بلدية صبيا تواصل أعمال صيانة وتأهيل الأرصفة لتحسين البنية التحتية ورفع مستوى السلامة    انطلاق مواجهات ربع نهائي كأس الاتحاد السعودي لكرة الطائرة غداً في القطيف    محمد بن عبدات يكتب..بعيدًا عن الرياضة حفظ الله بلاد الحرمين من كل حاسد    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم معرضاً للصحة النفسية والأداء الوظيفي تزامنا مع يوم الصحة النفسية العالمي    تحديد موقف سافيتش من مواجهة الهلال والاتفاق    الذهب يوقف مكاسبه القياسية ويتطلع لتحقيق مكاسب أسبوعية ثامنة    الحرف اليدوية تجذب زوار معرض الرياض الدولي للكتاب    إمام الحرم المكي يدعو إلى ترك ما لا يعني المرء وصون اللسان عن الخوض في غير تخصصه    إمام المسجد النبوي يحذر من الإصرار على الذنوب ويدعو إلى دوام التوبة والاستغفار    مفردات من قلب الجنوب 25    الدفاع المدني في غزة يفيد بانسحاب القوات الإسرائيلية من عدة مناطق    مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري يحتفي بيوم المعلم بالشراكة مع إدارة التعليم بالحدود الشمالية    محافظ الطائف يقدم التعازي لأسرة الزهراني    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير إدارة الدفاع المدني بالمحافظة    جمعية القلب السعودية تطلق تطبيق "مُنقذ" وتفتتح مؤتمرها السنوي ال36    كشافة تعليم جازان تشارك في منافسات "رسل السلام للتميز الكشفي" بالطائف    إصدارات "الملوك" توثق مسيرة القيادة السعودية    معرض "الباسقات" في إثراء يحتفي بتاريخ النخلة بوصفها رمزًا عالميًا    ارتفاع أسعار الذهب    نائب وزير الخارجية اليمني يثمن مواقف المملكة الراسخة تجاه بلاده    مركز الملك سلمان للإغاثة يمنح "سلال الغذائية" شهادة الموافقة الأولية للعمل خارج المملكة،    نائب أمير المنطقة الشرقية يقدم التعازي لأسرة الرميح    نتائج مباريات تصفيات كأس العالم 2026    المنتخب السعودي يستأنف تدريباته بعد الانتصار على إندونيسيا    الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    "شؤون الحرمين" تستعرض ابتكاراتها في خدمة ضيوف الرحمن    بدء موسم "الثروي" في منطقة الحدود الشمالية    مراسلة اندبندنت عربية الراحلة مريم أبو دقة تفوز بجائزة بطل حرية الصحافة    روسيا مشتتة بين ضبط أسلحتها النووية وتطوير سو - 57    معرض الجامعات الأمريكية يزور 3 مدن سعودية لتعزيز فرص الدراسة في الولايات المتحدة    مشاريع بلدية العالية ترتقي بالخدمات الترفيهية والبنية التحتية بأكثر من 20 مليون ريال    إغلاق عدد من "اللاونجات" في عسير لمخالفتها الذوق العام    القبض على (8) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (120) كجم "قات"    الأخضر تحت 23 عاماً يواجه كوريا الجنوبية ودياً استعداداً لكأس آسيا    وزير الصحة يتفقد مجموعة من المشاريع الصحية في جازان    كونسيساو يصل جدة ويبدأ تدريب الاتحاد    عروض أدائية تثري فعاليات معرض الرياض للكتاب    أمير منطقة جازان يستقبل وزير الصحة    بدء أعمال الصيانة بجسر طريق الملك فهد تقاطع الشارع العاشر السبت المقبل    الكلية التقنية التطبيقية بالرياض تقيم معرضًا توعويًا بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية    جراحة معقدة لإزالة جسم معدني تعيد البصر لمصاب    السعودية ترحب باتفاق غزة والبدء في تنفيذ مقترح ترمب    أمير منطقة المدينة المنورة يفتتح الملتقى العلمي 25 لأبحاث الحج والعمرة والزيارة    برازيلي يتحدى اللصوص في شوارع لندن    أكد أهمية التكامل الخليجي.. وزير الاتصالات: توجيهات القيادة تمضي بالمملكة نحو تصدير التقنية و«الذكاء»    مبادرات نوعية للأكاديمية المالية    السعودية تدين اقتحام إسرائيليين باحات الأقصى.. ارتفاع قتلى غزة وتحذير من انهيار النظام الصحي    أكد دعم مصر للمفاوضات.. السيسي يدعو ترمب لحضور توقيع اتفاق غزة    مع تصاعد حرب المسيرات بين روسيا وأوكرانيا.. أوروبا تحذر من «نزاع هجين»    توفر 10 آلاف وظيفة.. 