✒منذُ أيام استقبلنا شعائر رمضان واستبشرنا بنسائمه ونفحاته الإيمانية فضجت له القلوب ُفرحاً وأُنساً وأِشراقاً ببركته، وتجلت النفوس بربيعه لتسمو في ظلالِ خيراته ؛ وتنعمُ بفضائل الله في رحابه من أجل أن تحيا القلوب من جديد بفيضِ العبادة لله وطاعته . ياباغي الخير هذا شهرُ مكرمةٍ أقبل بجودٍ ولا تبخل بنافلةٍ الكلّ كان يرتقب نسائمُ هذا الشهر الكريم كيف سيعود وكيف يعيش أجوائهُ الإيمانية وكيف سيستغلّ فضائله وينعم في لياليهِ المباركة ويتزود بما في جعبتهِ من معاني الإيمان وفضائل الإحسان ، ولكن يعلمُ الجميع بأن ذائقة شهر رمضان في هذا العام مختلفة جداً عن الأعوام السابقة لأسبابٍ لم تكن في ذاكرة الحسبان أبداً . وهي أيامٌ عشناها في هذه اللحظةِ الإستثنائية من الزمن والتي لم نعتادُ عليها في ظل جائحةٍ فيروسية تدعى (ڤايروس كورونا) والذي أوقف معاني الحياة بلارحمة وغيّبْ سلوكيات العبادة التي أعتدنا عليها في شهر الخير ، فأُغلقت المساجد عن الصلاة ،وأمسك الحرم عن الطوافِ ، وأداء منسك العمرة للمعتمرين ،ورفعت المآذنُ "الصلاةِ في رحالكم" ، كلها مشاهدٌ يتأثر بها القلب وتدمعُ لها العين ولكن ماكان يُطَمْئِنُ تلك القلوب ويَجْبُرُ حزنها سوى إيمانها بقضاء الله وقدره من أجل أن تنعم بهذا الرضا وتقْنَعُ فيه . قال الله تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم " كم كان لهذه الظروف من تأثيرٌ سلبي على روحانية المسلمين في هذا الشهر الفضيل بالتحديد والتي لم يكن في الأمر خيار إلا بالإحتراز والإلتزام في البيوت من شراسة هذا الڤايروس ومن أجل سلامة الناس وحمايتهم. فإن الدينُ الإسلامي دين ُ رحمةٍ ويُسر فأمرنا بحماية الناس وعدم المخاطرة بأرواحهم فالأمر ليس بالسهل كما هو متوقع وإننا لنعلمُ كم هو صعب على النفس أن تتقبله ولكن لابد أن نقبل ذلك الصمت الإيماني المؤقت ونتكاتف مع الدولة بالجهود المبذولة من أجل أن نصل لبر الآمام وأن نعيش بصحةٍ وسلام و تعودُ لنا الحياةَ من جديد . لننظر لحالنا في رمضان هذا العام بكل 0يجابية مهما تكالبت علينا الظروف وتوقفت بنا الحياة عن المسير لنستشعر لذة الصيام والقيام فربما يقول البعض إن رمضان هذا العام ليس كما سبق فقد غابت روحانيته المعتادة في كل موسم من شهر رمضان نعم أتفقُ مع الجميع بذلك ولكن هي إرادة الله عز وجل وتبقى العبادة في القلوب فما يحدث لنا اليوم في هذه الظروف هو حالٌّ قد خرج عن سيطرة البشر وإنه قدرٌ من أقدار الله تعالى لذلك لابد أن نرضى بما كتب الله علينا في هذه الحياة ونتكيف مع كل تقلباتها وظروفها . لذا فلنستمتع بتلك العزلة المفروضة ونستغل روحانية هذا الشهر العظيم وننعمُ بفضائله ونتلذذ بالعبادةِ في كل ليلةٍ من لياليه ونشد مآزرنا بالقيام في العشر الأواخر بأن تكونَ بيوتنا هي المساجد للصلوات وقراءة القرآن والإكثار من الطاعات والعبادات . ولقد كان العالمُ بالأمس منشغلٌ في هذه الحياة واليوم لعل الحياة سُخّرت لننشغل بذاتنا ونجتهد في عباداتنا ولانجعل لهذه الجائحة الفيروسية أثرا عليها في هذه الأيام المباركة كي نتزود من غنائم هذا الشهر وفضائله قبل رحيلة . و بالأمس نستقبل هذا الضيف الزائر وبعد أيام سنودعه ويرحل عنا فلنكثر من الدعاء في أيامه ولانرفع برحيلة رايات الحزن ولانردد عبارت الأسى بل نستغل ماتبقى منه ولنطمع بالمزيد من فضائله ولنفرح بأن أتم الله علينا نعمة الصيام والقيام و لنستعد بذاتنا ونقدم لأنفسنا منهجاً عن حالنا مابعد رمضان . ياخير من نزل النفوس أراحل بالأمس جئت فكيف كيف سترحلُ عاد لنا رمضان وحاله في تجديد وغداً ستطوى صفحاتُه من أجل الرحيل ليعود علينا بعد عام كما كان ؛ فلنستبشر بذلك ونسجل تلك الأمنيات في صفحة الثقة بالله والإيمانُ بقدرته . اسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وأن يعيننا وإياكم على ماتبقى من هذا الشهر الفضيل وأن يكشف عنا هذه الغمة وأن يحفظ لنا البلاد من كل سوءٍ وبلاء إنه سميعّ مجيبٌ الدعاء .