اختتام مبادرة ( عيدنا أنتم ) بنسختها الخامسة بالمنطقة الشرقية    ضبط 294 ألف قضية احتيال عبر الإنترنت في الصين    عائلة ترامب تطلق شبكة "ترامب موبايل" وتصنع هاتفا محمولا    المملكة تقفز 60 مرتبة عالميًّا في ريادة الأعمال    فلامنجو البرازيلي يفوز على الترجي التونسي    اغبرة تخفض مدى الرؤية عل اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    انسيابية في حركة الزوار من باب السلام بالمسجد النبوي تبرز تكامل التنظيم والجهود الميدانية    «الطاقة الذرية»: لا أدلة على تضرر منشأة نطنز السفلية    الجماعة تحت المجهر.. دعوات أمريكية متصاعدة لحظر «الإخوان»    دعا لنهج واقعي في التحول العالمي ..الناصر: أوقات الصراعات أظهرت أهمية النفط والغاز لأمن الطاقة    بعد إقالته.. الجمعان يقاضي النصر    مجموعة الأهلي المصري.. الكل متساوٍ بنقطة من دون أهداف    في بطولة كأس العالم للأندية.. دورتموند يواجه فلومينينسي.. وإنتر يبدأ المشوار ضد مونتيري    موجز    320 عارضاً في "منتدى الصناعة السعودي"    " الحرس الملكي" يحتفي بتخريج دورات للكادر النسائي    الدفاع المدني: لا تتركوا المواد القابلة للاشتعال في المركبات    القبول الموحد في الجامعات وكليات التقنية    أنا لا أكذب ولكني أتجمل    "متحف السيرة النبوية" يثري تجربة ضيوف الرحمن    فتح آفاق جديدة للتعاون الأدبي مع الصين.. المملكة تعزز التبادل الثقافي بمعرض بكين الدولي للكتاب    المباراة بين القدم والقلم    جهود سعودية مستمرة لخفض التصعيد.. مجموعة السبع تدعو لضبط النفس والتهدئة    تفقد مقار إقامتهم في مكة المكرمة.. نائب وزير الحج يبحث ترتيبات راحة حجاج إيران    السعودية رائد عالمي في مجال القطاع الدوائي    خبير: انتقال"الميربيكو" إلى البشر مسألة وقت    أمير الشرقية يستقبل إدارة نادي الخليج    أمير القصيم يستقبل المشاركين في خدمة ضيوف الرحمن لموسم حج 1446ه    أخضر السيدات يواصل تحضيراته في معسكر تايلاند استعداداً للآسيوية    مراكز المساعدات.. مصائد الموت في غزة    ماكرون: غرينلاند مُهددة "بطموحات جامحة"    لندن: مترويلي أول رئيسة للاستخبارات الخارجية    "تحدي الابتكار الثقافي" يربط المجتمع بالسياسات    "الحِرف اليدوية".. استثمار في الذاكرة والمستقبل    تحذير أممي من تفاقم أزمة في بؤر الجوع الساخنة    الإعلام السعودي.. من التحول إلى التأثير    الحج.. راحة وأمان وسلام واطمئنان    الحج نجاحات متتالية    الشباب يضم عابدي.. ويعسكر في النمسا    كيف يعيد العمل عن بُعد تشكيل مستقبل الرياض؟    علماء روس يتمكنون من سد الفجوات في بنية الحمض النووي    3.66 مليارات سوق اللوجستيات في الأحساء    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الفرنسي    445 مذكرة قانونية لقضايا هيئة تنظيم الكهرباء    مُحافظ الطائف يطلع على سير الاختبارات    سعود بن عبدالله يلتقي مهنئي العيد    تعنت وتصعيد إسرائيل تهدد طهران بتوسيع ضرباتها    أمير تبوك يستقبل مدير فرع الديوان العام للمحاسبة بالمنطقة    أمير تبوك يعزي الشيخ عبدالله الضيوفي في وفاة شقيقه    سلال غذائية لحلب السورية    أمير منطقة تبوك يكرم غداً المشاركين في أعمال الحج بمدينة الحجاج بمنفذ خاله عمار    مواسم تمضي… وحصاد ينتظر    بمتابعة مستمرة من أمير تبوك.. مدينة الحجاج بحالة عمار تواكب عودة ضيوف الرحمن إلى أوطانهم    الربيعة طمأنه على مغادرة طلائع حجاج بلاده.. رئيس بعثة الحج الإيرانية: نشكر القيادة على الرعاية والاهتمام    تطوير الذات بين الوعي والتفكير النقدي    سعوديات يستوحين تصاميمهن من النخلة    خطوات مدعومة علميا لنوم عميق    الكارديو أم رفع الأثقال أولا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حج القلوب.. رحلة الطهر
نشر في البلاد يوم 23 - 11 - 2008

النفس البشرية كثيرة التقلب والتغير، والصعود والهبوط، والزيادة والنقصان، وكلما زادت النفس من إيمانياتها صعدت وارتقت إلى طهرها وسموها وأصل خلقتها، وكلما زلت وقصّرت تقازمت وهبطت حتى تلتحق بطينيتها.
وفي غمرة الزحام الدنيوي المتكاثر من الملهيات والمكتسبات المادية المحضة، تتطلع نفس المؤمن إلى حالة إيمانية ترفعها عن الأرض، وترفرف بها إلى عنان الأفق الرباني الرحب.
