وادي "الفطيحة" أجواء الطبيعة الخلابة بجازان    موسيماني: ما زالت لدينا فرصة للبقاء في "روشن"    بيريرا: التعاون فريق منظم ويملك لاعبين لديهم جودة    "الأرصاد": تنوع مناخ المملكة يعكس الواقع الجغرافي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع في الرياض    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    «هيئة العقار»: 18 تشريعاً لمستقبل العقار وتحقيق مستهدفات الرؤية    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    «التعليم».. تكشف شروط نجاح الطلاب والطالبات بجميع المراحل    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    طبخ ومسرح    مواقف مشرّفة    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دبلوماسي من طيبة لمعالي د. نزار بن عبيد مدني .. ثلاث قواعد رسمت طريق حياتي ومشواري العملي في ربع قرن
نشر في البلاد يوم 07 - 09 - 2009

في الفصل الأخير من (دبلوماسي من طيبة) لمعالي الدكتور نزار بن عبيد مدني، يأخذنا الكاتب في رحلة امتدت زهاء ربع قرن من الزمان والتي يقول عنها:
لم يكن يخطر ببالي، أو يقع في دائرة تخيّلي ونطاق تصوري، أن يمتد مكوثي في هذه المحطة السادسة من محطات مسيرة حياتي ومراحل عمري مدة تجاوزت رقع قرن من من الزمن، حينما انتقلت إلى مدينة الرياض كنت أظن أن الأمر لن يتعدى سنتين أو ثلاثاً سوف تجبرني طبيعة عملي بعدها على الانتقال مرة أخرى للخارج، خاصة أنني كنت قد أمضيت ست سنوات في الديوان العام بالوزارة بعد انقضاء مدة "النقلة" الأولى التي شَهِدتها حياتي الدبلوماسية والتي عملت فيها مدة عشر سنوات في سفارتنا بواشنطن ، لم أكن أظن أو أتخيل أنني سأمضي خمسة وعشرين عاماً في الحياة والعمل بمدينة الرياض لتصبح بذلك أطول مدة قضيتها في حياتي في مدينة واحدة منذ أن أبصرت عيناي النور لأول مرة في "بيت السوق" بالمدينة المنورة عام 1360ه "1941م".
بيد أنه لابد هنا من المسارعة إلى القول إنني لم أندم أوآسف على يوم واحد أو شهر واحد أوسنة واحدة من الأيام والشهوروالسنين التي قضيتها في الرياض خلال تلك السنوات الخمس والعشرين، لم يكن غريباً إذن أن يقع اختياري على كلمة "الحصاد" لأصف بها هذه المرحلة من مراحل عمري، والتي تمكنت في غضونها بالفعل من جني الثمار التي مافتئت أعمل على غرس بذورها فيما سبق من مراحل ومحطات، لم يقتصر الأمر على قدرتي في هذه السنوات الحافلة على تحقيق طموحاتي وبلوغ أمنياتي ، بل وحتى الوصول إلى ماهو أبعد من الأهداف التي وضعتها نصب عيني منذ أن بدأت التفكير والتخطيط للمستقبل، بل تعداه إلى تمتعي - ولله الحمد - طيلة تلك السنوات بحياة مستقرة هانئة حفلت بالكثير من الأحداث والمناسبات السعيدة على الصعيد العائلي والشخصي.
النظرة تجاه مدينة الرياض
في شهر ذي الحجة عام 1404 ه "سبتمبر1984م" وصلت مع أسرتي إلى مدينة الرياض، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي أزور فيها هذه المدينة حيث كانت أولى زياراتي لها في عام 1384ه "1965م" بعد تخرجي في الجامعة وقبل تعييني في وزارة الخارجية، وأقمت فيها أسبوعاً كاملاً في ضيافة سيدي الأخ غازي الذي كان يعمل آنذاك في المؤسسة العامة للبترول والمعادن "بترومين"، لمست منذ الوهلة الأولى اختلافاً كبيراً بين الحالة التي كانت عليها مدينة الرياض عام 1384ه "1965م" ، والحالة التي آلت إليها المدينة حين وصلتها في عام 1404ه "1984م"، لم تكن العين لتخطئ التطور الملموس الذي حدث في غضون العشرين عاماً التي خلت غيرأن الجديد في الأمر هذه المرة هو أنني اكتشفت منذ اليوم الأول لوصولي عدداً من المشاهد والدلائل التي تؤكد أن المدينة تستعد لبدء عهد جديد من التطور لم تشهده قط من قبل في تاريخها.
