الديوان الملكي: الصلاة على الأمير بدر بن عبدالمحسن بعد عصر غد «الأحد» في الرياض    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    «يويفا» يوافق على زيادة عدد اللاعبين في قوائم المنتخبات المشاركة بيورو 2024    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    160 ألف سيارة واردات المملكة خلال عامين    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الأمن العام: بدء تنفيذ التعليمات المنظمة للحج اعتبارا من اليوم    لن يغيب "البدر" لأن صفاءه في القلوب علامة    أمر ملكي بتعيين 261 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلى 34654    بلينكن يحذر مجدداً من هجوم إسرائيلي على رفح    الرياض تحتضن أكبر معرض لصناعة الدواجن    شمس منتصف الليل.. ظاهرة طبيعية تحدث في الصيف    رقم مميز ل رونالدو في مواجهات النصر والوحدة    بدر بن عبدالمحسن.. غاب البدر وانطفى ضيّ الحروف    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    اللجنة الثلاثية «السعودية - التركية - الباكستانية» تناقش التعاون الدفاعي وتوطين التقنية    انطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد بمسيرة أرفى بالشرقية    باكستان تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    جيرارد: محبط بسبب أداء لاعبي الاتفاق    التسمم الغذائي.. 75 مصاباً وحالة وفاة والمصدر واحد    توقعات بهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    غاياردو يغيب عن المؤتمر الصحفي بعد ثلاثية أبها    مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    توافق سعودي – أذربيجاني على دعم استقرار "النفط"    "زرقاء اليمامة" تفسر أقدم الأساطير    رحل البدر..وفاة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر ناهز ال75 عاما    "تسلا" تقاضي شركة هندية لانتهاك علامتها التجارية    الذكاء الاصطناعي يبتكر قهوة بنكهة مميزة    3 مخاطر لحقن "الفيلر" حول العينين    بدء إجراءات نقل السيامي "عائشة وأكيزا" للمملكة    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    اليوم المُنتظر    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    قصة القضاء والقدر    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جالدت خصومي بالذخيرة الحية وصادرت حقوقهم المشروعة
تراجع الغذامي يفرض على عوض القرني سحب أحكامه .. د. حسن الهويمل المرتمي في أحضان السياسة ل «عكاظ» :
نشر في عكاظ يوم 05 - 03 - 2010

لا أشك مطلقا أن في ثنايا حواري مع الأديب الدكتور حسن الهويمل مراجعات وتراجعات حادة.. فالرجل الذي استخدم الذخيرة الحية وظل محاربا شرسا لخصومه من رموز الحداثة وأنصار العامية على مدى نصف قرن ألقى سلاحه وترجل عن صهوة جواده مستسلما لتقدم العمر وقرب دنو الأجل بعد أن اشتعل رأسه شيبا.. اعترف باندفاعه وقسوته على مخالفيه، وطالب الشيخ عوض القرني بسحب أحكامه على الدكتور عبدالله الغذامي بعد تراجعاته الأخيرة.. قال بأن خروج عبدالله القصيمي من بيئة دينية حالة صحية تعبر عن استيعاب الرأي الآخر، ووصف تهميش الرموز في الأندية الأدبية بالخطأ الكبير.. اعتبر القصيبي مجددا استثنائيا، وطالب تركي الحمد بالاعتراف بسلطات المجتمع ليخرج من أزمته. محطات ساخنة في ثنايا الحوار الذي بدأ به الدكتور الهويمل، متحدثا عن رحلة الدفء مع الكتاب وكتاتيب مدينة بريدة.
ولدت في مجتمع محافظ، فكانت خطواتي الأولى تمر عبر بوابة الكتاتيب، ومنها تطورت مداركي واكتشفت منذ الصغر رغبتي في اقتناء وشراء الكتب منذ المرحلة الابتدائية. كنت أشعر بالدفء عندما أتملك الكتاب.. هيئت لي وظيفة التدريس في السادسة عشر من عمري عام 1372ه، ومن كان يحمل شهادة الابتدائي في بريدة لا يتجاوز عددهم أربعة أشخاص. لم يكن هناك لا متوسط ولا ثانوي ذلك الوقت وكنت أستلم 400 ريال راتبا شهريا تكفيني بزيادة، بل إنني بنيت ثروتي منها. تزوجت وأنا في التاسعة عشرة من العمر، ولي الآن ثمانية عشر ولدا وبنتا من زوجتين وعشرات الأحفاد والحمد لله.