وتمر على النفس أوقات وأيام تكون فيها أقرب إلى العودة إلى الله، وبناء عهد جديد معه سبحانه، وتعد هذه العشر من ذي الحجة، وأداء فريضة الحج من أنسب الأوقات لتلك الأوبة وخلاص التوبة،وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها" "متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد".
ولا غرو في ذلك ففي الحج تُغفر الزلات، وتُقال العثرات، وتُمحى الذنوب والهفوات، ويرجع الحاج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ويبقى طاهرًا نقيًا.. فأي فضل وأي كرامة بعد هذا!!
نعم.. إن هناك فارقًا كبيراً بين المسلم قبل الحج وبعده.
فقبل الحج يذهب المسلم إلى بيت الله الحرام حائرًا فقيرًا مشوش القلب والفكر، وبعدما يعود.. يعود عامر القلب بما منحه الهادي سبحانه وتعالى من النور، وما حباه الغني من العطاء، وما متّعه الودود من الطمأنينة، وهو ما يجعل المسلم ملزمًا بأن يعود إلى الحياة فيقدم لها قبسًا من هذا الهدي؛ ليكون لغيره مرشدا ومعينا وبارا.
ولا عجب في ذلك؛ فبيت الله الحرام بالنسبة للعالم كله بمثابة القلب للجسم، فكما يقوم القلب بتجديد الدماء في جسم الإنسان، فإن بيت الله الحرام يقوم بتطهير الإنسان ودفعه في أنحاء العالم ليجدد مسيرة الحياة، ويضخ فيها علمًا ونورًا وهداية، يقول المودودي في خطبه ".. وطالما يدق القلب فإن الإنسان لا يمكن أن يموت، حتى لو لم يقو على الحراك، نتيجة لما ابتُلي به من أمراض.. وهكذا تمامًا، فإن هذا القلب -قلب العالم الإسلامي - يسحب الدم كل سنة من الشرايين الممتدة المتباعدة على وجه الأرض، ثم يقوم بضخ هذا الدم بعد ذلك في كل شريان من هذه الشرايين، وما دام هذا القلب ينبض فستستمر عملية سحب وضخ الدم، فإنه يستحيل تمامًا أن تنتهي حياة هذا الجسم مهما ضعف وساءت حالته نتيجة لما يصيبه من أمراض" .
طهر شامل
المتأمل في الفرائض ودورها يرى أن الله عز وجل جعل لكل فريضة دور في تطهير ما في كيان هذا الإنسان إن أدها كما ينبغي، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وترفع جوانب الصلة الروحية بين الإنسان وربه: "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ" [العنكبوت : 45]
والزكاة تقوم بنوع من أنواع التطهير والتزكية، فتطهر المسلم من الشح والتقتير وتدفعه للبذل والسخاء: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا" [التوبة : 103].
والصوم يمارس نوعا آخر من أنواع الترقي الإيماني والمعافاة والصحة البدنية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البقرة : 183].
أما الحج فإنه يقوم بكل هذا ولكن على نحو أوسع وأعمق وأرسخ: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ" [البقرة : 197].
"والرفث هو الفحش في القول.. وهو يمثل تحكم القوى الشهوية، والفسوق هو الخروج عن الطاعة بدافع القوة الغضبية، والجدال هو التعبير عن القوى الوهمية الشيطانية، فإذا تجرد الحاج من هذه الخلال فقد انتصر على هذه القوى جميعًا" "أ.د. محمود محمد عمارة: ثمرات من مواسم الخير".
وأعتقد أنه لهذه المعاني وغيرها قال الإمام أبو حنيفة "رضي الله عنه" عندما سُئل عن أفضل العبادات: ".. فلما حججت بيت الله الحرام علمت أن الحج أفضل العبادات".
الحج أفضل العبادات
إن الحج يختلف عن الفرائض الأخرى، ففيه الصلة الروحية والطهارة النفسية والقدرة العقلية والسياحة الفكرية والقوة البدنية والعزة الربانية: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" [الحج : 28].
كما أنه الفريضة الوحيدة التي يُسعى إليها ويسافر إليها، فهو لا يتكرر في اليوم خمس مرات ويُعنى بالجوانب الروحية كالصلاة مثلا، وليس فريضة موسمية تمر مرورًا عابرًا وتُعنى بالطهارة النفسية كالزكاة مثلا، بل إنه يجمع الطهر المكاني والزماني والروحاني والنفسي؛ ففيه صلاة، وإنفاق، وطواف، وسعي، وتلبية، وذكر، وهَدْي
إن الحج أشبه بدورة فكرية روحية بدنية ثقافية قلبية أخلاقية، دورة شاقة في التخلية والتحلية، ولكنها ممتعة في السمو الروحاني والقلبي؛ فالحاج لبى نداء ربه مجيبًا مختارًا، وسعد بذكره واستغفاره ليلا ونهارًا، ودعاه ورجاه ضحى وأسحارًا، ليعود روحًا جديدة، مُنحت شهادة: "وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي" [طه : 39].
والإنسان - في هذا كله - أشبه بقميص أو عباءة وقعت على الأرض فامتلأت أتربة وأوساخا، فأخذها صاحبها ونفضها بهدير التلبية، حتى أبعد عنها ذرات التراب الظاهرة، ثم وضعها في إناء من ذكر واستغفار حتى لانت أوساخها وتباعدت عنها، ثم قام بعصرها بدعاء الذل والافتقار إلى الله حتى خلصت من شوائبها الخفية، ثم نشرها على حبال الإخلاص حتى حلّ عليها رضا الرحمن.. "وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ" [البقرة : 198].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.