مراحل في مشوار الحياة
وجد معالي دكتور نزار مدني نفسه في خضم العمل بدءاً من الخارجية ثم إلى مجلس الشورى ثم رتبة مساعد لوزير الخارجية بمرتبة وزير ولذلك عمد إلى تقسيم مراحل المشوار في ثلاث مراحل هي:
تبدأ المرحلة الأولى منذ وصولي إلى الرياض في عام 1404ه "1984"م وتمتد إلى حين تعييني عضواً في مجلس الشورى بتاريخ 3/ 3/ 1414ه الموافق 20/ 8 / 1993م .
وتغطي المرحلة الثانية التجربة التي خضتها في مجلس الشورى منذ تعييني عضواً فيه ، والتي كانت تجربة ثرية ومثيرة بكل المقاييس، ومثلت بالنسبة لي نقطة تحول أساسية كان لها أبلغ الأثر في حياتي العملية والفكرية.
وتبدأ المرحلة الثالثة منذ عودتي إلى وزارة الخارجية بصدور الأمر الملكي القاضي بتعييني مساعداً لوزير الخارجية بمرتبة وزير وذلك بتاريخ 24/ 7 / 1418ه الموافق 24/ 11 / 1997م.
عبدالعزيز آخر العنقود
في يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر شوال عام 1405ه الموافق للثاني عشر من شهر يوليو 1985 م رزقني الله ب(عبدالعزيز) مسك الختام وآخر العنقود ، وكنت في واقع الامر في أمس الحاجة في تلك المرحلة بالذات إلى حدث ينقلني الى افاق جديدة من الآمال والتطلعات ، ويفتح أمام ناظري نافذة مشرعة من التفاؤل والاستبشار ، ويمثل لي حافزاً ودافعاً قوياً نحو التمسك بالحياة والاستمرارفي السعي في مناكبها ، والمضي قدماً بإرادة صلبة وعزيمة قوية نحو تحقيق الأهداف المنشودة والغايات المأمولة من تلك الحياة ، جاء مقدم ( عبد العزيز) ليمدني بكل ذلك وأكثر منه ،جاء ليعيد لي توازني وليطمئنني على وضعي الصحي وليمنحني الشمعة التي كنت ابحث عنها لكي تضيء الطريق وتنير لي الدرب ، سعدت سعادة لا توصف بمقدم عبدالعزيز وفرحت معي أسرتنا بكامل أفرادها بهذا الحدث السعيد الذي أشاع في أجوائها الكثير من السرور والبهجة، وأضفى على حياتها المزيد من السعادة والتفاؤل،
بانضمام عبدالعزيز إلى إخوانه :نهى وعبدالله ودانية يكون قد اكتمل عقد اسرتنا الصغيرة ، وتكون عضويتها قد تحددت بصورة نهائية ، أصبح لدي ابنان وابنتان هم مشروع حياتي الذي أنفقت فيه كل ما أملك ،فضلاً عن سنوات التنشئة والتكوين والتربية وسهر الليالي ، وكل ما من شأنه الاطمئنان على نجاح هذا المشروع وتحقيقه لأهدافه وبلوغ مقاصده.
مجلس الشورى
وعن تجربته في مجلس الشورى يستطرد دكتور نزار مدني في حديثه عن التجربة بقوله إن حصيلة معايشتي لتجربة مجلس الشورى منذ انطلاقها ومتابعتي لمسيرته منذ بدايتها أفضت بي إلى اقتناع تام بأنه إذا استطاع مواجهة بعض التحديات التي فرضت نفسها عليه، وإذا تمكن من تطبيق بعض الإصلاحات اللازمة لتطويره فإن إمكانية أن يحقق - من جهة - التفاعل المطلوب مع قضايا المجتمع ومن تحقيق آمال وتطلعات المواطنين وكسب ثقتهم وتقديرهم - ومن جهة أخرى - أن يوفر المصداقية المنشودة والتي تتيح التعامل معه بنفس المستوى الذي يتم التعامل به دولياً مع نظرائه من المجالس المشابهة والمماثلة.