ارتبطت بالأزهر عندما أتيحت لي الفرصة لدراسة الماجستير وأنا على رأس العمل، عندما فتح الباب للوافدين ليأتوا في الصيف لنيل مواد مكثفة، قبل أن تفتح الدراسات العليا في المملكة، فاتجهت إلى القاهرة، التي كانت تستعد لتلملم أوراق هزيمة 67م بحرب أكتوبر 73م، لكنني لم أتأثر ببقايا شعارات القومية والناصرية؛ لأنني عشت في مجتمع ديني شبه معتزل لهذه الأفكار في القصيم في تلك الفترة. تأثرت كثيرا بالأدب الحجازي الذي عاش مرحلة استقرار سياسي ومؤسساتي وإن كان بدائيا في عهد الأشراف، فيما كانت بقية مناطق المملكة تعيش الفوضى، وهو منطلق الأدب السعودي عامة، وظلت صلتي متواصلة به مع عبدالقدوس الأنصاري رحمه الله، عندما كتبت عنه مقالا عام 1381ه في مجلة المنهل وشكرني ثم أرسل لي قلائد السنوسي كهدية، وعندما انتقدتها رفض أن ينشر لي فأرسلتها للأستاذ عبدالفتاح أبومدين ونشرها لي في مجلة الرائد، وحصل بيني وبينه خلاف أزلته بمبادرة مني بدعوته لإلقاء محاضرة في النادي الأدبي في القصيم، وظلت العلاقة مستمرة معه ومع أولاده من بعده. وظللت على صلتي الوطيدة بالكتاب قارئا ومؤلفا وصديقا لا أنفك عنه، وهذا قدري ونصيبي.
• ومن الذي رماك في أحضان السياسة مؤخرا يادكتور؟
الإنسان الذي يعيش حضورا فكريا وأدبيا لابد أن ينجر نحو السياسة بشكل أو بآخر.
• ينجر ميولا؟
بل تفاعلا، لاسيما أن الأديب والأكاديمي كلما تقدمت به السن كلما أحس أنه يقترب من قضايا أمته، وأنه يشاطر هذه الأمة المسؤولية، وليس هناك شك أن السياسة هي المصنفة والمدبرة للوجود نفسه، فالسياسة جزء من الهم الأدبي والفكري والثقافي.
• سياسة الممكن أم اللاممكن؟
كل شيء ممكن في السياسة، فأنت تتعامل معها في طريق ثم تجد أنها ارتدت إلى الوراء دون أي مبرر.
• ألا تتناقض هذه المبادئ مع ما يؤمن به الأديب والمثقف؟
ما في ذلك شك، فالأديب والمفكر دائما وأبدا يتصور أنه يعيش مواقف، وأنه لا يمكن أن يساوم أو يزايد عليها، لكن في السياسة لا مواقف بل مصالح.
• وما الذي جمع النقيضين عندك؟
عشت هم السياسة العربية وعايشت النكسات والصدمات والحروب المجانية والشعوب المعذبة في الدول الثورية، فعايشت كل هذه الأشياء.
• ولكن لم يكن لك حضور كتابي؟
عندما فوجئت بالوضع السياسي المتردي في العالم العربي خاصة والعالم الثالث على وجه العموم بدأت أميل منذ عشر سنوات تقريبا أو أكثر إلى قراءة الكتب السياسية، سواء كانت كتبا تنظيرية أو مذكرات ورصدا لأحداث سياسية.
• هل تعتبرها تجربة ناجحة؟
أنا أعتبر أن المثقف أو الأديب عندما لا يعيش حضورا سياسيا فإنه يفقد أشياء كثيرة، لأن السياسة ليست هواية أو رياضة فكرية أو ثانوية، وإنما تعيش في صميم حياة الإنسان، وكما يقولون: الناس على دين ملوكهم.
• لكن.. بماذا تفسر عزوف الأدباء عن السياسة؟
لا أتصور أن بإمكان الأديب أو الفنان أو الموهوب أو العالم أن يعيش في عزلة، لأن الواقع السياسي يمسه سلبا أو إيجابا.
