يمثل قطاع الإسكان في أي دولة أهمية كبيرة باعتباره أحد الأركان الأساسية التي تمس حياة كل مواطن، كما يشغل اهتمام الدولة دائماً لأسباب اجتماعية واقتصادية وأمنية أيضاً، وهو يمثل أحد التحديات المهمة التي يتعين دمجها بمنظومة التطوير التي تخطط لها الدولة على المديين القريب والبعيد معاً، ويطرد نمو قطاع الإسكان مع الزيادة السكانية في أي دولة، وفي حال عدم تنظيم القطاع على نحو منهجي فإنه ينمو على نحو عشوائي، متسبباً في خلق الكثير من الأزمات التي تتفاقم ويتراكم تأثيرها بمرور الوقت على أكثر من صعيد، ولعل المشكلات التي تتصاعد بسبب عدم تنظيم شؤون ذلك القطاع هي الأكثر خطورة على المستويين الأمني والمجتمعي معاً. لاشك لدينا أن حكومة المملكة لا تألو جهداً في تنظيم وإدارة كل ما يتعلق بهذا القطاع الحيوي، ولعل أحد المنجزات الأخيرة التي تمثلت في إطلاق برنامج إيجار الإلكتروني -والذي يعد شبكة إلكترونية متكاملة تسعى لتنظيم العلاقة الإيجارية بين أطرافها الثلاثة ممثلة في المستأجر والمؤجر والوسيط العقاري- أحد أهم المنجزات التي أسهمت في تيسير التعاملات المالية والقانونية في قطاع التأجير العقاري، والتي أمكن من خلالها تقنين العديد من الإجراءات التي وثقت تلك التعاملات من خلال أداة رقمية متطورة وشاملة. غير أن هناك عدداً من الجوانب الأخرى المهمة التي يمكن إضافتها لتطوير هذا البرنامج والاستفادة منه بشكل أفضل، على سبيل المثال التركيز على البعد الأمني الخاص بتحديد هوية ووضع المستأجرين، فالتثبت من الوضع الأمني والقانوني الخاص بالمستأجرين يسهم في توضيح هويتهم والكشف عن وضعهم القانوني في الدولة، بمعنى هل هم مطلوبون أمنياً أم لا، وبالنسبة لغير السعوديين هل لديهم إقامة نظامية أم لا، وبالتالي فإن ربط قواعد بيانات برنامج توثيق الإيجار بقواعد بيانات بوابة وزارة الداخلية، بهدف الحصول على موافقة فورية أو رفض فوري لطلب الإيجار (مثلما يحدث بالضبط عند تأجير المركبات أو عند نقل ملكيتها) سيعزز من قدرة الدولة على حصر المستأجرين ومتابعة أوضاعهم. غير أنه في اعتقادي أن هناك نقطة في غاية الأهمية يمكن إضافتها لهذه المنصة، وهى توفير خدمة «توثيق العقارات المؤجرة» والتأكد من مدى صلاحيتها للتأجير، فهناك الكثير من العقارات- ولاسيما في المناطق العشوائية- غير صالحة للسكن، ويتم تأجيرها على نحو عشوائي وهي بعشرات الألوف، وبالتالي فتضمين المنصة خدمة إلزامية لتوثيق العقارات والتأكد من مطابقتها للشروط اللازمة لصحة التأجير، سيضمن خضوع تلك العقارات لإدارة الدولة والإشراف عليها، وهو الأمر الذي سيسهم بدون شك في احتواء الكثير من المشكلات الأمنية والاجتماعية المحتملة والناجمة عن خروج هذه العقارات من دائرة الرقابة، ويمكن لضمان تنفيذ ذلك أن تكون منصة توثيق العقارات مرتبطة بالأمانات وبلديات المدن، ويتم من خلالها تسجيل العقارات المتاحة للتأجير بعد فحصها والتأكد من سلامتها، على ألا يتم السماح بتوثيق عقود الإيجارات إلا للعقارات المسجلة في هذه المنصة. أضف إلى ذلك أن تطبيق هذا المقترح سيسهم في حماية صاحب العقار؛ لأنه سيمكنه ومن خلال البوابة الإلكترونية نفسها من الإبلاغ عن عدم دفع المستأجر لقيمة الإيجار المستحقة، وعندها لن يتمكن المستأجر ترك العقار والانتقال لعقار آخر دون قيامه بتسديد كل المبالغ المطلوبة منه أولاً لصاحب العقار، مما سيسهم في القضاء على مشكلة مماطلة الكثير من المستأجرين في دفع قيمة الإيجار لسنوات، ثم التنقل بحرية من عقار لآخر دون تسديد التزاماتهم. قد يبدو لأول وهلة أن هذه العملية تتطلب فترة زمنية طويلة حتى يتم تطبيقها، ولكن كأي مشروع تطويري يمكن تحديد مهلة تمتد لعامين لأصحاب العقارات قبل سريان إلزام هذه الخدمة على الجميع؛ فقد اعتاد المستأجرون القدامى عدم توثيق عقودهم القديمة، لأن عملية التوثيق تتطلب عدداً من الإجراءات الإضافية، ونظراً لأن لكل عقار صكا موثقا، فإنه ينبغي على مالك أي عقار أن يتعاون مع الأمانة التابع لها عقاره لإثبات حالة ووضع عقاره والتأكد من صلاحيته للتأجير، وذلك قبل توثيق عقد الإيجار، وهنا تبرز الأهمية الأمنية والاجتماعية لتوثيق العقار نفسه قبل توثيق عقد الإيجار. من المؤكد أن تطوير هذه المنصة سيسهم في زيادة تنسيق الجهود الحكومية لتقديم خدمات أفضل للمواطنين، ولتعزيز دور الدولة في التخطيط والإشراف والرقابة، كما أنه سيسهم في توفير أكبر قدر ممكن من الخدمات الحكومية وتطبيقها بالطرق الذكية الحديثة، والتي تهدف جميعها للحفاظ على أمن المجتمع وعلى استقراره وعلى ازدهاره وتقدمه، والتحول إلى مجتمع حديث ذكي يجيد الاستفادة من جميع التطبيقات التكنولوجية ومن مخرجات ثورة الاتصالات الأخيرة، ويستخدمها لتسهيل حياته وتطويرها والقضاء على مشكلاته على نحو أفضل وأشمل وأكثر تكاملاً واستدامة. * كاتب سعودي majedgaroub@