9 مليارات استثمارات صناعية جديدة    بعد تسلم المملكة علم الاستضافة رسمياً.. موسم جدة يستضيف بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة الفورمولا1 «جائزة جدة الكبرى 2025»    اكتشاف ارتباط بين اضطراب التوحد وصحة الأمعاء    نوبل تحتفي بنا    الأهالي يعبّرون عن امتنانهم للأستاذ سعيد بن صالح القحطاني: كفيت ووفيت    مكارم الأخلاق.. جوهر الإنسانية المتألقة!    خادم الحرمين يوجه بفتح «مسجد القبلتين» على مدار الساعة    حدثوا أبناءكم وذكروهم    بهدف تطوير ورفع كفاءة منظومة العمل بالعاصمة.. إطلاق برنامج «تحول الرياض البلدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمى سنة 2000.. أساطير نهاية العالم في الخطاب الصحوي
نشر في عكاظ يوم 11 - 11 - 2016

في أوقات التحولات الاجتماعية والاضطرابات السياسية والثورات التقنية، تزدهر الكثير من كتب الأساطير والحكايات الشعبية، وقصص نهاية العالم، وتنبؤات انهيار الكوكب، ويجد المنجمون وقراء الأبراج لبضاعتهم رواجا، ولتخميناتهم إقبالا، ما تلبث أن تخبو هذه الفورة بعد برهة من الزمن، حين يتعايش الناس مع التغيرات الجديدة، وتصبح جزءا طبيعيا من حياتهم.
هذا النمط من الكتب والمؤلفات الذي يعتمد على الغرائب والأساطير والخيال والإثارة والتشويق، والبحث في أعماق المجهول، ومحاولة استكشاف المستقبل، أو التنبؤ بأحداث مرعبة تحيق بالبشرية، أو ترقب تحولات كبرى كارثية ستصيب بني الإنسان، هو نمط قديم، موجود لدى أغلب الأمم والمجتمعات، يعبر في كثير منه عن الحالة المزاجية لذلك المجتمع وطريقة نظرته وتفسيره للكون، والأدوات والمرجعيات الذهنية التي يستخدمها لفهم وتحليل التغيرات التي تحيط به، وقد لا تكون في مضمونها الخرافي الخيالي ذات قيمة علمية بحد ذاتها، ولكنها أداة مهمة لفهم واستيعاب آلية تفكير المجتمع وتحليل تطوره الثقافي والاجتماعي والديني.
تطور هذا الفن من الكتابة والتأليف في ظل التحولات الاجتماعية والتقنية التي أحدثتها الثورة الصناعية، والتقدم الكبير في الصنعة الإعلامية، فأصبح فنيا ترفيهيا بحد ذاته، له جمهوره وعشاقه وأتباعه، مثل ما نشاهد اليوم من سلسلة الكتب والأفلام القديمة المتجددة حول (حروب الفضاء)، و(الزومبي)، و(مصاصي الدماء) وحروب الفيروسات، وتمرد التقنية، وفوضى القنابل النووية، وأسرار القوى الخفية والجماعات السرية التي تسيطر على العالم، وغيرها من القصص التي يكون بعضها ذا أصل خيالي محض، والبعض الآخر يحمل جزءا بسيطا من الحقيقة. هذه المنتجات تجد لها رواجا وانتشارا لأنها تقوم في أصلها على البعد التجاري القائم على فن الإثارة والغموض، وقد تتصدر في بعض الأحيان الكتب الأكثر مبيعاً، وفي حالات من المبالغة والتضخم نشاهد جماعات صغيرة في أوروبا وأمريكا نتيجة للضخ الإعلامي والسينمائي المستمر بدأت تؤمن بشكل جازم بهذه الأساطير، وتبدأ في إعداد العدة لهجوم الزومبي، أو لحظة انهيار الكوكب، فأصبحت تخطط من الآن لبناء الملاجئ والمناطق الآمنة لأتباعها من المهووسين بالغرائب حتى يكونوا في مأمن حين تحين لحظة «الرعب» تلك.
