رونالدو يتألق.. النصر ينهي ودياته بالخسارة أمام ألميريا    مصحف "مجمع الملك فهد" يقود شابًا من "توغو" لحفظ القرآن    رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون ينال جائزة امتنان للشخصيات الملهمة لعام 2025    هلال جازان يتصدر مراكز المملكة الإسعافية    الأخضر الناشئ لكرة اليد بين أفضل 16 منتخبًا في العالم.. و"العبيدي" يتصدر هدافي العالم    رابطة الحكام توزع المهام    جامعة طيبة تفتح باب التسجيل في دبلوم إدارة الموارد البشرية    وزير الخارجية ونظيره البريطاني يبحثان تطورات الأوضاع في غزة    نتائج تشغيلية إيجابية ل "لازوردي"بدعم من نمو المبيعات وتوسع المعارض    أمير تبوك يدشن ويضع حجر أساس 48 مشروعا بيئيا ومائيا وزراعيا بأكثر من 4.4 مليارات ريال    مؤشر الأسهم السعودية يغلق منخفضًا ب31 نقطة عند 10899    جناح "صقار المستقبل" يجذب الأطفال في المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور    اهتمام عالمي بتعاقد الهلال مع داروين نونيز    تطورات مفاوضات النصر ضم كينجسلي كومان    42% من السعوديين لا يمارسون عناية ذاتية منتظمة و58% يشعرون بالإهمال العاطفي    استجابة طبية عاجلة تنقذ أربعينية بعد توقف قلبها في الأفلاج    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    رئيس بلدية محافظة صبيا يُجري جولة ميدانية لمتابعة مشاريع التنمية والخدمات    الروبوتات التفاعلية تخدم زوار ومشاركي مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية للقرآن الكريم بمكة المكرمة    إنهاء معاناة مقيمة عشرينية باستئصال ورم وعائي نادر من فكها في الخرج    تحذير أممي من المجاعة وسوء التغذية في الفاشر    رفض عربي وعالمي لخطة إسرائيل بالاستيلاء على غزة    اكتشاف قطع فخارية وأدوات حجرية تعود إلى 50 ألف سنة في القرينة بالرياض    الصين تجدد إصدار التحذير باللون الأصفر من العواصف المطيرة    أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    روسيا تدين توسيع سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملياتها في قطاع غزة    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 7.9% خلال يونيو 2025    الأمم المتحدة ترحب باتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    فريق بصمة الصحي التطوعي يطلق فعالية «اﻻﺳﺒﻮع اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﺮﺿﺎﻋﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ» بجازان    جمعية "نبض العطاء بجليل" تطلق مبادرة أداء مناسك العمرة    السعودية تحصد لقبها الثاني في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    النصر يعلن تعاقده مع المدافع مارتينيز لموسم واحد    جامعة الباحة تعلن استحداث القبول للدراسات العليا    المملكة تعزي في ضحايا انفجار مخلفات الذخائر.. لبنان.. توترات أمنية والجيش يحذر    قبل قمة بوتين وترمب.. زيلينسكي يحذر من استبعاد أوكرانيا    نجاح استمطار السحب لأول مرة في الرياض    دعم إعادة التمويل العقاري    عزنا بطبعنا    العصرانية وحركة العصر الجديد    «التواصل» السلاح السري للأندية    فدوى عابد تنتهي من «برشامة» وتدخل «السلم والتعبان»    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    الطريق إلى شرق أوسط مزدهر    إيران تضبط 20 مشتبهاً بالتجسس لصالح الموساد    الشمراني عريساً    «المنافذ الجمركية»: تسجيل 1626 حالة ضبط خلال أسبوع    إحباط تهريب وترويج 419 كجم مخدرات وضبط 14 متورطاً    ممرضة مزيفة تعالج 4000 مريض دون ترخيص    هيئة الصحة تستهدف وقايتهم من مخاطر السقوط.. 4 منشآت صديقة لكبار السن مع خطة للتوسع    أسعار النفط تحت وطأة شائعات السلام وحرب التعريفات    المملكة تعزّي لبنان في وفاة وإصابة عددٍ من أفراد الجيش    إكرام الضيف خلق أصيل    استمرار الدعم الإغاثي السعودي في سوريا والأردن    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى الهجرة..