دافع الكتابة الصحفية
أعترف هنا أن إقدامي على الانخراط في هذا النوع من النشاط الفكري جاء بفعل الضغوط التي مارسها عليّ زميلي وجاري في المجلس الدكتور هشام عبده هاشم.
كان الدكتور هاشم في ذلك الوقت يرأس تحرير صحيفة "عكاظ" وكان جلوسنا متجاورين في القاعة المخصصة لجلسات المجلس باعتبارنا آخرعضوين في قائمة الأعضاء وفي ترتيب جلوسهم حسب الحروف الهجائية، واشتراكنا أيضاً في عضوية لجنة الشؤون الخارجية ، كثيراً ما يتيح لنا الفرصة لتجاذب أطراف الحديث في القضايا والموضوعات الفكرية والإعلامية والثقافية ذات الاهتمام المشترك ، ومن بينها شؤون وشجون الصحافة والإعلام في بلادنا، والدكتور هاشم بالمناسبة يملك قدرة عجيبة على الإقناع يستطيع بها أن يوقع محدثه في الشراك التي ينصبها له ، وقد نصب لي أحد تلك الشراك التي أسفرت عن وقوعي في فخ الكتابة المنتظمة في صحيفة "عكاظ".
مصيدة الدكتور هاشم
بيد أنني أعترف أن وقوعي في مصيدة الدكتور هاشم جاء أيضاً بمحض إرادتي وطيب خاطري ولا قى هوىً في نفسي لعدة أسباب منها ولعي بالقراءة والكتابة وشغفي بالدراسات والبحوث، وهذا ماحبب إلي الفكرة وزينّها في قلبي، شرعت في البداية بكتابة مقالات مطولة أسبوعية في موضوعات ذات طابع فكري وسياسي واجتماعي، ثم تم الاتفاق على تخصيص عمود أسبوعي تحت عنوان "قطوف" استمريت في كتابته مدة تجاوزت العامين.
عودتي للوزارة مرة أخرى بمرتبة وزير
صدر الأمر الملكي بتاريخ 24 / 7 / 1418ه الموافق 24 / 11 / 1997م القاضي بتعييني مساعداً لوزير الخارجية بمرتبة وزير، في اليوم التالي لصدور الأمر الملكي ذهبت إلى مجلس الشورى حيث ودعت معالي الرئيس وزملائي أعضاء المجلس، وهكذا تم إسدال الستار على مرحلة مهمة في مسيرة حياتي في خلال هذه المحطة لتبدأ مرحلة جديدة قضت إرادة الله أن أحقق فيها أقصى طموحاتي ومنتهى آمالي وغاية تطلعاتي .
تبادر إلى ذهني وأنا أهم باجتياز المدخل الرئيسي لوزارة الخارجية في اليوم الأول الذي دخلت فيه الوزارة بعد صدور أمر التعيين، أنه في كل مرة أبتعد فيها عن الوزارة لسبب من الأسباب أجد نفسي أعود للعمل فيها في وضع أفضل ومركز أعلى، حدث ذلك مرتين : في المرة الأولى بعد غيابي لمدة عشر سنوات قضيتها في عملي بالسفارة في واشنطن، وجدت نفسي حين عدت إلى الوزارة في وضع أفضل بكثير مما كان عليه الحال قبل انتقالي إلى واشنطن، وها أنذا في المرة الثانية، وبعد غياب دام أربع سنوات وثلاثة أشهر قضيتها في عملي بمجلس الشورى أجد نفسي أعود إليها في وضع ومركز لم أكن حتى أتوقعه أوأحسب حسابه.
توجهت مباشرة إلى مكتب الأمير سعود الذي رحب بي وهنأني على الثقة الكريمة بتبوء المنصب الجديد.