• وما الذي توصلت إليه من مراجعاتك الأخيرة؟
التحولات ظاهرة طبيعية، وكما يقول الشاعر: ومن ذا الذي أعز لا يتغير، فالإنسان من طبيعته أنه يتجدد ويتغير، فلا تكون لديه الحدية باستمرار إلا في قضايا العقيدة التي ليس فيها مزايدة ولا مساومة، أما في قضايا الحياة والأدب والسياسة والفكر فلابد أن يكون هناك تحولات على ضوء ما يقرأ، حيث يتشكل نسيج الإنسان الثقافي وعلى ضوء هذا التشكل تبدأ عملية التحولات والمراجعات.
• مراجعات أم تراجعات؟
لا، هي مراجعات وليست تراجعات.
• بمعنى أنك لم تتراجع عن مواقفك السابقة؟
هناك ثوابت لا يمكن المحيد عنها مثل القيم الأخلاقية والمبادئ الدينية، ولا يمكن أن يزايد الإنسان عليها، ولكن هناك أشياء ثانوية في المناهج أو الآليات أو في الموقف من الأشياء، فهنا يمكن أن يكون هناك شيء من التحول.
• لم لم تكتبها؟
أشرت إلى بعضها، وأعتقد أن الإنسان لا يستطيع أن يكاشف بوضوح في مثل هذه الأشياء.
• لماذا؟
لأنك قد تواجه إنسانا ليس لديه إلمام بحتمية التحول.
• هذا يعني أن معاركك مازالت مستمرة أم توقفت؟
تقريبا توقفت، لكنها ظلت على فترات، فكل إنسان يطرح رؤيته بدون أن يفترض طرفا آخر يواجهه بذاته.
• المعروف أنك صاحب فكر أزهري؟
تأثري الأكبر كان بالأديب الكبير عباس محمود العقاد وحدته في معاركه وليس بالأزهر، مع أنني لم أره، فقد ذهبت للقاهرة عام 1973م بعد وفاته بثماني سنوات، ولكنني قرأت كل ما كتب أو أغلب ما كتب عنه.
• إلى أي مدى وصلت بك الحدة في معاركك مع خصومك؟
مرت بي لحظات مع خصومي مثل الغذامي وعابد خزندار ومعجب الزهراني وحمزة المزيني تجالدت معهم فيها مجالدة والعياذ بالله بالذخيرة الحية.
• لو عاد بك الزمن إلى الوراء.. هل كنت ستتخذ نفس المواقف؟
ما كنت سأستخدم معهم الكلمات أو العنف الذي اتبعته في معاركي السابقة ولن أصادر حقهم الذي كنت في ذلك الوقت أتجرأ بمصادرته. وكنت أتهيب أن أقرأ في الثلاثينات لمن لديهم شبه مثل طه حسين وغيره، أما الآن فقرأت جميع كتب القصيمي في دمشق وكتبت عنها سلسلسة مقالات بعنوان تداعيات قراءة دمشقية.
• ومتى تبدأ المعارك عندك؟
عندما أجد أن هناك خطأ في الفكر أو الرؤيا لا يمكن السكوت عليه، أو هناك تعد على حرماتك الذهنية والفكرية.
• من منطلق أنك مدافع عن هذه الحرمات؟
من منطلق إيماني بهذه القضية وأنها أممية وليست ذاتية.
• ومتى ستنتهي معاركك مع الغذامي ومعجب الزهراني وغيرهم؟
في تصوري أنها هدأت، فقد تقدمت بنا السن وتوسعت التجارب وتقاربت المسافات بيني وبينهم وهدأت حدة النقاش.
• هل هدأت مع د. الغذامي تحديدا؟
مافي ذلك شك، وحتى الدكتور عبدالله الغذامي بدأ يعطي تراجعات واضحة عن كثير من ما ذهب إليه، ثم هو من الذين يمثلون التحولات السريعة بانتقاله من الحداثة للبنيوية ومنها إلى النقد الثقافي حتى إنه يرى موت النقد الأدبي.
• هل تراها تحولات طبيعية؟
هذه حدة في التحولات وليست طبيعية.
• حاولت أن تثنيه عن حداثة الفكر؟
أنا تناوشت معه حول الحداثة بمفهومه وبمفهومي.
