الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد نستكمل منافع الحج تباعا للمقالات السابقة/- سادسا: من منافع الحج نفي الفقر والذنوب ؛ فعن ابن مسعود t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة )) ([22])؛ وأي مطلب للمرء أغلى من نفي الفقر والآثام ، ودخول الجنة دار السلام؟. سابعا: أن الحج موسم تجارة وحصاد عالمي حيث المكان الذي تجبى إليه ثمرات كل شيء كما نطق به قوله تعالى:]وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون(([23])،إنه المكان الذي تجتمع فيه خيرات الأرض كلها ويتبادل الحجيج فيه منافع التجارة ويعقدون الصفقات المربحة. ويبدو من السياق الكريم والأحاديث النبوية أن الحج قد عرفته العرب سوقا عالمية ومعرضا للإنتاج والحصاد السنوي فلما أمروا بالحج على ما شرعه الله تحرجوا مما كانوا يزاولونه في هذا الموسم من أمور التجارة ورغبوا أن يكون موسما خالصا للذكر والدعاء فجاء القرآن ليرفع ذلك الحرج الكامن في نفوسهم من كل ما هو موروث جاهلي فقال تعالى:]ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم(([24])،وقد أخرج البخاري في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال-في سبب نزول هذه الآية-:" كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:(ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج )([25]). وأخرج أبو داود عن ابن عباس : (( أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله سبحانه : (( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج)) سورة البقرة ،وأخرج أبو داود أيضا عن أبي أمامة التيمي قال: ((كنت رجلا أكرِّي في هذا الوجه وكان ناس يقولون لي:إنه ليس لك حج فلقيت ابن عمر فقلت:يا أبا عبد الرحمن إني رجل أكرِّي في هذا الوجه وإن ناسا يقولون لي:إنه ليس لك حج ! فقال ابن عمر:أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قال:قلت: بلى. قال:فإن لك حجا،جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية:]ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم( فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية وقال:((لك حج)) ولكننا من خلال هذه الآية وما ذكر في سبب نزولها نشعر بأن الإذن في التجارة في مواسم الحج كأنه قد ضيق مسلكه بحيث لا ينبغي أن يكون على حساب تأدية المناسك والذكر والدعاء في هذه الأماكن والأوقات التي هي ظرف لذلك فالتعبير برفع الحرج في الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم :((لك حج))،كالظاهر في أن ذلك ليس هو الأصل الذي تقصد له هذه العبادة وإن كان يأتي تبعا بما لا يخل بهذه العبادة ومناسكها المحددة المعلومة. وقد شاهدت في الأزمنة الأخيرة من حضر هذه المواسم فوقف بعرفات وبات بالمزدلفة وفاض منها إلى منى ولم يحرم بحج وإنما خرج لمنافع التجارة فكأنه في حسه قد قيل: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا حجا ))!!!. ومع هذا كله فإننا نتطلع إلى اليوم الذي يحس فيه رجال التجارة والاقتصاد الإسلامي بأهمية هذا الموسم فيتخذون منه مناسبات للاجتماع والتشاور في كل ما من شأنه أن يرفع من اقتصاديات أمتهم ويرون في ذلك من التعبد ما يرونه في تأدية المناسك فإن حياة المسلم كلها عبادة إن هو أخلص فيها النية لله:((قل إن صلاتي ونسكي وحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )) سورة الانعام أن الحج مؤتمر ديني كبير فيه يجتمع المسلمون من كل بقاع الأرض لتأدية هذه العبادة العظيمة فتمتلئ بهم الحبال والسهول ، وتسيل بهم البطاح والأودية في موكب مهيب هتافهم واحد رغم اختلاف الأجناس والألسنة فالكل يردد:((لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)) فتظهر بذلك مقومات وحدة هذه الأمة في تلاحمها وتآزرها وعبادتها ولغتها ، وهي العناصر الأساس التي تحفظ للأمة قوتها وسيادتها وهيبتها بين الأمم . تاسعا : أن الحج موسم دعوي كبير فيه يتوافد المسلمون من كل أقطار الأرض فيجتمعون في أفضل الأيام وأطهر البقاع في جو من الرقة واللين والانكسار بين يدي الله تعالى والاطراح ببابه ليغفر الذنوب ويصفح عن الزلات ويحقق الآمال ويقيل العثرات ؛ ومؤمن بهذا الحس لا شك أنه على أتم الاستعداد لتحقيق ما يأمره به ربه ، وكيف لا وهو إنما بذل المال وتحمل الصعاب من أجل أن يرضى عنه مولاه ويقبله؛ فعلى الدعاة المخلصين أن يغتنموا هذه الفرصة ولا يضيعوها فيعلموا الحاج – قبل أن يرجع إلى موطنه وتكتنفه شياطين والإنس والجن - أن الذي يغفر الذنوب هنا هو الذي يغفرها هناك ، وأن المعبود هنا هو المعبود هناك ، والذي أمر بالحج هو الذي أمر بالصلاة والزكاة والصوم ونهي عن الربا وكل المحرمات ما ظهر منها وما بطن ،وأن الشعور بالأخوة والتلاحم والتراحم هنا أمر مطلوب هناك .. وقد كان سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم يغتنم هذا الموسم رغم عناد قومه واستكبارهم ومحاربتهم لدعوته وإيذائهم له من أجلها ولم يثنه ذلك عن دعوته والصدع بها ؛ لأنها دعوة أكبر من كل عناد والإيذاء من أجلها منحة وتكريم؛ أخرج الإمام أحمد في المسند عن جابر t :(( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتَّبَّع الحاجَّ في منازلهم في الموسم وبمجنة وبعكاظ وبمنازلهم بمنى يقول:((من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة))؟ فلا يجد أحدا ينصره ويؤويه حتى إن الرجل يرحل من مضر أو من اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون:احذر غلام قريش لا يفتنك ، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله عز وجل له من يثرب فيأتيه الرجل فيؤمن به فيقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام وهكذا دارت رحى الدعوة والإسلام حتى تم نوره وعلا سناه والحمدلله رب العالمين الكاتب / حمود سعيد الحارثي واتس آب 0504743110