يترقب المسلمون ليلة القدر في الليالي الأخيرة من رمضان، وخصوصا الوترية منها، لكونها أعظم ليلة كما وصفها الله سبحانه وتعالى: «وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر»، إلا أن هناك اختلافا في طريقة معرفتها وتحديد موعدها، فأوضح البعض أنها غير مقتصرة على الليالي الوترية كما يعتقده الكثير، مستشهدين بحديث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنها في ليلة الرابع والعشرين، إلا أن علماء قالوا إن آكد الليالي الوترية هي ليلة السابع والعشرين وتتنقل من عام لآخر. وأشار مشاركون إلى أنها تحوي علامات كونية ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن البعض نفى ذلك. ونفى عميد كلية الشريعة سابقا الدكتور سعود الفنيسان وجود علامات كونية لليلة القدر، قائلا: تحديدها يكون في العشر الأواخر في الأوتار. ونوه بأن العلامات المذكورة عن ليلة القدر أوردها بعض التابعين أو الصالحين، مشيرا إلى أن كلامهم يؤخذ ويرد، إذ أوضحوا أن من الطرق التي يستدل بها على ليلة القدر عدم وجود شعاع للشمس في صبيحة يومها أو عدم سماع نباح الكلاب أو نهيق الحمير. وأفاد النفيسان بأن ليلة القدر لا يصح الجزم بمصاحبتها تغيرات جوية أو مناخية، عازيا عدم ظهور علامات إلى حكمة إلهية وهي اجتهاد العباد في الطاعة. أما الدكتور عزام الشويعر فتعجب من اعتقاد البعض أن ليلة القدر لا تأتي إلا في الليالي الوترية، قائلا: حتى الأيام الشفعية لربما تأتي فيها هذه الليلة، فقد جاء في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون ليلة الرابع والعشرين من رمضان، موضحا أن آكد ليلة لوقوعها هي ليلة السابع والعشرين. وعزا اعتقاد البعض بأنها لا بد أن تكون في ليلة وترية لأسباب ككثرة الأحاديث التي جاءت بوتريتها وعدم اطلاع البعض بإمكانية حلولها في ليلة شفعية. وكشف عن أن حجبها عن الناس هدفه الاجتهاد مثلما حجبت الساعة المستجابة يوم الجمعة. غير محددة وأبان مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن «تحديد ليلتها إنما هو من الأخبار الكاذبة، إذ لم يحددها النبي صلى الله عليه وسلم». لا ينبغي التخصيص الداعية حامد سعيد قال «ليس في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو حتى في أعمال الصحابة، كما هو منتشر اليوم، ما يدل على فضيلة تخصيص ليلة السابع والعشرين بعبادات تحريا لليلة المباركة». وأبان أن التخصيص يؤدي إلى زحام شديد في بيت الله الحرام، وذلك رغبة في موافقة ليلة القدر. واعتبر التخصيص لعبادات في ليلة معينة من رمضان نوع من المحدثات التي اقترفها البعض. ونبه إلى أن فضائل العبادة كالعمرة وغيرها لا تهتم بليلة معينة من رمضان، فالشهر جله يحمل الفضل نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخصص أياما بعينها، بل قال عليه الصلاة السلام لامرأة من الأنصار: «إذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة». وذكر الدعاء الذي يقال في هذه الليلة، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقول في ليلة القدر فقال لها: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني»، ناصحا المسلمين بالاجتهاد في الطاعة وتحري ليلة القدر بالعبادة حتى يوافقها الإنسان وهو على خير، فيتحقق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». ونوه بأن العمرة في ليلة السابع والعشرين لا تمكن المرء من الخشوع نظرا للزحام، وبالتالي يحاول المرء النجاة