هذا الأمر يبقى في سياقه الطبيعي ما دام ضمن نطاق الأساطير الشعبية التي تغذي حركة الفن والأدب والمسرح والسينما، لكن تبدأ المشكلة، ويحدث التشوش والارتباك حين تصبح هذه الخيالات مادة تستقى منها الأدلة والشواهد لتحديد مواقف فكرية واتجاهات عقائدية سياسية، وتخلط مع نصوص دينية إنجيلية وتوراتية، وموروثات ثقافية في عجينة واحدة ملتبسة ينسج منها الباحث موقفا مؤججا مندفعا يرسم من خلاله نظرته الراهنة للتحولات المستقبلية وكيفية علاقته مع العالم من حوله. فيقدم رؤية جازمة تقوم في أصلها على أساس علمي هش، ما يلبث أن يتهاوى بعد فترة يسيرة من الزمن.
من أمثلة ذلك، انزلاق الخطاب الصحوي الإسلامي في بداياته منذ مطلع الثمانينات مع هذه الموجة، قبل عصر الفضاء والمعلومات والإنترنت، ونظرا لصعوبة الحصول على الصحف العالمية، أصبحت قصاصات الصحافة الصفراء الغربية، وكتب الأساطير والإثارة تستخدم في ثنايا هذا الخطاب كشواهد وأدلة على التغيرات الكبرى التي ستحدث في الكون بمؤامرة غربية، تحت قيادة قوى خفية من الجماعات الماسونية التي تعد العدة لحرب عالمية أو تهيئ نفسها لكوارث مرعبة ستحدث قريبا.
أتذكر حين كنت صغيرا، طالعت كتابا في هذا الصدد، كان عنوانه يحمل النذير ويدعو إلى الهبة والاستعداد لمواجهة الحرب العالمية القادمة التي سنكون نحن «المسلمين» أول وقودها، والسبب هو اقتراب البشرية من عام خطير، وهو عام 2000، فدخولنا إلى الألفية الثالثة يحمل الكثير من الدلالات والمؤشرات الكبرى في الثقافة الغربية على أنها ستكون اللحظة الفاصلة لقيام الحرب الكبرى بين الحق والباطل، فقد دقت ساعة الصفر، وقامت أمارات معركة «هرمجدون» كما يقول المؤلف.
الكتاب كان بعنوان (حمى سنة 2000.. نظرات جديدة في مسيرة الصراع الديني ضد المسلمين) لمؤلفه عبدالعزيز مصطفى كامل، صدر عن مؤسسة المنتدى الإسلامي بلندن، التي تشرف على مجلة البيان الإسلامية. والمؤلف كان محاضرا في قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود، وعضوا في هيئة تحرير مجلة البيان، وهو باحث مصري لمؤلفاته حظوة واعتبار لدى التيار الصحوي، السروري تحديداً في السعودية.
نشر الكتاب في يوليو عام 1999، يحمل على غلافه مجموعة من الرموز الدلالية منها خريطة الشرق الأوسط، والشبكة العنكبوتية، وهيكل سليمان، والصليب، والشمعدان اليهودي.
المؤلف في مقدمة كتابه يتوقع أن تحدث في مطلع عام 2000 حرب كبرى بين أصحاب الديانات الثلاث (اليهودية، والنصرانية، والإسلام)، حيث يقول: «عام ألفين سيفصل بين قرنين أو قل عصرين، عصر كان يمثل مرحلة المخاض، وعصر تتطلع فيه الأمم إلى الميلاد، فاليهود يرون في العصر القادم عصر العلو الكبير، والسيطرة الكبيرة، والعودة الجماعية لأرض الميعاد، والنصارى يرون فيه عصر الخلاص العالمي، والتعميد الأممي الذي سيعود بعودة المسيح إلى الأرض. أما المسلمون فالمتوقع أن تتحرك حميتهم الدينية الجماعية عندما يسمعون دق طبول الحرب على أبوابهم، تخالطها أبواق اليهود وأجراس النصارى، حينها سيجتمعون حول صيحات التكبير ويفقهون كلمات الشهادة».
على الرغم من أن المؤلف يتجنب الجزم كثيرا، ويؤكد أن ما يورده من شواهد هي توقعات حدوثها ليس بالحتمي، إلا أنه يعيب على أولئك الذين لا يعون أو يكترثون لهذا الخطر القادم، «فقد أظهرت أعراض حمى سنة 2000 الأبعاد الروحية والدينية التي تقبع خلف السياسات التي يظن الناس أنها بلا خلفيات، ونتوقع أن تزداد حدة الصراع كلما توغلت عقارب الساعة داخل الألفية الثالثة».
