مكة أون لاين - السعودية يقول المختصون في علم المال والاقتصاد دع الأرقام تتحدث، فهي لا تكذب ولا تتجمل، والأقرب إلى الصواب دائما، وما دون ذلك زبد يذهب جفاء، ولغة الأرقام حمالة أوجه، إذا تحدثت عن المنجزات فستكفيك هم إقناع الآخرين، وإن تحدثت عن ضعف الإنجازات فتحت عليك سياط النقد. وفي المملكة، لا يزال حديث الأرقام حول النجاح والإنجازات المتحققة في جوانب عدة يتفوق على لغة الضعف والفشل، وفي جوانب أخرى مثل قضايا البطالة والإسكان، وهدر الطاقة، والفساد لا يزال الضعف في الإنجاز ظاهرا للعيان. ولأننا ننشد الكمال دائما، أو الاقتراب منه في أقل الأحوال، ونحن أهل لذلك بما نملك من مقدرات وموارد بشرية وطبيعية ومالية، لذلك تكون لغة النقد أكثر وضوحا في مقالاتنا من لغة المديح والثناء، وهو شعور طبيعي يحركه إحساس المواطن الغيور على وطن يتمنى أن يكون في مصاف الدول المتقدمة في شتى المجالات. لذلك كان حديث الأرقام الذي حملته تقديرات البنك الدولي حول حجم اقتصاد الظل (الخفي) مزعجا جدا، لا يمكن المرور عليه دون التوقف عنده طويلا، والاقتصاد الخفي أو اقتصاد الظل أو الاقتصاد الموازي (لمن لا يعرفه) يشمل كافة الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو المؤسسات ولا يتم حصرها بشكل رسمي ولا تعلم الحكومات عن قيمتها الفعلية، وبالتالي لا تدخل في حسابات الدخل القومي، ولا تخضع لأي نظام رسمي أو ضريبي. تقرير البنك الدولي تحدث عن نسبة نمو كبيرة في اقتصاد الظل في المملكة بنحو 66% خلال الفترة ( 2008 -2014)، فحجم الاقتصاد الخفي، وفقا لتقديرات البنك، نما خلال عام 2014 الماضي ليصل نحو 549 مليار ريال (146.3 مليار دولار)، أي ما يقارب خُمس إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 530 مليار ريال (141.3 مليار دولار) خلال العام 2013، و364 مليار ريال (92.2 مليار دولار) خلال عام 2008 . وهذه الأرقام مرشحة للزيادة في المستقبل، وناقوس خطر في ظل وجود أكثر من 10 ملايين عامل وافد، يشكلون ثلث سكان المملكة البالغ عددهم بنهاية عام 2014، نحو 30.8 مليون نسمة، وفقا لآخر تقديرات لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية. وكي تكتمل الصورة، فإن تحويلات العمالة الأجنبية في عام 2014 تجاوزت 154 مليار ريال (41 مليار دولار)، بزيادة بلغت 22 مليار ريال (6 مليارات دولار) عن حجمها في عام 2013 والبالغ نحو 131 مليار ريال ( 35 مليار دولار)، هذه الأموال تخرج من عجلة الاقتصاد لنحو 127 دولة دون أي أثر ملموس أو قيمة مضافة للاقتصاد السعودي. وارتفاع حجم تحويلات الأجانب كظاهرة سلبية بدأت منذ عام 2008، عندما بلغ حجم التحويلات نحو 78.5 مليار ريال (20.9 مليار دولار)، مقابل مجموع أجور سنوية للعمالة الأجنبية لا يتجاوز 66.2 مليار ريال (17.6 مليار دولار )، أي بزيادة بلغتْ نحو 19% عن الأجور، وفي عام 2014 وصلت تقديرات أجور العمالة الأجنبية لنحو 123.4 مليار ريال (32.9 مليار دولار)، مقابل تحويلات سنوية بلغت 154.2 مليار ريال (41 مليار دولار )، أي بزيادة تتجاوز 25%. هذا التباين بين حجم التحويلات وتقديرات أجور العمالة الأجانب في السعودية والذي يقدر بنحو 32 مليار ريال (8.5 مليارات دولار)، لا يشكل إلا نسبة ضئيلة جدا من حجم اقتصاد الظل البالغ نحو 549 مليار ريال ( 146.3 مليار دولار)، ويعني ذلك أن هناك مليارات الريالات الناتجة من استثمارات اقتصاد الظل لا تمر عبر القنوات النظامية لتحويل الأموال، وأن آلية التحويلات في السوق السعودية مفتوحة وبلا رقابة، وأن أنظمة مراقبة التحويلات الخارجية التي تمنع تحويل العامل الأجنبي لمبالغ تفوق دخله الشهري، ومساءلته من أين حصل عليها لم يتم تفعيلها، وعلاوة على أن ذلك يعطي دلالة بعدم وجود أثر فعلي لمراقبة أجور العمالة ومكافحة التستر التجاري حتى الآن. خلاصة القول: إن اقتصاد الظل، وحجم تحويلات العمالة الأجنبية ناقوس خطر، يستدعي تكاتف الجميع بدون استثناء لمكافحة مكونات الاقتصاد الخفي.