لم يجد الجنرال فرانكو غضاضة في أن يطلب من هتلر مساعدته على قمع المناهضين لحكمه المستبد ولم يفوت هتلر الفرصة حين أمر طائراته فدمرت قرية جورونيكا على رؤوس أهلها معيدة ترتيب موازين القوى بين استبداد الجنرال وعزيمة الثوار فمنح هتلر بذلك فرانكو بضع سنوات يمارس فيها مزيجا من الاستبداد ومنح التاريخ صفحة تظل شاهدا على أسوأ صور الحكام حين يتواطأون ضد شعوبهم لمجرد أنها طالبتهم بما هو حق لكل شعوب الأرض من عدالة اجتماعية وحرية للكلمة وحق في المشاركة. ما يحدث في سورية ليس ببعيد عما حدث في إسبانيا إذ ثمة شعب يبحث عن حرية طال انتظاره لها ونظام قمعي لا يجد غضاضة أن يهدر دم الشعب وكرامته وأمنه في سبيل أن يضمن لنفسه البقاء متسيدا سدة الحكم ومتحكما في رقاب البلاد والعباد. لم يكن للنظام في سورية أن يصمد في مواجهة الشعب وأن يواصل تنكره لكل الدعوات التي تطالبه بالتوقف عن ممارساته اللاإنسانية تجاه الحشود التي خرجت في مظاهرات سلمية لو لم يكن هذا النظام يستند إلى قوى إقليمية يضع مصالحه معها فوق كل اعتبار ويستعين بها كما فعل فرانكو من قبله ضد شعبه الذي يدعي أنه يعمل لمصلحته ويسعى لما فيه خيره ونصرته وأمنه واستقراره . النظام السوري فقد شرعيته الثورية التي كان يدعيها ويستبيح من خلالها حكمه للشعب السوري مذ انتهت تلك الدعاوى الثورية على أن تكون ثورة ضد الشعب تصادر حريته بدءا ودمه في الخاتمة وبين مصادرة الحرية ومصادرة الدم لا يكون ثمة قيمة للكرامة فضلا عن الأمن والاستقرار. التجربة السورية ستكون أكثر قسوة من التجربة الليبية فضلا عن التجارب المصرية والتونسية واليمنية فإذا كان الرئيس التونسي حسم الأمر مبكرا حين فر تاركا شعبه يقرر مصير البلد والرئيس المصري قرر متأخرا التنحي تاركا للشعب اختيار ما يريد وإذا كانت موازين القوى في ليبيا واليمن أوجدت جبهات مقاومة سواء تمثلت في القبائل والأحزاب اليمينة أو في المنشقين من الجيش الليبي والمكونين جبهة الثوار فإن الوضع في سورية سيجبر الشعب على البقاء وحيدا في ظل جيش عاجز عن الحركة خارج نطاق التعليمات تترصده أجهزة قمعية تقضي على كل من يحاول التمرد على الديكتاتورية كما أن الحياة السياسية لم تفرز في سورية حياة حزبية يمكن لها أن تشكل قوى اجتماعية تحول الحراك الشعبي إلى فعل تحرري يناهض آليات القمع. هذا الوضع المأساوي في سورية يضع المستقبل في هذا القطر العربي على أحد مسارين الحكمة في التعامل مع الشعب أو الفوضى المدمرة فعلى النظام السوري أن يختار لبلده أحد هذين المسارين، وتلك هي رسالة الملك عبد الله بن عبد العزيز التي تضمنها خطابه التاريخي أمس الأول.