اللاءات الثلاث - قواعد دعمت من مشوار حياتي العملية
في أول يوم بدأت فيه عملي الجديد في الوزارة تذكرت القَسم الذي أديته بعد تعييني عضواً بمجلس الشورى، وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك نظام يتطلب أدائي قسماً مشابهاً، إلا أنني منذ البداية رسمت منهجاً محدداً عاهدت نفسي على الالتزام به وعدم الحيدة عنه مهما كانت الظروف والأحوال، وبنيته على ثلاثة أركان أو قواعد أساسية:
القاعدة الأولى: هي اعتبار العمل الذي أقوم به بمثابة الأمانة التي أوكلت لي والتي يجب أن أؤديها بكل إخلاص وتفانٍ وصدق وعدل، وأن أتقي الله في أدائها بما يرضيه سبحانه وتعالى ويرضي ضميري.
القاعدة الثانية: هي ألاَّ أفعل فعلاً في نهاري أندم عليه في ليلى، أوأن أعمل عملاً في يومي أخاف عواقبه وأخشى نتائجه في غدي، بمعنى أن أحرص حينما آوي إلى فراشي في كل ليلة وأضع رأسي على الوسادة تأهباً للنوم أن أكون من الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، فأنام قرير العين هادئ البال مرتاح الضمير، لا أخاف ذنباً اقترفته، أونظاماً انتهكته، أوقانوناً خرقته أو ظلماً ارتكبته، أو ريالاً اختلسته، أو إساءة مارستها ضد أي موظف أوأي إنسان.
القاعدة الثالثة: فهي أن أبدي رأيي وأطرح وجهة نظري بكل أمانة وصدق، وبكل جرأة وشجاعة، وبكل صراحة وشفافية، في أي موضوع أو قضية أو مسألة تقتضي تقديم المشورة أو الاقتراح أو المرئيات ، مادمت مقتنعاً بها وموقناً بجدواها، ومهما كانت مخالفة للرأي المطروح، أومناقضة للفكرالسائد، أو حتى لو جاءت تغريداً خارج السرب، فإذا تم الأخذ بالرأي، أو تبني الاقتراح ، أو الموافقة على الفكرة فعلى الرحب والسعة، وأما إذا رفضت ولم تقبل ، ولم يتم تبنيها فإنني أعتبر كأن شيئاً لم يكن، وأتبنى وجهة النظر التي عارضتها، أوالفكرة التي خالفتها ، وأدافع عنها بكل ما أوتيت من قوة.
الفضل إلى سمو الوزير
إذا كانت هناك إنجازات تم تحقيقها في هذه المرحلة، فإن الفضل فيها يعود - بعد توفيق الله - إلى سمو الوزير فهو المسؤول الأول، وهو صاحب القرار النهائي، وهو الموجه والمرشد والدليل ، وأما إذا كان هناك تقصير أو تقاعس في الأداء وفي تحقيق الأهداف المنشودة، فإنني أتحمل المسؤولية كاملة في ذلك، وحسبي أنني اجتهدت وأخلصت وحاولت، وما توفيقي بعد ذلك كله إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
بعد انقضاء الأربع سنوات التي حددها الأمر الملكي صدر أمر آخر بتاريخ 25 / 7 / 1422ه بتمديد خدمتي لمدة أربع سنوات أخرى، ثم صدر بعد انتهاء التمديد الأول أمر ملكي جديد بتاريخ 25 / 7 / 1426ه بتعييني وزيراً للدولة للشؤون الخارجية لمدة أربع سنوات تنتهي بتاريخ 25 / 7 / 1430ه الموافق 17 / 7 / 2009م. وتم تمديدها مرة أخرى بأمر ملكي من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه وبهذا أكون قد حققت في مسيرتي العملية والوظيفية من الأهداف والطموحات والآمال حداً تجاوز ما كنت أتوقعه، وفاق ماكنت أتطلع إليه وأحلم به.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر في فكر الكاتب
ومن المؤسف أن تأتي أحداث "11" سبتمبر لتلقي بظلالها الكئيبة على هذه الإنجازات، لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل أدى إلى زيادة وتيرة الهجمات الشرسة على الإسلام ووصمه بالغرهاب الذي هو منه براء، لقد أعطت تلك الأحداث لأعداء الإسلام الذرائع والمبررات التي كانوا يتحرقون شوقاً إليها لكي يمارسوا تشويهاً متعمداً للإسلام، ولكي يفرضوا ضغوطاً أكثر على العرب والمسلمين.
