جامعا "ابن سعدون" و"الحنفي" قلعتان في سماء مدينة الأندلسيين. جازان نيوز - الجزائر : محفوظ . شخمان :: يحكي التاريخ على لسان رواته بمدينة الزهر و الورد "البليدة" أن نقاشا لطيفا دار بين تاجر معروف بالبلدة و زوجته قبل زمن العثمانيين ، اذ قالت الزوجة في احترام شديد وأدب خالص : هل فكرت في مصيري بعد رحيلك ؟ من سيعيلني ويهتم بامري ، فأنت تعلم انا الله لم يرزقنا الولد و لا أهل لي من بعدك ، تحير الزوج وهو الشيخ المتقدم في السن وأصبح يفكر ليل نهار ، كيف سيترك زوجته من بعده وهي الشابة التي آنسته في وحدته وسهرت لخدمته في الأيام الخوالي ،واهتدى بعد تفكير وحيلة زوج بعد ان فكر ودبر في كيفية تمكن رفيقة دربه ان تسعد من بعده ولا تشقى فالزمن يتبدل و طبع البشر لا يؤتمن ، وقرر في مطلب من زوجته ان تقرضه حليها لزمن سيعيده إليها في أمد ، وذهب التاجر الوفي ونادى في البنائين وأعلن عن نيته في بناء مسجد جامع تلتف من حوله دكاكين يؤجرها لتجار المدينة وتكون زوجته القائم بعده عليها ، ورحل الزوج الكريم بعد ان أعاد مصوغات زوجه فيما قالت بعض الروايات انه خبأها لها داخل احد أعمدة المسجد تحسبا لمقالب واسر لها بذلك، و مر الوقت وتعاقبت الايام وتغير وجه المدينة وجاءت اجيال بعد اجيال وتوفي زوجة التاجر ،لكن المسجد و حوانيته بقوا الى يومنا شهودا، حيث حمل المسجد اسم صاحب فكرة بنائه واضحى معروفا الى يومنا بجامع ابن سعدون نسبة لذلك التاجر الفاضل و الزوج الوفي . روايات تقول بان تاريخ بنائه يرجع الى القرن ال 15 ميلادي تباينت الروايات المتداولة بين أبناء مدينة الورود حول تاريخ بناء مسجد ابن سعدون ، فالبعض يرجع تاريخه الى القرن 15 ميلادي ، بينما يقول البعض الآخر بان زمن بنائه يعود الى عهد التواجد التركي وتحديدا الى القرن ال16 ميلادي ، ولكن لا يختلف اثنان حول حقيقة بنائه والتي يقر فيها الجميع بان تاجرا يكنى "بان سعدون بن محمد بن بابا علي "هو من استثمر في تشييد هذا المسجد الروحي . مسجد ابن سعدون يتوسط الحي العتيق بالبليدة حيث يحده شارع الكراغلة غربا وشارع عبدالله جنوبا المعروف بنشاطه التجاري الحيوي اليوم ومن الشمال شارع "مقطع لكواب" يتربع على مساحة إجمالية تقارب ال 260 مترا مربعا ،وللمسجد 03 مداخل تؤدي الى قاعة صلاة شبه مربعة تتخللها 05 صفوف من الأعمدة الحلزونية ذات "تجان" تشبه تلك المستعملة بقلعة بني حماد و الجامع الكبير بقسنطينة ، اما عن السقف فتنتشر عقود وهي من النوع الشائع في فن العمارة الإسلامية بالجزائر ، وللمسجد محراب يتوسط قاعة الصلاة ذات نواة مركزية مربعة تعلوه من الداخل " قبيبة" مكسوة بالزليج كما تحيط به اطر خزفية تتخللها فتحات للتهوئة و مرور الضوء، وترتفع وسط هذا البناء العتيق مئذنة حيث ما تزال محافظة على نمطها الأول عند بنائها و تصنف باعرق المآذن بالبليدة وهي تماثل مئذنة مسجد "الثعالبي" بالجزائر العاصمة . مسجد ابن سعدون ما يزال يقصده مئات المصلين من أهل مدينة البليدة ، يتميز بجو روحاني لطيف ، زواره يجدون فيه راحة نفسية تبعث الاطمئنان في الوجدان و تطرب القلب بسكينة عجيبة ، بساطة هندسته العمرانية وتموقعه وسط أحياء شعبية عتيقة أعطاه صبغة خاصة ، كما ان مساحته المتواضعة وارتفاعه القليل وتداول الناس فكرة بنائه الرومانسية والعاطفية من جهة و الخيرية من جهة أخرى أضافت جمعيها بهجة في القلب و تعظيما للمكان في قدسيته كمكان للتعبد و معلما تاريخيا يعتز به أهل البليدة في مرجعية النسب ، و المسجد اليوم ومنذ زمن فان مداخيله من ريع الحوانيت المحيطة هي وقف ديني تنفق في امور الخير ، وقد توارث اهل المدينة التذاكر بقراءة قبل و دبر كل صلاة عصر ما تيسر من كلام الله المدون في كتابه الكريم ، ويصنف مسجد ابن سعدون إلى جانب مساجد" سيد احمد الكبير" وبابا محمد" و الحنفي " ، وهذا الأخير يمثل بدوره جوهرة ثانية وقلعة أضاءت وتضيء سماء مدينة الورود الى يومنا هذا ، فهو في موقعه غير بعيد عن المسجد الأول إلا بأمتار معدودة، تقول الأخبار انه بني زمن العثمانيين في العام 1750 ميلادي ، تتميز واجهة المسجد الرئيسية بالبساطة وبعذوبة التصميم حيث أعطت صبغة جمالية فنية متميزة رغم البساطة التي يتسم بها ، تتموضع درجات ست عند مدخله توصل المصلين الى أبواب خشبية ثلاث تغطيها سقيفة من الخشب أيضا ، وفوق المدخل الأوسط علقت لوحة رخامية ذكر فيها بالخط العثماني في اسطر قليلة أعمال "الداي حسين باشا"، وتمثل المئذنة عنصرا معماريا فنيا ما تزال تحافظ من خلاله على الفن المعماري العثماني ، مثمنة الأضلع تقوم على قاعدة مربعة ، وتعلو سطح المسجد قبتان واحدة ترتفع فوق المحراب – تم تجديدها بعد تعرضها في زلزال 1825- والثانية فوق الميضاء ، و الملاحظ ان مسجد الحنفي يعد من المساجد " الأناضولية " المحضة يوجد في حالة جيدة خاصة بعد الترميم الذي تعرض له مؤخرا ، وما يزال يقصده عشرات المئات من المصلين و لا يختلف عن سابقه في الجو الروحي الذي يميزه ، وتجدر الإشارة إلى ان المساجد العتيقة في البليدة افتقدت الى كثير من خصائصها الهندسية الأولى جراء الترميمات التي أدخلت عليها من جانب وكذلك بسبب تعرضها لزلزال 1825 الذي أتى على أجزاء هامة منها ، الا انه وبالرغم من ذلك فان مسجد ابن سعدون ومسجد الحنفي يضلان جوهرتان لقلعتان ترتفع فوق سماء مدينة الورود ومعالم تاريخية تروي انه كان في زمن غابر أشخاص كان لهم الفضل في جمع أعداد هامة من العباد الذين ما يزالون يذكرون الله 05 مرات في اليوم ويرتفع في فضاء محيط المسجدين التكبير والتهليل خاصة عندما تزداد حسنا وزينة كل شهر رمضان و أشهر الأخرى .