عناد الوالدين المنفصلين له تداعياته السلبية على نفسية وواقع أطفالهما، ورغم أن حلول شهر رمضان يتطلب الرحمة والتراحم إلا أن كثيرا من الآباء والأمهات الذين انفصلوا بحياتهم يسومون أبناءهم سوء العذاب بإهمالهم واتكال كل منهما على الآخر في تدبير شؤون وحياة هؤلاء الأبناء، وذلك ما حدث بالفعل من واقع تجربة مؤلمة لأطفال انفصل آباؤهم الموظفون، فأصبح كل منهما يلقي مسؤولياته على الآخر.. فماذا حدث في شهر الرحمة؟ في أول أيامه أفطر الصغار بمكرونة (إندومي)، فيما قرر الابن الأكبر الإفطار يوميا في المساجد. “شمس” دخلت البيت واكتشفت بعض أسراره المؤلمة التي لم تراع فيها هذه الليالي المباركة والعظيمة، وذلك عندما ابتدأ أحد الأطفال (11 سنة)، بسرد قصته بليلة رمضان المباركة، وكان يتحدث بغصة عن أحواله بالمنزل، يقول: “أمي انفصلت عن أبي منذ فترة طويلة، وأبي متزوج من أخرى ويعيش مع زوجته، وتكيفنا أنا وإخوتي الثمانية على هذا الوضع بالعيش في منزل والدتي، وأيام الإجازة عند أبي نشعر بأننا ثقيلون عليهم، واتضح ذلك عندما قرب شهر رمضان المبارك وطلبت أمي من أبي أن ينفق علينا فرفض بحجة أن أمي موظفة وراتبها في حدود 20 ألف ريال، وهي قادرة على أن تنفق علينا، ولكن أمي ترفض بحجة أن أبي مقتدر وراتبه في حدود عشرة آلاف ريال، وأصبحت حياتنا عنادا، وكلاهما يرفض النفقة، ونحن ضائعون ولا نعرف ماذا نفعل؟ وذكر الطفل أنه مع أول أيام رمضان لا يوجد لديهم أغراض لرمضان مثل كل عام، وطلب من والدته أن تشتري أغراضا للمنزل فرفضت، وقالت لن تأكلوا إلا (إندومي). وتوقف الطفل عن الحديث بعد أن شعر بغصة يكاد يعتصر فيها الفؤاد وكان بجانبه أخوه الأكبر بالمرحلة الثانوية، فوجهنا سؤالنا له: ماذا ستفعل مع أول أيام رمضان؟ فقال بهدوء: “إنني منزعج من الوضع، ولا أريد أن أذهب إلى منزل أبي لشعوري بالحرج من زوجته، وإحساسي بأني وإخوتي عبء عليها، ولا نستطيع أن نأخذ راحتنا لأن الجو الرمضاني يحتاج إلى راحة واستقرار ونحن لا نشعر بهذا الاستقرار. وأضاف: “أما عني فلا يوجد عندي مصروف كي أشتري لي ولأخوتي إفطارا، وسأدبر نفسي بالإفطار في المساجد حتى يفرجها الله، وسأدعو الله أن ينزل الرحمة في قلب والدي، وأنا أشعر بثقل كبير بقدوم شهر رمضان وبألم من أجل إخوتي التائهين لأنه لا يوجد من يلبي رغباتهم وأقضي وقتي دائماً خارج المنزل كي لا يصيبني جنون أو حالة نفسية، لأن اللذين هما السبب في مجيئنا إلى هذه الحياة مقتدران على أن ينفقا علينا ولكن يرفضان لأسباب لا دخل لنا فيها، ولا أعرف الحق مع من، وأوجه رسالتي إلى كل أم وأب إذا قررا الانفصال أن يبعدا أولادهما عن كل قراراتهما، وأن يدعانا نعيش بسلام وأمان، وأتمنى أن يمضي هذا الشهر على خير”. الحريري: عنف تجاه الأبناء حول هذه القضية يوضح الدكتور عبدالله بن عوض الحريري، معالج سلوكي معرفي، أن المشكلة الأساسية هي مشكلة العناد وتصلب الرأي واستخدام الأولاد كوسيلة للضغط، وهذه الأمور تضر بمصلحة الأولاد بالدرجة الأولى، فليس لهم ذنب فيما يحصل بين الزوجين ولا يجب أن يكونوا وسيلة من وسائل تصفية الحسابات، ومن حقهم أن يعيشوا حياة كريمة، فالزوجان يتمتعان بقدرة مالية تغطي النفقات الأسرية الاعتيادية وتعتبر مثل هذه الممارسات نوعا من أنواع العنف تجاه الأولاد، ويشترك فيها الزوجان لأنها تمنعهم من ممارسة حقوقهم ولا توجد مصلحة من القيام بمثل تلك السلوكيات من قبل الزوجين. وأضاف الدكتور الحريري أن في مثل هذه الحالات لا بد من تدخل أطراف عاقلة من الأسرتين فإن لم يكن من الأقارب تتم الاستعانة بإمام المسجد بالحي، وإذا لم يتم الحصول على حل تتم الاستعانة بالحماية الاجتماعية فلديهم غرفة عمليات وأرقام لاستشارات يمكن للأبناء الاتصال والاستعانة بها. ومن جانب ما يتعلق بالعناد وعدم التعامل بعقلانية في مثل هذه الأمور يؤكد الدكتور الحريري أن هذا إحدى الدلالات على الخلل في التفكير ومؤشر غير طبيعي على معاناة الزوجين من مشاكل نفسية شخصية تتطلب إخضاعهما لبرنامج علاج نفسي أسري وفردي حتى يتمكن كل من الزوجين من حل مشاكله الناتجة من أخطائه في التفكير وبالتالي تتحسن أفكارهما ومعتقداتهما الفكرية ويسهل عليهما التعاون مع المشكلة بعقلانية وواقعية ومنطقية ويصبح هناك نوع من التنازلات والتفكير الإيجابي في التعامل مع المشكلة والأبناء.