بحكم أنني أبو البنات كما يقال، وعندما استمعت لكلمة خادم الحرمين الشريفين وهو يسمح للإناث بالمشاركة في مجلس الشورى ومجالس البلديات، تذكرت الطبيبة إليزابيث بلاكويل أول امرأة تؤنث الطب إذا صح التعبير، فبدأت أكتب هذه الكلمات. عام 1844م تلقت كليات الطب الاثنتا عشرة الرئيسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية طلبا للالتحاق بها، إلا أنه كان فريدا من نوعه غريبا مثيرا وغير متوقع، فلقد كانت صاحبة الطلب فتاة رغبت في أن تتعلم الطب لتصبح أول طبيبة في العالم، واستولت الدهشة على عمداء هذه الكليات وردوا على صاحبة الطلب الجريئة بأنه ليس في وسعهم قبول طلبها لأنه بلا سابقة، وشددوا على المحاذير من جراء رؤية فتاة تتعلم، وهنا مربط الفرس، أن تتعلم أشياء وأشياء عن طبيعة الجسم البشري ووظائف أعضائه. ورأى الكثيرون أن الطب مهنة خاصة بالرجال ولا دخل للنساء فيها. هكذا كان المفهوم العام في الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل 267 سنة، ولكن من كانت تلك الفتاة الجريئة؟ كانت مدرسة مجتهدة ومغمورة ضئيلة البنية رمادية العينين شقراء الشعر عذبة الصوت وكان اسمها إليزابيث بلاكويل، وكانت لدى عودتها مساء إلى غرفتها تنكب على كتب الطب والتشريح التي كانت تبتاعها بما تدخره من مرتبها الضئيل، وغايتها من ذلك دراسة الطب لتصبح أول طبيبة في العالم، وكادت إليزابيث تيأس لهذا الرفض وأيقنت أن حلمها سينهار، ولكنها ذات يوم تلقت من كلية جنيفالأمريكية للطب كتابا أبكاها من شدة الفرح، فلقد جاء فيه أن عمدة الكلية بعد التداول الطويل الدقيق رأى أنه ليس ثمة سبب مشروع يحول دون السماح لفتاة أكملت دروسها الثانوية بدخول كلية الطب لدراسة هذا العلم. وكانت الشهور الأولى في كلية الطب عبئا ثقيلا على كاهل إليزابيث، ولكنها انتصرت على كل العقبات، إليزابيث بلاكويل فتاة أمريكية ومثال على تأكيد الذات مع العزم والحزم والمثابرة، فعلينا أن نتوقع كم المعاناة الذي عانته الطالبة (إليزابيث) وبالذات مع زملائها من الطلبة الذكور، ولك أن تتخيلي كمية المشاعر المختلفة مع هؤلاء الطلبة وأساتذتها الذكور، فمن مبغض لها مشمئز من تقمصها لمهنة من مهن الرجال آنذاك، إلى غيور حاسد على إصرارها لتكون طالبة مجتهدة وطبيبة ناجحة، إلى معجب بعزمها وإصرارها على النجاح ويخشى الاعتراف بذلك خشية من سخرية زملائه. كان هذا قبل أكثر من قرن ونصف من الزمان فالملك عبدالله أخرجنا من ذلك العصر وأدخلنا للقرن الواحد والعشرين عندما أعلن للملأ أن علينا أن نأخذ برأي المرأة في أمور الحياة ونستشيرها، كيف لا وهي أول مدرسة لكل منا في بيوتنا. والجدير بالذكر أن إليزابيث كانت بريطانية الولادة والأصل، وكان أول مدرس لها هو والدها سامويل بلاكويل، وهاجرا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام 1832م. وكان والدها يتبع مبدأ التغيير والتقدم والتطور والعمل في خدمات اجتماعية وكانت أخوات إليزابيث آنا وميري وأمهم هن أول من فتحن مدرسة للبنات في أمريكا في ولاية سنسينتي، تخرجت إليزابث عام 1849م الأولى على فصلها، لتصبح أول طبية في عالم الطب الحديث. عادت إليزابيث بلاكويل إلى بلدها بريطانيا لتأسيس أول كلية طب للبنات عام 1874م وسميت الرويال فري هوسبتل كلية الطب في لندن في شارع اسمه «هنتر ستريت»، وبعدها أصبحت جزءا لا يتجزأ من جامعة لندن وفتحت أبوابها للرجال كذلك. والظريف في هذا أنني وزملائي الأساتذة الدكتور حسان فطاني والدكتور سراج ميرة قد درسنا الطب سويا وتخرجنا من هذه الكلية (كلية الرويال فري هوسبتل للطب) التابعة لجامعة لندن. * للتواصل (فاكس 6079343) للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 189 مسافة ثم الرسالة