• لكنك قلت إنه يجب أن نراعي مفهوم الحداثة عند الخصوم لكي لا نظلمهم؟
مشكلة المشهد النقدي عندنا أنه يترك القضية ويتناول الذات، ويتصور أنه بإسقاط الذات تسقط القضية، وهذه من الأخطاء التي تدان فيها المشاهد عامة، والمشاهد المحلية خاصة.
• ألم تظلم الدكتور الغذامي؟
لا أتصور أنني ظلمت، ولكن السياق الذي عشنا فيه تميز بالحدة والحدة المضادة، فبالتالي لو لم تكن هناك حدة في الطرف الآخر لما كانت هناك حدة عندي، وهكذا فعندما هدأت حدتهم فبالتالي هدأت عندي، والدكتور عبدالله كان حادا في معاركه الأدبية، فوجد حدة مضادة أثقلت عليه وهو أدرك هذه المسألة فخفف من حدته في الفترة الأخيرة من حياته الأدبية.
• لكنك تماشيت في كتابك (الحداثة بين التدمير والتعمير) مع نفس السياق الذي مشى عليه الشيخ عوض القرني في كتابه (الحداثة في ميزان الإسلام)؟
كتابي يختلف، فأنا لم أعتمد الأحكام الفقهية، ولم أدخل في موضوع الحل والحرمة.
• وما رأيك في الأحكام التي أطلقها الشيخ القرني على خصومه؟
الكتاب جاء في سياق مرحلة لم يكن فيها شاذا أو غريبا وكانت تستدعي منه ذلك.
• لكن الدكتور الغذامي قال بأن عوض القرني ظلمه ويتحمل وزر من ساروا وراءه؟
من الضروري أن تتم فيه مراجعات الآن؛ لأن الذين تبنوا الحداثة بدأوا يوضحون ما يريدون من الحداثة ووضعوا نوعا من الضوابط، وبالتالي يجب أن تسحب الأحكام والرؤى التي صدرت بحقهم بناء على تراجعهم.
وعندما نتحدث عن مرحلة فيجب أن نعيش في أجوائها الدينية والسياسية والأدبية، فالأمور بدأت تتبدل وتتغير فلا تستطيع أن تقتطع جزئية في مرحلة من المراحل وترحل بها دون أن ترحل بكامل سياقها.
• المفارقة أنك لم ترفض كتابه (الخطيئة والتكفير) عندما كنت أستاذا متفرغا في الجامعة؟
أحيل إلي كمرجع.
• ولم تقبل به؟
من حيث كونه منهجا وموضوعا وطريقة تناول لأعمال حمزة شحاتة فلا غبار عليه، لكن النتائج والمآلات التي يؤول إليها الناقد من خلال آلياته قد أؤول أنا إلى مآلات أخرى تختلف معه لا أكثر ولا أقل، وهذا خلافي معه.
• وهل مازالت حداثة الفكر مؤثرة؟
مازالت.. ولكنها زوحمت بأطروحات جديدة فقل تأثيرها.
• أكثر ما تخشاه منها؟
الانفجار المعرفي وثورة الاتصالات وتعدد الخطابات ودخول اللعب السياسية في القضايا الدينية والفكرية، فلم تعد هنالك حقول متمايزة، ومن ثم لم تعد القدرة ممكنة على الفرز، وهي مرحلة مخيفة جدا.
• كيف نواجهها؟
بالتأصيل المعرفي وتحديد المسائل فعلى الإنسان أن يتعمق في تخصصه وأن يفهم ما هي القضية التي يخوض فيها من حيث قيمها وارتباطها بالسائد، فلابد من التأسيس الفكري والمعرفي.
• وإلى متى نظل منجرفين إلى الرؤى الخارجية؟
يقول ابن خلدون إن من طبيعة المغلوب أن يقلد الغالب.
• المشكلة أن الغالب مغلوب على أمره؟
الأمة مرت بفترة تخلف وضعف وتفكك وفوجئت بالتقدم المادي الغربي ومؤسساته السياسية والاجتماعية ومصانعه ومصطلحاته، ولم تستطع أن تمتلك تقديم ذاتها من خلال إمكانياتها، فأصبح هناك نوع من الذوبان في الآخر وتقمص حتى سلوكياته.
