ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    7.5 % معدل بطالة السعوديين    افتتح أعمال الملتقى الاقتصادي.. الخريف: تكامل اقتصادي وشراكة مستدامة مع تونس    كامل رئيسا لاتحاد الغرف    مجموعة شرق أفريقيا تؤكد التزامها بوحدة الصومال    بعد مواجهات دامية في اللاذقية وطرطوس.. هدوء حذر يسود الساحل السوري    نتنياهو يسعى لخطة بديلة في غزة.. حماس تثق في قدرة ترمب على إرساء السلام    السودان: عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام    أندية روشن وأوروبا يتنافسون على نجم دفاع ريال مدريد    في الجولة ال 12 من دوري روشن.. النصر ضيفاً على الاتفاق.. والأهلي يستقبل الفيحاء    النصر.. كسرِ الأضلاعِ وضرباتِ الجزاء    «عريس البراجيل» خلف القضبان    أمانة جدة تتلف 4 أطنان من اللحوم الفاسدة    حكاية وراء كل باب    رامز جلال يبدأ تصوير برنامجه لرمضان 2026    تدريب 320 مراقباً في مبادرة «رافد الحرمين»    التقدم الزمني الداخلي    الثقافة تُعيد صياغة التعليم وبناء الإنسان    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    علاج جيني جديد لمرض باركنسون    أنت مسئول عن سلامتك (2)    %69 من مساكن المملكة بلا طفايات للحريق و87% بلا أجهزة إنذار    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    اليوان الرقمي يحفز أسواق العملات الرقمية    محمد إمام يحسم جدل الأجور    نجل مسؤول يقتل والده وينتحر    معارك البيض والدقيق    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    التعاون لوصافة دوري روشن بالفوز على النجمة    انطلاق الجولة ال 14 من دوري يلو الثلاثاء    خطة سلام تحت الاختبار ضمانات أمريكية لأوكرانيا لمدة 15 عاما    رهانات وقف النار على غزة بين اختبار المرحلة الثانية وسيناريو التعثر    أسهم أوروبا تغلق عند ذروة قياسية    جنوب أفريقيا تهزم زيمبابوي وتبلغ دور الستة عشر بأمم أفريقيا    الهلال والنصر يسيطران على الريشة    السعودية وإدارة التحولات الإقليمية    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    أمير المنطقة الشرقية يدشن "المدينة العالمية" في الدمام    رئاسة أمن الدولة تستضيف التمرين التعبوي السادس لقطاعات قوى الأمن الداخلي "وطن 95"    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 10489.65 نقطة    استمرار فعاليات «الممر الثقافي» في مهرجان جازان 2026 وجذب لافت للزوار    الداخلية: غرامات وسجن ومنع من الاستقدام بحق المنشآت المخالِفة لأنظمة الإقامة والعمل    بلدية محافظة بيش تواصل أعمال النظافة اليومية بالكورنيش حفاظًا على الشاطئ وراحة الزوار    رونالدو يستهدف الهدف 1000    الشؤون الدينية تطلق مبادرة "عليكم بسنتي"    "الشؤون الإسلامية" تقيم مسابقة القرآن في الجبل الأسود    فهد بن محمد يكرم مدير «جوازات الخرج»    حتى لا تُختطف القضية الجنوبية.. المملكة ترسم خطوطًا فاصلة في حضرموت والمهرة    227 صقرًا تشارك في 7 أشواط للهواة المحليين بمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025 في يومه الرابع    اختبارات اليوم الدراسي.. تعزيز الانضباط    وكيل إمارة الرياض يستقبل مدير فرع وزارة البيئة    دعوى فسخ نكاح بسبب انشغال الزوج المفرط بلعبة البلوت    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«Hold The Dark».. بين مطرقة الغموض وسندان الرمزية
نشر في عكاظ يوم 03 - 09 - 2020

يبدأ الفيلم بهذه الرسالة التي جاءت بصوت حزين للبطلة: «منذ 3 أيام أخذت الذئاب ابني «بايلي»، حدث هذا مرتين هنا، ويأبى أي أحد من القرية مطاردتها. قرأت كتابك وأعرف أنك فعلت ذلك فيما قبل، وأعرف من أعماقي أنك تستطيع فعلها الآن، لا أتوقع منك إيجاد ابني حيا، وإنما أن تجد الذئب الذي قتله، تعال اقتله وساعدني.. أعرف أنك متعاطف مع هذا الحيوان، أرجوك لا تتعاطف.. سيعود زوجي من الحرب قريبا، ويجب أن يكون لدي شيء لأريه إياه».
