إن توقف أي مجتمع عن المضي قدماً في ركب الحضارة ومجاراتها عالمياً هو نتاج وجود آلاف المشكلات والتي تحتاج إلى تفكيك وتحليل ولو أن كل فرد من هذا المجتمع تبنّى حلَّ مشكلة واحدة لوجدنا تحسناً واضحاً وتقدماً ملحوظاً في حياة ذلك المجتمع . وإن العالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة لم يسبق لها مثيل بالتاريخ ومن لا يغير من منهجية تفكيره المتعلق بالحاضر والماضي فلن يستطيع اللحاق بالمستقبل وسيبقى واقفاً حائراً والسؤال المطروح آلياً : ماذا نفعل ؟ . نحن مجتمع مسلم ولدينا دستور ضخم وراقٍ من تعاليم كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وإن من حق الأجيال القادمة من أبنائنا أن نفكر في مستقبلهم الآتي ، ويجب أن نفكر مليّاً في سلوكياتنا الفكرية وتوجهاتنا المعرفية في ضوء متطلبات المستقبل ولا نحصر جميع جهودنا في تحليل وإيحاد حلول جزئية للحاضر فقط وقد سمعت مقولة تتحدث عن التغير الجذري العالمي بقوله : نحن نعيش في زمن لا حاضر فيه عبارة عن ماضٍ ومستقبل فقط . ولا وجود للحاضر فيه أي لم يعد هناك وقت نضيعه في دراسة الحاضر بل انتقال فوري لدراسة المستقبل …وإنني أجد في هذا القول منتدحاً بالتسليم له فنحن فعلاً أقرب إلى هذا القول في هذا الزمان. ولو نظرنا بعيون مستقبلية بمنهجية إسلامية الهوية وفق إيقاع موزون في حركات حياتنا فإننا نأمل أن يتولد من هذا المنهج رؤية مستقبلية فريدة ومتميزة لدى كل فرد من أفراد المجتمع ، ولكن الواقع الحالي يقول بأن هذه المبادئ لا ينتفع بها إلا صاحبها ويقوم بها بشكل عفوي والمطلوب هو نوع معيّن من التفاعل الذهني المرتبط بالتطور الحضاري الممنهج والمنظم والمتدرج لأن هناك نظرية نسبية واقعية تقول : بأن أي تطور فكري في الحاضر سوف ينتقل ويظهر في المستقبل بشكل تلقائي وإيجابي وإن أي نقص في فهم الحاضر أو إهماله سوف ينعكس سلباً على فهم المستقبل بصورة أكبر وأخطر وهذا يحتاج إلى تحليل ودراسات بحثية مكثفة تكون جاهزة لإيجاد حلول مستقبلية من خلال التوقعات بالمعطيات الحالية . فاليوم العالم كله مشغول بالمستقبل وهو يخطط لدراسات استيعاب الأحداث المتوقعة في المستقبل ويحاول ايجاد حلول متقدمة في عالم المستقبل المتوقع . ونسمع بين الحين والآخر أن بعض الدول أنشأت وزارات للمستقبل وإدارات تهتم بالدراسات الموضوعية المستقبلية وهناك سؤال أطرحه على علمائنا ومفكرينا ومبدعينا وأطلب منهم الإجابة عليه : ماهي نوعية المسائل والمشاكل المحورية التي علينا أن نطور بها معارف أطفالنا وشبابنا حتى يتمكنوا من خلالها معايشة المستقبل بطريقة فعالة ومؤثرة ؟ ورغم الهموم الضاغطة على أغلب البلدان الإسلامية يجب أن يبقى تفكيرنا المستقبلي هو محور لاهتماماتنا وموضوعنا الأساسي وهو كيفية توفير الشروط النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تجعل من المسلم أن يحيا حياة كريمة .. وإذا أردنا استشراف المستقبل ببصيرة وصدق وإخلاص نيّة علينا أن ندرك أن خير ما نفعله في الحاضر هو تحسين وتطوير قراراتنا الفردية كأفراد أولاً ثم قرارات جماعية شاملة وينبغي ألا تخدعنا الأوهام لأنه من غير المعقول أن يولد مستقبل جيّد من واقع غير جيّد .. وإن حاجتنا المّاسة إلى تحسين أداء جميع الأجهزة الخدمية المختلفة تجعل الفرد يشعر بالانتماء وروح الإخاء وترفع من معنوياته النفسية . ما لم نوفر القدر الضروري والكافي من كل ذلك فإن المستقبل لن يكون أكثر إشراقاً من الواقع بأفضل أحوال التفاؤل.