• في هذا السياق لماذا نشعر دائما أنك في حالة تضاد مع أدونيس الذي ينظر له كثير من مثقفينا على أنه مبدع ومجدد؟
أدونيس وعدد من المفكرين العرب لا غبار على إمكانياتهم من الناحية المعرفية والفنية، لكن من حيث الفكر والانتماء فأدونيس علماني متطرف، ولا أقول إنه مجدد، ولكنه يقترب من التخريب، ورغم ذلك يظل محطة فكرية لا يمكن تجاوزها مهما اختلفنا حوله، فلديه إمكانياته ووسائله التي جعلته يخترق أجواء الأمة العربية.
• مادام الحديث عن التجديد فهناك من يخالفك على إطلاق صفة المجدد على الدكتور غازي القصيبي؟
وليكن.. فهذه قناعتي، فالقصيبي شخصية استثنائية وعنده سمات وخصائص يمكن أن تجعله مثيرا بأي موقع، كما أنه موهوب ويحمل هما وصاحب رسالة وموقف دون تلون، قد نختلف أو نتفق معه فهذا شيء آخر، لكن يظل يمتلك مواقف ويحمل قضايا يحمد عليها، فالرجل ليس دعيا في مجال الشعر، ولا العمل الإداري، ولا في مجال الكتابة وتناول القضايا السياسية والفكرية، وهيئت له إمكانيات سياسية وتعليمية، وعنده ثقة وبراعة في حفظ الوقت واستغلاله، فكل هذه الأشياء مجتمعة شكلت هذا النسيج الغريب الذي يشكل منعطفا في مجال الأدب والفكر والعمل الاداري.
• وما الذي يجعل المثقف يصل إلى مرحلة يهدد فيها بالقتل أو خلافه كما حدث مع تركي الحمد؟
عندما لا يقيم وزنا للنسق والسياق الثقافي ولا للرأي العام. أي مجتمع سوي يعيش في ظل ثلاث سلطات: السياسية والدينية والمجتمعية، والإنسان العاقل هو من يطرح مشروعه في ظل الاعتراف بهذه السلطات وليس التقيد بها أو الذوبان فيها، وهناك فرق بين أن تذوب في هذه السلطات أو أن تعطيها قيمة بحيث تشعرها أنك لا تريد المساس بها، والرأي العام لا يمكن أن يسلم لأي روائي أو قاص أو شاعر أو مفكر يقتحم عليه مسلماته وثوابته سواء كانت هذه الثوابت حقيقية أو يراها الرأي العام نفسه، وأتصور أن كثيرا من الأدباء تنقدح الفكرة أو القضية الأخلاقية عندهم ولا ينظرون لهذه السلطات الثلاث، وبالتالي يصطدم معها وهي سلطات شرعية ومشروعة.
• وهناك من يطرح أفكاره ويمررها دون أن يصطدم بالمجتمع؟
يمكن أن تطرح مشروعك ويكون إصلاحيا وتجديديا لكن بذكائك ودهائك وخبرتك تمرر هذه الأشياء دون إزعاج، ويأتي إنسان يتقمص ذات الأفكار لكن لا يحسن التعامل مع شركاء المسرح فيتورط فيها.
• بماذا تفسر حادثة إحراق نادي الجوف الأدبي؟
كنت مع بعض الإخوان من الجوف وسألت نفس السؤال الذي طرحته، ولماذا تحصل مثل هذه التحديات، فنحن قد نختلف مع بعض المؤسسات التعليمية والأدبية والإعلامية لكنه اختلاف لا يصل لمرحلة التعدي والإخلال بالأمن ومثل هذه الظاهرة يجب أن توضع تحت المجهر وأن تحاول جهات الاختصاص دراسة جذورها.
• هل تعتقد أن مجرد دعوة امرأة للمشاركة في ندوة أو محاضرة سبب كاف لهذا التصرف؟
لا أتصور ذلك، وهناك أسباب مازالت خفية، والمؤسسات الأمنية في الدولة قادرة على تفكيك هذه البنية والوصول إلى حقيقة ما يحدث.
• لوكنت رئيسا للنادي الأدبي في القصيم، فهل كنت ستدعو امرأة إلى النادي؟
لو توفرت الضوابط الشرعية فليس هناك ما يمنع.
• حتى لو اصطدمت مع المجتمع؟
كلنا نعود لسلطة المجتمع، والقضية يجب أن ترتبط بالمصلحة، فإن توفرت المصلحة دون إزعاج فلابأس، وإن لم تتوفر إلا بردود فعل قد يكون ضررها أكثر من نفعها فهنا أتنازل عنها بدون شك.