لقد بتنا بوصفنا مسليمن في موقع الدفاع، ومكمن الحصار، ومستوى ردة الفعل ، مع أننا كان يمكن - بل كان يجب - أن نكون في موقع الانطلاق، ودائرة الفعل، وامتلاك زمام المبادرة.
خمس خواطر
في نهاية الكتاب يختتم معالي دكتور نزار بن عبيد مدني كتابه دبلوماسي من طيبة - بخمس خواطر حشد فيها أحاسيسه الصادقة تجاه مجتمعه وعمله وعالمه وأسرته ووطنه والتي لخصها في:
الخاطرة الأولى:
يمر العالم الذي نعيش فيه بمفترق طرق حاسم، فنحن وإن كنا قد تركنا خلف ظهورنا الخطر الكبير المتمثل في المواجهة النووية بين القوتين العظميين، إلا أن سلسلة متشابكة من الأخطار حلت محل ذلك الخطر، وهو ما يدفعنا إلى ضرورة النظر في الآلية الراهنة للعلاقات الدولية، والتفكير في ما إذا كانت مؤهلة للتعامل مع الأخطار الجديدة، وإذا لم تكن كذلك، فكيف يمكن تغييرها لتقوم بهذا الدور؟
الخاطرة الثانية:
تفخر بلادنا - بحق - أنها تطبق نموذجاً فريداً من نوعه يقوم أساساً على الالتزام بالشريعة الإسلامية في جميع مناشط الدولة ومجالاتها ، وفي جميع القرارات التي تعالج شؤونها الداخلية والخارجية.
أدى تطبيق هذا النموذج، من جانب، إلى تأكيدنا وبصفة دائمة على ضرورة حمايته من المؤثرات الخارجية ، وأحاطته بأسوار منيعة تحميه من مختلف أنواع تلك المؤثرات ، كما جعلنا ، من جانب آخر نتمسك بمقولة أصبحنا نرددها في كل محفل، ونبرزها في كل مناسبة، ونؤكد عليها في كل وقت وموضع، مؤداها أن بلادنا لها خصوصية معينة تنفرد بها عن سائر البلاد.
ولكن هذه الخصوصية لا ينبغي بأي شكل من الأشكال ، أن تمنحنا تميزاً على سائر البشر، أو تفرداً عنهم، أو استعلاءً عليهم ، ولكنها بالتأكيد تلقي على عواتقنا مسؤوليات جسيمة ، وترتب علينا التزامات وواجبات كثيرة، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، أوعلى مستوى سياستنا الخارجية.
الخاطرة الثالثة:
من الملفت للنظر ذيوع وانتشار صورة عن السياسة تساويها بالرذيلة، وانطباع يقرنها بالفساد ، وفكرة تربطها بالشر، ومن المؤسف اكتشاف أن مثل هذه الصور والانطباعات والأفكار لاتقتصر على العامة والبسطاء من الناس، ولكنها تمتد لتشمل بعضاً من الكُتَّاب والمفكرين والمثقفين ممن يفترض أن يكونوا أقدر من غيرهم على الغوص في أعماق الأمور وفهم حقائقها واستنباط واقعها، فالسياسة في نظر هؤلاء ليست سوى رديف للخداع والمكر، وصنو للكذب والمراوغة والرياء، وهم لايكِّلون ولايمِّلون من ترديد مقولة: " ما دخلت السياسة شيئاً إلا أفسدته"، والأدهي من ذلك أن بعض أولئك الكتاب والمفكرين والمثقفين - دعك من العامة والبسطاء - يذهبون إلى حد الدعوة إلى إسقاط السياسة من دائرة الاهتمام ، والحث على عدم إضاعة الوقت في محاولة فهمها وسبر أغوارها، ويطالبون بالكف عن تدريسها وتعلمها باعتبار أنها ليست سوى حرفة قبيحة أكثر ما فيها منكر ومستهجن ، أو في أحسن الأحوال غير أخلاقي.