هذا المطلع يكفي لنفهم أننا أمام فيلم يصنعه مخرج مبدع وكاتب غارق في الإثارة والغموض، وهي دعوة مسبقة يقذفها المخرج بدقة في وجه الجمهور حتى يقبله دون أن ينقطع عن المشاهدة. وهو بذلك يترك المتتبع أمام حالة من الغموض تحتمل كل النهايات إلا تلك التي سيصدمهم بها الكاتب في آخر القصة. نتحدث عن الكاتب «ماكون بلير» عندما اجتمع للمرة الثالثة مع المخرج «جيرمي سولنير». أما سبب اللقاء فهو الفيلم العالمي «Hold The Dark» أو «امسك الظلام»، الذي نال نجاحا لافتا في نهاية عام 2018 واستمر في اكتساح قاعات العرض حتى عام 2019. الفيلم مقتبس من رواية تحمل العنوان نفسه، وهي للكاتب «وليام جيرالد»، هذا الأخير الذي صب فيها جام غموضه ليأتي «ماكون بلير» ويضاعف الجرعة في الإثارة مع مجموعة من الرسائل التي تترك الفرصة للجمهور حتى يسبر أغوارها إن استطاع إليها سبيلا، خصوصا مع الحبكة واللمسة التي صبغ بها المخرج «جيرمي سولنير» أغلب مشاهد الفيلم، مع التقمص الرائع لكل من جيفري رايت، ألكسندر سكار سجارد وجيمس ديل وريلي كيو.
قصة بطعم الإثارة
إذا لم تشاهد الفيلم، فما عليك إلا أن تتخيل امرأة شابة وجميلة تعيش مع طفلها في جزيرة ألاسكا، وبعد ذلك استمتع بتخيل أجمل البدايات والنهايات لقصة وسط الجليد محشوة بحس أنثوي بارد، إنها «رايلي كيو» في دور «ميدورا»، التي ستبقى وحيدة رفقة طفلها الصغير بعد أن رحل الزوج «فيرن» للمشاركة مع القوات الأمريكية في حرب أغلب الظن من خلال اللقطات أنها في العراق. فيما يبدأ الفيلم برسالة صوتية تقرأها «ميدورا» وهي تشكو حزنها على فقدان طفلها الذي أخذته الذئاب، وهي الرسالة التي أوردتها في البداية، لتدعو من خلالها خبيرا في سلوكيات الذئاب والمخلوقات البرية بغية اصطياد الذئب وقتله قبل مجيء الزوج، ليكون هذا الخبير هو «جيفري رايت» في دور السيد «كور»، الذي لبى الدعوة رغم عدم اقتناعه بأن مبدأ الانتقام يمكن تطبيقه بهذه البساطة في الحياة الطبيعية الحافلة بقوانين تختلف عن القوانين البشرية، وهو الأمر الذي أثبته الكاتب في أول حوار بين الطرفين عندما قال: لا يسمح النظام الطبيعي بالانتقام.. لكن على ما يبدو فنظام تناظر الأجساد وتلاحمها يسمح بأفظع الجرائم، فبعد أول ليلة يقضيها في حضن الساحرة، استقل سلاحه في الصباح الباكر قاصدا البراري للبحث عن الذئب المتهم بعملية الفتك بصبي صغير يلهو في ثلوج ألاسكا الباردة. هذه الرحلة للبحث عن الذئب، ستكون هي الوحيدة وذلك نزولا عند رغبة كاتب القصة، فعند العودة في جنح الليل سيعثر «كور» مباشرة على جثة الصبي في الطابق الأرضي للمنزل بينما اختفت الأم الشابة.. فتتوالى بعدها الأحداث مع عودة الزوج وعلمه بأن زوجته قامت بقتل ابنه الوحيد، معلنا بذلك انطلاق رحلة جديدة من البحث، هذه المرة عن «ميدورا» المختفية وليست عن الصبي المغدور، وذلك بالتعاون مع الشرطة والخبير «كور» الذي سيلعب دورا كبيرا في تفسير السلوك الشيطاني للزوجة.