القصيم التي خرج منها الشيخ السعدي وابن عثيمين هي نفسها التي خرج منها عبدالله القصيمي.. ما الذي تفسره هذه الأرضية المشتركة؟
منطقة القصيم متحضرة في مختلف فترات تاريخ الحكم السعودي في أدواره الثلاثة، وتقبلت الحركة الإصلاحية في وقت مبكر ووجدت عناصر ضد الحركة الإصلاحية أيضا ومن هنا نشأ الصراع الذي يطغى في بعض الفترات ويخبو في بعضها، فنشأت هذه الكوادر الفكرية والدينية المتناقضة.
• لم تكن نتاج ضغوط المجتمع الديني المنغلق على ذاته؟
إطلاقا.. وما حدث محسوب لمنطقة القصيم التي تتسع لهذه الخطابات المتناقضة.
• تعتبرها ظاهرة صحية؟
بدون شك.
• وهل مازلت ضد الانتماء لمدارس أدبية مؤدلجة؟
نعم.
• لكنك محسوب على مدرسة مؤطرة دينيا؟
هذا ليس صحيحا، لكنني إنسان ملتزم بالمقتضى الإسلامي، وكوني أتقاطع مع مدارس أخرى لا يعني أنني منتم إليها.
• بمعنى أن الآخرين غير ملتزمين؟
قد يكونون كذلك وقد يكون تفسيرهم للالتزام معنى آخر.
• لكن هناك من يرى سقفا محدودا للحرية ليس فيه فضاءات في ظل البعد الديني؟
كثير من الناس يضيقون نطاق السقف، وبالتالي تجد أشخاصا لا يستطيعون أن يزيحوه فيقفزوا عليه وهذا هو الخطأ الكبير، فالحرية الإسلامية يجب أن تفهم بوضوح.
• أليس هذا سببا كافيا ليهرب الكاتب والأديب السعودي من الرقابة لطباعة إنتاجه خارج المملكة؟
لا أتصور أن الرقابة شديدة ولا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، والإيقاع إن لم يكن له ضوابط يتحول إلى صخب، وفي بعض الأحيان يكون لدى الشباب نوع من الاندفاع والخوض في المسكوت عنه في القضايا السياسية أو الدينية أو المتعلقة بالمرأة، والرقابة مؤتمنة وهي جزء من المنظومة الفكرية والسياسية، ولا يمكن أن تسمح لأي كتاب يناقض سياسة الدولة الدينية أو يزعج المجتمع أو يثير الرأي العام، وبالتالي ترفض طباعة هذا الكتاب.
• المشكلة في الكتاب أم صاحبه؟
المشكلة أن صاحب الكتاب معجب ومغلق ومرهق نفسه ولا يريد الاستماع لأحد، ويرى أن هذا الكتاب يجب أن يطبع، وبالتالي يتجه إلى خارج المملكة.
• ألا تحسب مزية للكاتب والكتاب؟
القضية عندما يخرج الكتاب وهل يستحق أن يقرأ.
• كأنك رقيب أكثر من الوزارة؟
المسألة ليست هكذا، فعملية الإثارة والاستفزاز لا يلجأ إليها إلا إنسان لا يملك شيئا، ولو كنت صاحب فكر وقضية فلا أتصور أن الدين أو السياسة أو المجتمع يرفض هذه الإيجابيات، فإن جئت لكسر المسلمات ومصادمة المجتمع والدين والسياسة وأنت لا تقدم إلا رواية ضعيفة في لغتها وفي بنائها الفني وفي أفكارها، فما الذي نفقده عندما تمنع مثل هذه الأعمال.
• ألا ترى أن في هذا الرأي تسلطا؟
لا يمكن أن تكون هناك سلطة سياسية لا يكون لها تحكم في شروط وجودها، وعندما تتحول واحدة من السلطات الثلاث التي ذكرتها لك سابقا إلى تسلط مرفوض فهنا يبدأ التمرد والحراك بأن تعمل داخل المعمار لتعيد التسلط إلى سلطة، أو أن تخرج على هذا المعمار، وبالتالي لا تكون هذه السلطة مهيمنة عليك.