بنفسه، والفراغ من العمرة بأسرع ما يمكن، مفتقدا السكينة، ومضايقا غيره نتيجة التدافع. وأشار إلى أن ليلة القدر أخفيت عن الناس، ولم تبين للرسول صلى الله عليه وسلم موعدها وإنما علمها عند الله سبحانه. وعلل سبب حجبها ليجتهد الناس في العبادة ويتلمسوها في العشر الأواخر. وتطرق إلى أن من الخطأ تخصيص الليالي الوترية بدعاء خاص أو تطويل بعض الأئمة على المصلين، إلا إذا جاء ذلك مصادفة وعفو خاطر، فهنا لا بأس كما أن اجتهاد الإنسان في العبادة والدعاء بشكل عام لا بأس. وذكر أن قيام ليلة السابع والعشرين اعتقادا أنها ليلة القدر دون غيرها من الليالي نوع من التفريط، فالله لم يبينها لرسوله فكيف يجزم البعض أن تلك الليلة هي ليلة القدر. مناديا المسلمين لاغتنام هذه الليالي والاجتهاد في العشر الأواخر، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا جاءت العشر الأخيرة شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله. لم تثبت علامات ونفى الدكتور خالد بن صالح الزعاق ما يذكر من علامات كونية لليلة القدر، قائلا: لم يثبت علميا شروق الشمس صبيحة ليلة القدر دون شعاع. وذكر أن لديه سجلات وبحوثا تربو عن 37 عاما تثبت أن شعاع الشمس متواجد على مدار العام. وأبان أنه والشيخ ابن جبرين رحمه الله راقبا سويا شعاع الشمس في شهر رمضان عبر جهاز دقيق فاستمر ينقل التقارير للشيخ طيلة الشهر، فتبين أن الشمس لا يخفى شعاعها أبدا. وبين أن العلوم الطبيعية والكونية أثبتت خلاف ما يقال، فالشعاع إن تغير أو تغيب قليلا لتجمدت المجموعة الشمسية ولتحسسته المراصد الدقيقة المبثوثة على وجه الأرض وجبهة السماء والمتناهي الدقة. وذكر أن من المسلمات العلمية التي لا بد من إيمان الإنسان بها أن للشمس والقمر وجميع الأجرام السماوية نظامها الخاص الذي لا يعتريه تغيير أو خلل حتى يرث الله الكون ومن عليه. ليست خاصة بنا وأثبت الباحث الإسلامي فؤاد خليل أن لليلة القدر علامات منها ما هو كوني صحيح ومنها ما كان خلاف ذلك. وعدد بعض العلامات الصحيحة، مثل الحديث الذي جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن من علامتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها، وهذا ثابت وأيضا ما جاء في حديث ابن عباس عند ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة»، وما ثبت عند الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ليلة بلجة أي منيرة مضيئة، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم» أي لا ترى فيها الشهب التي ترسل على الشياطين. وذكر خليل أن الأحاديث السابقة صحيحة، إلا أن هناك علامات أخرى لا أصل لها كمن قال بأن الأشجار تسقط حتى تصل إلى الأرض، ثم تعود إلى أوضاعها، وأن المياه المالحة تصبح حلوة، أو أن الكلاب لا تنبح فيها، وهذا لا يصح أو ما قاله بعضهم بأن الأنوار تكون في كل مكان حتى في الأماكن المظلمة، وأن الناس يسمعون التسليم في كل مكان، مضيفا ليس من الضروري لمن أدرك ليلة القدر أن يعلم عنها، بل قد يكون ممن قامها بالعبادة والخشوع والبكاء والدعاء، فيكون أفضل عند الله وأعظم منزلة ممن عرفها. فالعبرة بالاستقامة ولزوم الجادة والتعبد لله. وخلص إلى أن ليلة القدر ليست خاصة بأمة، بل عامة لكافة الأمم السابقة، كما رواه النسائي عن أبي ذر أنه قال: «يا رسول الله هل تكون ليلة القدر مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت؟ قال عليه الصلاة والسلام: كلا، بل هي باقية».