نشر في البلاد يوم 12 - 11 - 2013

طريق النبي صلى الله عليه وسلم اللاحب الطويل كان شاقاً طويلاً ممهراً بالدم والجهاد والمقاومة والفداء والتضحية والصبر والصمود. وفي طريق الحق تتعزز سنة التدافع، وفي منهج التدافع تتعزز الحاجة للتخطيط وبناء الدولة الذي يحتاج إلى العمل والإعداد للارتقاء والصعود. وفي عالم الإدارة يُعرّفون التخطيط بأنه الإجابة على أسئلة ثلاثة: أين نحن؟ وإلى أين نريد أن نذهب؟ وكيف سنصل إلى هناك؟ ويُقسم بذلك إلى تخطيط استراتيجي طويل المدى وتخطيط تكتيكي قصير المدى يدعم التخطيط الاستراتيجي، ويُعنى بالتفاصيل وآلية التنفيذ والوقت المتاح للإنجاز.
في الهجرة تكرست معاني التخطيط بأرقى صوره وفق أحدث مدارسه في التخطيط الاستراتيجي، من تحليل البيئة بشقيها الداخلي والخارجي بتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر، وهذا ما تجسد سلوكاً نبوياً سبق الهجرة بسنوات طوال، كان يتأكد خلالها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوماً بعد يوم أن مكة لا تصلح مهداً للدعوة الوليدة وأنها تمثل تهديدًا استراتيجيًا، كانت البيئة في مكة لا تصلح لإتمام هذا الأمر؛ فمقاومة المشركين للإسلام تزداد شراسة يومًا بعد يوم، وقلوبهم "كالحجارة بل أشد قسوة".
ولذلك كان يبحث عن الخيارات البديلة فكانت الهجرة إلى الحبشة والتي مثلت في الفكر الاستراتيجي المخزون الاحتياطي والرديف المستقبلي في حال فشل الخيارات الأخرى. لذلك لم يأذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه بالعودة من الحبشة إلا حين استقرت الدولة وفتحت خيبر أما الهدف الاستراتيجي الذي سعى له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهو بقعة الأرض التي تحتضن الدعوة كي يؤسس عليها الدولة ويتحقق الأمن للمؤمنين.
والهدف واضح، الحصول على بقعة أرض يُقام فيها مجتمع وتؤسس فيها دولة، وتنطلق منها الدعوة إلى الآفاق.
إن الأرض المنشودة في فكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الاستراتيجي لها مواصفات المنعة والاحتضان والانتماء والعروبة، لذلك طاف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالقبائل وسافر إلى الطائف بحثاً عن الهدف المنشود ثم استقر المقام على يثرب الخير. وقد جسد ذلك منهجاً تخطيطياً إدارياً في عملية اتخاذ القرار وذلك من خلال دراسة المشكلة بعد تحديدها ومن ثم تحديد البدائل ودراسة واختيار البديل الأمثل. وقد وضحت الرؤية باستجابة أهل يثرب، وبتأكد الرسول( صلى الله عليه وسلم ) من إخلاصهم لربهم، واستعدادهم لحمايته، وحماسهم لإقامة دولة الإسلام. فكانت يثرب هي الوجهة، وهي أنسب مكان لبناء الدولة. وهكذا فقد عرف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) طريقه وأدرك غايته، بما أوتي من فكر ثاقب، واستراتيجية واضحة، ومعرفة بالواقع، وخطوات محسوبة " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" [الأنفال : 60] ، وقبل كل ذلك تأييد من الله "وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" [محمد : 35] ..
وانتقل النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم ) في العمل من مرحلة التخطيط الاستراتيجي إلى التخطيط للهجرة ذاتها، وانتقل أصحابه رضوان الله عليهم رويداً رويداً إلى يثرب بعد أن أرسى مصعب بن عمير( رضى الله عنه) دعائم الحصن الأول للدولة، ويمثل إبقاء مصعب تجسيداً لمنهجية التخطيط السليم في الإعداد وفي التأكيد من الجاهزية للانطلاقة.
وانطلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في التخطيط للهجرة؛ فالهدف هو الوصول إلى يثرب بسلام كي تكتمل الصورة في مجتمع بجغرافيا ومواطنين وقيادة، ومن أجل ذلك جهز النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كافة الموارد المتاحة وأساس ذلك المورد البشري وكذلك الموارد المادية والمعلومات؛ فأعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فريق عمل متكامل وظفه كلٌ حسب إمكاناته ليؤدي دوره في هذه الرحلة التاريخية؛ فأبو بكر رضي الله عنه المستشار والرفيق والناصح الأمين والوزير، وعلي يقوم بدور التمويه بالمبيت في الفراش ورد الأمانات إلى أهلها، وعبد الله بن أبي بكر ( رضى الله عنهما) الراصد الأمني الذي يأتي بالأخبار والمعلومات من منتديات قريش وعامر بن فهيرة يوفر الطعام ويمسح الآثار. وأسماء بنت أبي بكر تأتي بالطعام خلال أيام ثلاثة، وعبد الله بن أريقط الدليل الذي سيأتي بعد ثلاثة أيام إلى الغار ليقود الركب نحو يثرب، والأخذ بالأسباب يكتمل بالتمويه بالسفر جنوباً باتجاه اليمن والخروج من دار أبي بكر( رضى الله عنه) والاختفاء أياماً ثلاث في غار ثور جنوباً.
إن الأخذ بالأسباب واعتماد التخطيط منهجاً واعداً مدرسةً لن يعقبها إلا توفيق الله تعالى ومدده ونصره فالتوكل أخذ بالأسباب وهو أيضًا إعداد وعمل وتضحية، ومعية الله بعد ذلك وقبل ذلك ومع ذلك تكون حاضرة وهكذا كانت القدرة الإلهية والمعية الربانية حاضرة في كافة تفاصيل الرحلة " وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ" [يس : 9] ، " إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ" [التوبة : 40]. وهكذا تسير هذه الثنائية في حياتنا، بين التوكل على الله "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" والأخذ بالأسباب، بين الإرادة الإلهية والإدارة البشرية، بين تدبير الإله وتفكير العبد؛ فإذا أهملنا الاعتماد على الله، وظننا أن قوتنا كفيلة بضمان تفوقنا خبنا وخسرنا، وإذا أهملنا الأخذ بالأسباب، وجلسنا في بيوتنا ندعو الله أن ينصرنا ويزلزل الأرض من تحت أعدائنا.. فلن يزيدنا الله إلا خسرانا.
"إن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) ظل قلبه يخفق بدعاء الله وهو يرسم الخطط، ويضع الضمانات، ويهيئ الموارد والإمكانات الكفيلة بإيصاله إلى هدفه. لم يجئ هذا الدعاء قبل التخطيط فحسب، ولا جاء بعده فحسب؛ فليس في علاقة الإرادة البشرية بالمشيئة الإلهية خلال الحدث قبلية ولا بعدية، وإنما تسير الاثنتان في انسجام رائع؛ لأن هذه من تلك؛ ولأن الإنسان في أصغر جزئيات الحركة وفي أكبرها إنما ينفذ قَدَر الله وناموسه في الأرض في مدى الحرية التي أتيحت له.
إن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) هيّأ الأسباب الكاملة لنجاح الحركة وهو ينظر إلى الله، ووضع خطواته الأولى على الدرب وهو يدعو الله، وما لبثت الأسباب أن آتت أُكُلها والخطوات أن انتهت إلى هدفها، وظل الرسول (صلى الله عليه وسلم ) ينظر إلى الله ويدعوه، وما أحرانا في يوم هجرته أن نتمعن في هذه التعاليم في زمن طغت فيه التفاسير والأهواء. لتتحقق النتيجة الطيبة في الوصول السالم ليضع من فوره رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وسلم ) أسس الدولة الأولى؛ مسجداً ومؤاخاةً بين المؤمنين ووثيقةً تحفظ وتحدد علاقاتهم مع غيرهم.
إن هجرة نبينا (صلى الله عليه وسلم ) كما تاريخنا مليءٌ بالدروس العظيمة في الإدارة والتخطيط والإعداد تدفعنا أن نؤسس الدولة الأنموذج كي نرسو على شاطئ العزة والكرامة و السؤدد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.