "وجهتهم دمشق"، مشيرًا إلى أن العناصر الأمنية الجديدة المنتشرة في المحافظة سيكون معظمهم من أبناء السويداء أنفسهم، ما يعكس توجّهًا نحو المصالحة وتعزيز الانتماء الوطني. وشدّد البكور على أنّ حيازة السلاح المتوسط والثقيل لا مكان لها في المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أنّ الاستقرار الأمني ركيزة لإعادة بناء المؤسسات وإحياء الاقتصاد. أصدر وجهاء السويداء بيانًا مساء الأربعاء أكدوا فيه تمسكهم بوحدة سوريا ورفضهم لأي مشاريع انفصالية أو تقسيمية، مطالبين بتفعيل مؤسسات الدولة من داخل المحافظة، وتأمين الطريق الرابط بينها وبين العاصمة، لكن في خضم هذا الحراك الأمني والإصلاحي الداخلي، حذّرت لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا من أن استمرار الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، فضلًا عن خطاب الكراهية الطائفي الذي ينتشر عبر وسائل التواصل، يهدد التماسك المجتمعي ويزيد من احتمالات تفجّر الأوضاع من جديد. واعتبرت اللجنة أن الاشتباكات الأخيرة، التي بدأت في جرمانا وانتقلت إلى صحنايا والسويداء، تُظهر هشاشة الوضع الأمني وخطورة المرحلة الانتقالية. الاشتباكات التي اندلعت الثلاثاء الماضي وامتدت لأكثر من مدينة وأوقعت عشرات القتلى والمصابين، جاءت بعد انتشار تسجيل صوتي منسوب لأحد شيوخ الطائفة الدرزية، ما أثار موجة غضب. وسرعان ما دان وجهاء الطائفة التسجيل مؤكدين رفض الفتنة الطائفية، في وقت استغلت فيه إسرائيل الحدث بشن غارات متزامنة استهدفت ريف دمشق ودرعا وحماة، ترافقت مع تهديدات بزعم "حماية الدروز"، في خطوة أثارت رفضًا واستياءً واسعًا محليًا. وأكدت لجنة التحقيق الأممية أن "الإفلات من العقاب" وغياب العدالة كانا من أبرز محركات الصراع السوري، داعيةً إلى فتح تحقيقات نزيهة في الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، مشددة على أنّ السلام المستدام لا يمكن تحقيقه دون سيادة القانون وعودة الدولة. وسط هذه التحديات، يظهر أن الدولة السورية ماضية نحو ترسيخ سيادتها في كامل أراضيها، وتبني مشروع وطني جامع يسعى إلى إعادة الإعمار وفتح صفحة جديدة يتشارك فيها السوريون صناعة مستقبلهم. بعيدًا عن الفوضى والوصاية الخارجية.