• أنت لا تؤيد مثل هذا الخروج؟
أراه مخلخلا لتلاحم الأمة التي لا يستقيم أمرها إلا ضمن السلطات الثلاث.
• ومن يرى أن كل ممنوع مرغوب؟
هذه شهرة وقتية.
• لم تحدث معك في طباعة كتبك؟
الغريب في الأمر أن كل كتبي ما فسحت، وإنما طبعت عن طريق مؤسسات مسموح لها حتى كتاب (أبجديات سياسية) الذي يمثل آخر مرحلة في أفكاري السياسية طبعه النادي الأدبي دون الرجوع إلى أي جهة أخرى، وقد يكون هناك شيء من التجاوز، لكنه ليس تجاوز العناد أو شهوة المخالفة، وإنما قد أكون وقعت في مثالية لا يحتملها المجتمع أو رؤية سابقة وقتها.
• ولكن تمت أدلجة الأدب وتسييس الإبداع؟
تقلبات الطقس الفكري والسياسي والأدبي تحدث فيها مراحل تسييس وأسلمة، والظاهرة عربية وليست خاصة بنا ويمر بها كل العالم العربي.
• ولماذا لا نجد الكتاب السعودي في الخارج على كثرة ضجيجه في الداخل؟
هذه مشكلة تسويقية تتمثل في عدم قدرتنا على تجسير الفجوات مع الآخر.
• والسبب فيها؟
مشكلة مؤسسات وملحقيات ثقافية لا تقوم بدورها بعد أن تحولت إلى إدارات لخدمة المبتعثين، بينما هي في بعض السفارات ذات البعد الأيديولوجي والطائفي تعتبر وزارات وليست ملحقيات ثقافية.
• يعني نعين أدباء ومثقفين في الملحقيات الخارجية؟
الدولة عندما تريد أن تشيع خطابا أو رسالة تعد له الأشخاص الذين ينهضون به ويؤدونه.
• البعض استغرب موقفك المعادي من الشعر الشعبي الذي وصفه الشيخ حمد الجاسر بالشعر العربي القديم؟
هذا الكلام ليس صحيحا، فأنا ابن العامية، ولكنني ضد أن تصبح لغة رديفة ومعترفا فيها بحيث تدرس ويكتب فيها وتقنن وتدرس أعمالها الشعرية فهذا خطأ جسيم. فالقضية لغة والأمة العربية مرجعيتها في اللغة القرآن الكريم وأي خروج على هذا الإطار دخول في العامية.
• لكنها لم تدخل جامعاتنا بصفة رسمية؟
حاول بعض الهواة إدخالها إلى الجامعة وتم التصدي لهم.
• البعض من باب التحسس اعتبر وجودك شرفيا على رأس مكتب رابطة الأدب الاسلامي؟
هذه مشكلتهم، لكن الرابطة تعمل على حفظ التوازن مع تيارات متعددة، أما قضية الاسم فهو إما أن ينسب الأدب إلى لغته فيقال الأدب الفرنسي والإنجليزي وغيره أو ينسب إلى إقليمه كالأدب المصري والحجازي وهكذا، أو ينسب إلى السياسة كالأدب السعودي والعباسي، أو ينسب إلى الموضوع كالأدب الرومانسي والواقعي، فعندما نقول أدبا إسلاميا فنحن نقصد الذي يعالج قضايا الأمة والمجتمع من خلال حس إسلامي وتلمس الملامح الإسلامية في النص.
• ولماذا يغيب السعوديون عن الرابطة؟
المملكة بلد إسلامي والسعوديون ليسوا بحاجة لهذا الأدب. ومن أراد أن ينضم إلى الرابطة لإشاعة الكلمة الطيبة فالباب مفتوح أمامه بصرف النظر إن كان أديبا إسلاميا أم لا.
• بصفتك محكما في جائزة الملك فيصل العالمية، لماذا تكررت في السنوات الأخيرة ظاهرة حجب الجوائز رغم وجود أعمال جيدة تستحق الجائزة؟
السبب أن الذين يرشحون الأعمال التي ترد للجائزة في الموضوع المطروح لا يرشحون كفاءات تستحق أن تمنح الجائزة، والمسألة ليست في عدم وجود من يستحق الجائزة وإنما في الأعمال المرشحة فظلمت الجائزة بهذا المفهوم.
