كثيرا ما توقفت عند أسباب تردد لفظ الذئب في الثقافة العربية! فذكر الذئب يتكرر كثيرا في حديث العوام وفي القصائد والروايات والأمثال، ونسجت حول الذئب كثير من الأساطير والخرافات، فقيل إن الجن تخاف من الذئب، وإن تعليق ذيله أو جلده على الباب يطردها بعيدا، وإن أكل كبد الذئب أو قلبه يورث الشجاعة ويعلم الإقدام. كما قيل إن إناث الذئاب أشد ضراوة وشراسة من ذكورها، في خروج صريح على النسق المعتاد في كون الإناث غالبا هن الأكثر رقة ولطفا من الذكور، ومع ذلك بالرغم من هذا القول الذي يؤكد ضراوة أنثى الذئب أكثر منه، إلا أن الشهرة لحقت بالذئب دون الذئبة، في تجلٍ صريح لثقافة تعشق تمجيد الذكور حتى في الحيوان وإن كان زيفا وباطلا صريحا. الذئب في ثقافة العرب، له أكثر من صورة، فمرة يظهر رمزا للقوة والشجاعة والهيبة، ورمزا للفطنة والدهاء وشدة الحذر، ومرة أخرى يظهر رمزا للطمع والغدر والظلم ونكران الجميل، فكان إن امتلأت الثقافة بذكر الذئب في المدح والقدح جميعا. ولسمو مكانة الذئب في الثقافة العربية صارت أسماؤه هي الأسماء المفضل إطلاقها على الأبناء، فسمى العرب أولادهم ذيب وسرحان ونهشل وأوس وغيرها، ومتى أرادوا الثناء على أحدهم شبهوه بالذئب وفي العامية يقولون (فلان ذيب) (كفو ياذيبان). وفي مقابل هذا استخدموا التشبيه بالذئب للذم أيضا، فوصفوا السفلة من الرجال بالذئاب، وضربوا الأمثلة على الخلق السيئ بالذئب فقالوا (أخون من ذئب)، (أغدر من ذئب)، (من استرعى الذئب فقد ظلم). ومع ذلك فإن الذئب في ثقافة العرب، على رغم ما هو معروف عنه من غدر وشراسة وحب للدم، يظل في عين العربي أكثر (أمانا) من الإنسان، فذاع بين العرب، كلما أرادوا الشكوى من البشر، الاستشهاد بقول أحدهم: (عوى الذئب، فاستأنست بالذئب إذ عوى، وصوّت إنسان، فكدت أطير). لم نال الذئب هذه المكانة في الثقافة العربية دون غيره من الوحوش التي هي أكثر قوة منه وأعلى مكانة؟! الآن الذئب حقا له من الخصال والسمات ما يجعله يستحق تلك المكانة؟ أم لأنه الوحش الأكثر ظهورا في البيئة التي يعيش فيها العربي؟ فالوحوش الأخرى الأقوى والأعلى مكانة غالبا تعيش في الغابات والأحراش بعيدا عن العين العربية، فكان أن انفرد الذئب بتمثيل الرمز الوحيد، للقوة والمهابة، وللغدر والظلم على السواء.