عندما تعتقد أنها النهاية
للوهلة الأولى وأنت تنتقل من مشهد قراءة الرسالة بالصوت المؤثر للزوجة إلى المشاهد الموالية، ستعتقد -كأي متتبع يعتقد نفسه بارعا في تقييم الحبكة- أن كاتب السيناريو تسرع في كشف المستور المتعلق بامرأة تلبس عباءة الشيطان، ولعل هذا الأمر يبدأ من اللقاء الأول الذي سيحصل بينها وبين «كور» عندما يحاول إقناعها بأن الانتقام ليس هو الحل الأمثل للخروج من هذا الموقف.. وسيزيد امتعاضك من تسرع الكاتب عندما يفاجئك بعلاقة مريبة بين الزوجة و«كور». هنا ستعتقد أن المخرج أو الكاتب قذف بكل شيء إلى الجمهور وكأنه يطلب من الجميع أن يكتبوا النهاية، ولعل ما سيزيد من حدة هذه الفكرة هو ذلك الحوار الذي سيحصل بين «كور» وسيدة ستعترضه عند خروجه للقيام برحلة البحث عن الذئب، عندما أخبرته أن الزوجة الشابة هي فتاة شر. هذا سيجعلك تسقط في الفخ الذي أراده المخرج والكاتب، وحينها ستشعر بنوع من الرتابة وربما تتساءل: ماذا تبقى بعد هذا الاندفاع نحو إعلان الزوجة الجميلة بأنها القاتلة؟ ألم يكن حريا بالمخرج أن يتركنا نتلذذ براءتها قبل الكشف في النهاية عن الشر الساكن في جسدها؟
براعة المخرج والكاتب تكمن في هذه السقطة الوهمية، فهما معا تعاملا في 3 أعمال سابقة، ويبدو جليا الانسجام بينهما في الأداء، وهو ما يؤكده الكاتب عندما صرح بأنه عندما فكر في كتابة السيناريو فكر في الوقت نفسه في أن «جيرمي» سيكون هو المخرج الذي سيساير خياله في نسج الغموض والإثارة. لذلك، فهذا النزول بالإيقاع يبدو مقصودا، لأنه في جعبة القصة أكثر مما يتوقعه الجمهور من أحداث، وهو ما سيتم طرحه بشكل بطيء نوعا ما لاختبار هدوء المشاهد قبل إغراقه في التفاصيل الحقيقية للقصة الحمالة لعديد من الرسائل، والتي قطعا بدأت مع اكتشاف جثة الصبي وليس قبله كما يعتقد المتفرج من أول وهلة.
رسائل غامضة
كتحليل سريع للأفكار والرسائل، دعونا نبدأ بالكاتب والخبير في حياة الذئاب، هذه الشخصية التي جسدها «جيفري رايت» ببراعة مدهشة تجعلك تبحث عن إطلالته بشغف على طول الفيلم، وقد أعطى لهذه الشخصية الهادئة انسجاما مع الازدواجية التي أرادها لها الكاتب. فبين الشر والخير يأتي هذا الرجل في منطقة عسيرة وهو يناقض نفسه في تصوره لبراءة الطبيعة وما هو متوقع من براءة البشر، وهي علاقة جدلية سيفصل فيها بسرعة عندما يكتشف أن الحزن في عيون الزوجة لم يكن سوى شر مدفون، وهو ما أكدته له جارتها في أول محادثة. أما في ما يخص الزوج، فالرسائل متشابكة، وكذلك هو حال الأفكار، فالكاتب ترك لنا الفرصة لنسعد باستنتاج بسيط ونحن نراقبه في أول ظهور وهو يفرغ رشاشه على مجموعة من المقاتلين، بل كان في قمة القسوة وهو يصر على قتل إنسان غارق وسط النيران بعد انفجار المركبة.. هذا المشهد الذي سيعود الكاتب لينقضه وهو يضعك أمام سلوك نبيل لهذا الرجل عندما قام بإنقاذ فتاة من الاغتصاب بعدما قام بقتل زميله المغتصب. ليأتي بعدها المشهد الذي سيصاب فيه برصاصة في العنق استدعت أن يعيش حالة من الرعب وهو يتخيل سواد الفراق المتوقع مع ابنه الذي تركه وسط الثلوج. الازدواجية عند الخبير في حياة الذئاب ربما كانت هي نفسها عند الزوج المحارب، فإلى جانب الخير هناك الشر، وفي الوسط تقفز الزوجة لتنقلنا إلى عالم من الغموض يجعلك كمشاهد تقف في موقف التبرير حينا، وفي موقف الامتعاض أحيانا متعددة. بل إن الأمر يتطلب منك أن تختبر عدتك للفهم والاستنتاج الذي يريد الكاتب (وكذلك المخرج) من المشاهدين أن يشحذوها بما يكفي قبل أن يبدأوا مشاهدة الفيلم، وذلك بسبب القدر الوفير من الفلسفة الذي تلفك وأنت تشاهد من البداية إلى النهاية.
أسئلة من رحم الرمزية
هل البشر يتدثرون بلباس الذئاب؟ وهذا يعني أن البراءة مفترضة في الإنسان قبل تدنيسها بالشر القادم من عالم آخر، وهو ما تطلعت الزوجة لتشخيصه وهي ترتدي قناع ذئب قبل أن ترتمي في حضن رجل آخر وسط سيل من الحزن والدموع. أم أن الذئاب أكثر براءة ونقاء من الإنسان الذي يمتهن الشر في مواقف متعددة لدرجة أنه لا يتوقع أن هذه المخلوقات البرية سترحمه كما هو لا يرحم الفرائس؟ وهو ما نلمسه في كثير من المشاهد داخل الفيلم، أولها حالة الهلع التي انتابت الخبير «كور» عندما أسقطته الثلوج أمام مجموعة من الذئاب الجائعة التي فاجأته بنبلها بعدما امتنعت عن أذيته على الإطلاق.. ليبقى السؤال الأخير: هل يمكن أن يصبح الإنسان شيطانا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.