وفي أحد فصول الكتاب الذي جاء بعنوان (الألفية الثالثة وهواجس الحرب العالمية الثالثة) يتساءل المؤلف: «هل أصبحنا نعيش الأيام الأخيرة، أيام ما قبل النهاية.. إن العتاة الغلاة من طوائف النصارى يعتقدون بجزم ويعملون بحزم لهذه الأيام الأخيرة التي يربطونها بقدوم الألفية الثالثة، حيث يتوقعون أن تبدأ فيها نهاية أيام (العامة) لتأتي بعدها أيام (الخاصة) أتباع المسيح المخلص». في سياق تحليله وتوقعاته لقيام حرب عالمية ثالثة مع دخول عام 2000 استشهد المؤلف على ذلك بصدور عدد من الكتب الغربية في السنوات الأخيرة، وبيع منها ملايين النسخ، مثل كتاب (دراما نهاية الزمن) لمؤلفه أو ترال لوبرتس، وكتاب (الكرة الأرضية ذلك الراحل العظيم) من تأليف هال لندسي، وغيرها من الكتب التي تنتمي لفئة الإثارة التجارية والتشويق.
عبدالعزيز كامل تطرق في كتابه إلى تفاصيل كثيرة حول تحضيرات قيام (إسرائيل الكبرى)، والمؤشرات القوية على قيام حرب سابعة بين العرب وإسرائيل، و«ويرجح أن يكون ذلك في السنوات الأولى للألفية الثالثة»، وفصول أخرى حول «مسيح النصارى العائد»، و«ملك اليهود المنتظر»، وأسطورة البقرة الحمراء التي تطهر الإسرائيليين وتعلن بداية سيطرتهم على العالم، وغيرها، كما حشى الكتاب بعدد كبير من النصوص التوراتية، متذرعا مرة بالموقف من الإسرائيليات «لا تصدقوهم، ولا تكذبوهم»، وأنها قد تكون من البقايا الصحيحة من نصوص أهل الكتاب، ومرة يصفها بالخرافات والأساطير الباطلة التي اخترعها اليهود والنصارى لتنفيذ سيطرتهم وتحقيق مصالحهم السياسية، ويكتمل ارتباك الموقف حين يقول في خلاصة كتابه: «بأن ما تم إيراده من معلومات عن الأحلام والأوهام الألفية المستقبلية لأهل الكتاب، ليس إلا مجرد رصد لظواهر لا يعني بالضرورة تصديقها أو الموافقة عليها»، لكنه لا يلبث بعد صفحة من هذا الكلام أن يوجه هجومه نحو «أولئك العلمانيين» الذين سيستخفون بهذه المؤشرات، و«يبرهنون على شدة الغباء في التعامل مع الظروف المصيرية التي تتعرض لها الأمة، فغالب الظن أن نصيبهم من التفاعل مع تداعيات الألفية الثالثة هو الالتهاء بالمشاركة في مظاهرها الاحتفالية الشركية».
لم ينس المؤلف أن يفرد فصلا خاصا حول مشكلة عام 2000 الشهيرة التي تخص النظام الرقمي الخاص بأجهزة الحاسوب، حيث أشيع حينها أن الأنظمة الإلكترونية مصممة على استخدام الرقمين الأخيرين كدلالة على السنة، وحين تأتي سنة 2000، سيكون رقم السنة هو (00)، وستقع مشكلة كبيرة بسبب عدم تفرقة الأجهزة بين عامي 2000 أو 1900، وقد تعود إلى الوراء وتحدث أزمة كبرى تسبب في وقوع كوارث في الأنظمة البنكية وحركة الطيران، والأسلحة والمعدات، وانقطاع المواصلات والكهرباء ومراكز المال. يعلق المؤلف على هذه الشائعة، فيؤكد بأنها مشكلة تقنية ليست ذات بعد عقائدي، «لكن للمتعصبين النصارى في أدبياتهم المعلنة مقولات تدل على أن المسيح المنتظر لن يأتي إلا بعد فترة من الأزمات المتواصلة، والكوارث المتتابعة والانهيار الاقتصادي»!
على كل حال، احتفل الناس في الأول من يناير بدخول عام 2000، ومرت الليلة الأولى بهدوء وسلام، لم تسقط الطائرات، ولم تتصادم القطارات، ولم تنطلق الصواريخ النووية، أو تنهار البنوك. وربما كانت مشكلة عام 2000 التقنية هي مجرد بروباغاندا إعلامية سعت الشركات الكبرى في ترويجها لتحفيز الناس على تغيير أجهزتهم لشراء أجهزة جديدة تتوافق مع التاريخ الجديد حتى تحقق بذلك أرباحا خيالية ضخمة، ومثل هذه الدعايات المضللة تحدث كثيرا بشكل دوري وقد تقف وراءها شركات منتفعة في مجالات التقنية والأدوية والأسلحة وغيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.