من أسوأ ما نعانيه في مملكتنا تغيير المسميات القديمة بلا سبب بأخرى مصطنعة تحت ذريعة التطوير وهو في الحقيقة تدمير للتراث ؛ فمن القرى القديمة بطريب قرية آل عرفان وكانت معروفة بهذا الإسم على مدى مائة وخمسون عاما على الأقل وفجأة اصبحت الصفاء ؛ وتم تجاهل المسميات التاريخية القديمة لبقية القرى على هذا المنوال ؛ وما المشكلة لو بقيت المسميات القديمة كما كانت؟ ولكن يبدو أن ذلك أحد افرازات الصدمات الحضارية التي استوعبناها بطريقتنا العجيبة. وفي نظري أن تغيير المسميات السابقة ينُم عن فقدان هوية ما في الدول التي تسمى بالعالم الثالث. ومع أن بعض الأماكن المنسية تنبع اهميتها احيانا من مواقعها أو من مسمياتها الغريبة كريع الزبرة وهو بالمناسبة مضيق يقع بين جبلين شرق قرية لاهمة ويعتبر عُقدة مواصلات ومضيق لجريان ماء السيول ومن أهمها خليج مشطف المُتفرع من وادي طريب وأظن ان هذا الخليج غريب التسمية هو أصعب خليج شقه قدماء طريب لجلب الماء من الوادي الأصل! ؛ والمهم أن هذا الريع معبر للراجلة والدواب قديما ثم للسيارات حالياً . واختياري لهذا المضيق جاء حينما عادت الذاكرة الى زمن الدراسة برمضان والعبور من خلاله الى مدرسة حنين الابتدائية ؛ حينها كان ينتابنا الخوف والوحشة ونحن نعبره مغادرين بإتجاه الجنوب لأن المكان مُقفر تقريباً وبه كلاب شرسة أشجع من كلاب اليوم! . وعكس ذلك يحدث حينما نتجاوزه شمالاً حيث نشرف على الفرعة والمباني ونرى المدرسة ونستأنس بصوت مكائن الآبار ؛ في تلك الأيام ونحن في الصفوف الأُول درسنا سنتين أو ثلاث برمضان وكان يوم الخميس يوم دراسي والعطلة الاسبوعية هي يوم الجمعة فقط. والشاهد أن هذا الريع ارتبط في مخيلة البعض وأنا أحدهم بتلاوة الشيخ المقرئ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله وصوته العالمي الذي لا يزال يهز وجدان المسلمين في العالم ؛ ذلك أن الأخ الفاضل جبران بن حسين ال عادي رحمه الله في اعوام لاحقة كان يُوقف سيارته شرق مبنى الإبتدائية المستطيل الشكل قبل شروق الشمس ثم يوصل شاحن بطارية السيارة بجهاز المايك ؛ والسماعات مثبتة بحبال على سطح المبنى فيصدح الشيخ بصوت وتلاوة رائعة تملأ آفاق القُرى والمزارع . وتصور أخي القارئ ذلك المشهد وسرعة وقوة انتقال الصوت في يوم غائم منذ الفجر الى آخر الضحى؟! وحقيقة أن صوت التلاوة كان مجوداً رائعاً للشيخ عبدالباسط فيصلنا من أعلى سطح مدرسة حنين بأسفل قرية لاهمه بينما نحن نعبر قرية مشروفة سيراً على الأقدام . سبحان الله ما أجمل حياة القرى بلا ضجيج أوصخب. كم يتمنى الكثير اليوم أن تقوم احدى الجهات الأهلية بطريب بالتنسيق مع الجهات الرسمية مشكورين لوضع لوحات تعريفية في الأماكن ذات المسميات التاريخية بطريب وهي كثيرة جداً ومعروفة بما فيها الآبار التاريخية. وسيكون لذلك قيمة تاريخية وتراثية وسياحية كبيرة لأجيال المنطقة ومستقبلهم. تقبل الله صيامكم وقيامكم .