• هل هناك آلية جديدة مقترحة؟
المسألة تتطلب توعية، فبعض الجامعات تحرم فلانا يستحق وترشح آخر لا يستحق لأغراض شخصية، وهذه تحصل دائما ويجب أن ينبه لهذه القضية فهناك العشرات ممن يستحقون، لكن لم تصل أعمالهم إلى لجان التحكيم في الجائزة.
• دكتور.. هل تغير موقفك من الأندية الأدبية بعد التغييرات الأخيرة واقتنعت بالواقع؟
أنا ليس لي موقف رافض بل مغاير، فوزارة الثقافة والإعلام تصرفت وفق رؤيتها، لكن هذا التصرف غير مناسب لي، وكان المفروض أن تضع الوزارة لائحة وتشكل جمعيات عمومية لانتخاب أعضاء للأندية بمواصفات وشروط بحيث يكون هذا الشخص ضمن الجمعية إذا توفر على هذا القدر من الثقافة والمؤهل والسن، أما أن تقيل مجالس منتخبة وتشكل مجالس عن طريق التعيين فلا أتصور أنها انتقلت من الفاضل إلى الأفضل وإنما تراجعت إلى المفضول.
• وهل مازلت تطالب بأن تكون رئاسة الأندية محصورة في الرموز؟
أتصور أنه لا يمكن أن تؤدي الأندية المطلوب منها إلا في ظل لائحة معدة من قبل أشخاص يمتلكون بعدا أدبيا وخبرة وتجربة ولهم رصيد، وأنا ضد الارتجال والتخرصات ويظل غياب الرموز عن الأندية الأدبية خطأ كبير دون شك.
• بصراحة.. ما هو الشعور الذي لازمك بعد الخروج الأخير؟
الإنسان الذي يعيش في أجوائه الثقافية ثم يخرج منها وهو في أوج عطائه يحس بإحساسي المتعب، ولكنني استفدت من هذا الخروج فالتزمت بالكتابة الأسبوعية ولدي عضويات ركزت فيها وأصبحت أذهب بشكل أكبر لرابطة الأدب الإسلامي التي أرأسها وكانت هناك مساهمات في أنشطة أدبية ومحاضرات وندوات فلم أنقطع.
• هذا يعني أنك لا تؤيد أن يكون سن الستين محطة توقف لأستاذ الجامعة؟
بدون شك.. فأستاذ الجامعة يجب أن يقوم بالتعليم حتى لا يستطيع، لأنه يكتسب خبرة ورفقا بالطلاب ويزيد عنده الحنو عليهم، فعندما يصل إلى هذه المرحلة يقال له روح اقعد في بيتك، هذا أمر غير معقول.
• هل كتبت سيرتك؟
نشرت منها حلقات كثيرة وأنا بصدد كتابتها.
• ومن سيحمل مشعل الأدب في الأسرة من أبنائك؟
اهتمامات أبنائي متفاوتة، فمنصور راح للصيدلة وعبدالله للغة العربية وأحمد للإدارة وفهد للهندسة فتوزعت بهم السبل، لكن الذي يبدو لي أن وليد يقرأ دون إلحاح عليه مع أنه بكالوريوس حاسب آلي، ويشتري كتبا ليست عندي من الروايات العالمية وعندما كتبت مقالين عن المسيري استفدت كثيرا من ملاحظاته وتعليقاته التي كتبها فلاحظت أن لديه توجها انتقائيا، ولعل من الأشياء التي يمكن أن تذكر أنني عندما طلبت من أحد المحامين أن يكتب لي وصيتي أوقفت مكتبتي التي تصل قيمة الكتب فيها إلى أكثر من مليوني ريال لصالح جامعة القصيم لمعرفتي أنه ليس لدى أبنائي استعداد لها، خصوصا أن بها كتبا منتقاة من أمهات الكتب النادرة، وهذا خلاف الإهداءات وتاريخ الأدب السعودي التي يتجاوز عددها أكثر من أربعة آلاف كتاب.
• بعد أن ألقيت سلاحك وكتبت وصيتك.. أين تجد سعادتك بعد التقاعد؟
عندما أنظر إلى القسم الذي أدرس فيه حاليا كأستاذ غير متفرغ فأجد فيه 73 عضوا مابين مصريين وسعوديين وسوريين أربعون منهم من طلابي مابين دكاترة ومحاضرين، أليست هذه سعادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.