الخاطرة الرابعة:
ازددت يقيناً بعد أن فرغت من كتابة الفصول السابقة بأن الإنسان في كل محطات حياته ومراحلها ليس فقط يجهل ما يخبئه له مستقبله ، بل إنه لا يملك أيضاً الإجابة عن كثير من التساؤلات حول ماضيه ، فمن منا كان يعلم أنه سيولد في هذا البلد، أوفي تلك المدينة، أوفي ذلك المكان من هذا العالم الرحب؟
من منا كان يدري من سيكون أبواه، وإلى أي فئة من البشر ينتميان؟
هذا اليقين وهذا التسليم هوالذي جعلني منذ أن بدأت أعي الأمور وأتفهم معانيها ومغازيها أرفض الفرز والتقسيم بين بني البشر، وأمقت التمييز في التعاطي الإنساني بين غني وفقير، وبين رب عمل ثري وعامل فقير، بين قصر وكوخ ، وبين وزير يأمر وينهي وفلاح يحرث أرضه في الحقول أو كادح على الطريق أجير.
الخاطرة الخامسة:
تتصل هذه الخاطرة بأهلي وأولادي وأحفادي، وهي عبارة عن رسائل أوجهها إليهم أقول لهم فيها:
- اتقوا الله في كل عمل تقومون به ، وفي كل كلمة تقولونها ، ولا تفعلوا فعلاً في نهاركم تندمون عليه في ليلكم ، أوتؤدوا عملاً في يومكم تخافون عواقبه وتخشون نتائجه في غدكم.
- دعوا عنكم الهموم بما قد تكون بعد يوم أويومين، أوبعد عام أوعامين، فلا تُثقلوا يومكم بهموم غدكم، فقد لاتجيء هموم الغد وتكونوا قد حُرِمتُم سعادة اليوم ، واذكروا المقولة المعروفة "نحن بالتفكير والله بالتدبير"، فليس لكم معرفة الغيب ولا في أيديكم مقاليد الحياة تديرونها كيف تشاءون، وإذا كانت هناك قضايا وأحداث وأمور لن تستطيعوا مهما أوتيتم من قوة ورغبة وإرادة أن تغيروا فيها أو منها شيئاً لأن الله سبحانه وتعالى قدَّرها، وما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ، إلا أن هناك قضايا وأمور أخرى خاضعة للتبديل وقابلة للتغير إذا استطعتم أن تستفيدوا من التجارب وتتعظوا من العبر.
- اعلموا أن نَعم الله سبحانه وتعالى وآلاءه على الإنسان لا تعد ولا تحصى، ولكن أقرب النعم إلينا وأبعدها عنا في الوقت نفسه هي نعمة الحب، أو نعمة التوافق الفعلي بين مخلوقين خلقهما الله من تراب، ثم نفخ فيهما الروح، فإذاً نحن أمام معجزة لا علاقة لها بالتراب، راقبوا تعاطف الكائنات وَوُدَّها المتبادل ، مثل طفل يلعب مع طفلة، أو مثل قطة تداعب وليدها، أومثل مدرس ينحني على تلميذ ليشرح له ما عصى عليه فهمه، أومثل زقزقة العصافير ساعة الفجر حين تهب من مخادعها، أوساعة الغروب وهي عائدة إلى أوكارها ، وتأملوا من هذا كله الحب والود الذي يملأ الله سبحانه وتعالى به أرجاء الكون ، ويضعه في متناول أيدي البشر ليجعلوه أساساً لتعاملهم ومنهجاً لحياتهم ، ثم قارنوا بين هذا كله، وبين البشر حين يفسدون هذه النعمة ويضربون بها عرض الحائط، وحين يكسرون قانون الانسجام الأصلي في الكون بكراهيتهم وأحقادهم وشرورهم وآثامهم، وتأكدوا أن الدعوة للحب ليست ترفاً في عالمنا الإنساني القاسي، لأن الحب هو الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يسهم في بناء ما تحطم من الكون أو النفوس.
- ضعوا نصب أعينكم أن التعامل سيد الأخلاق، والناس لا تريد سوى التعامل الحسن، لذلك لا تحملوا حقداً أو ضغينة ضد أحد ، ولا تزدروا أو تستهزئوا بأحد، حتى تعيشوا في سلام مع أنفسكم ومع الناس ومع الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.