الوطن - السعودية "من تابع ردود الأفعال العربية على صفقة شراء فيسبوك ب19 مليارا، حتماً قد وجد "غصة" اعترت كثيرين حتى جعلتهم يتساءلون في حسرة: لماذا لا يوجد تطبيق عربي تقني ينافس التطبيقات العالمية؟" "واتس أب، تويتر، فيسبوك، كييك، إنستجرام، يوتيوب، لينكدإن"، ألعاب مثل Angry Bird وCandy Crush، إنها الفِكرة هي أساس كل تطبيق تقني، كل هذه الألعاب ومواقع التواصل والبرمجيات التي باتت تدر على أصحابها الملايين وتُؤمِن آلاف الوظائف وتسهم في رفع سمعة واقتصاد أوطانها بدأت كأفكار راودت شباباً غضًّا وبعضهم طلبة في المراحل الدراسية. أفكارهم تلك ما خرجت إلى النور إلا لأنها وجدت بيئة تشجع وتحتضن وتجيد استثمار الفكرة وتنميتها وتضخيمها إلى أن تتحول لصناعة تؤمن الوظائف وتدر الأرباح التي تفوق ميزانيات كثير من الدول العربية. وإن السر ليس في العقول التي راودتها تلك الأفكار إنما في البيئة التي تعطي قيمة للعقول، وإلا فالأمر لا يتطلب قدرات خارقة ولا إمكانات مهولة أو موارد ضخمة، لا يتطلب عبقرية فذة حتى تخرج الفِكرة إلى أرض الواقع، كل ما يتطلبه الأمر هو بيئة تجيد استثمار الفكرة. لكن كيف بالبيئة العربية أن تستثمر في الأفكار وهي حبيسة أفكار معدة مسبقاً لوأد كل بنات الأفكار؟، جشع وطمع يملآن الأجواء، هوس غير مبرر بالمراقبة والوصاية خوفاً على الأمن والفضيلة، تشكيك في النوايا وتحطيم للأحلام، واضح بأن الخلل في البيئة العربية ليس بشريا أو ماديا ولا نقصا في الموارد والإمكانات، إنه خلل نفسي ثقافي يربط العرب في أماكنهم، مانعاً إياهم من التقدم والتطور خطوة واحدة للأمام، خلل يجعل الخوف هنا سيد الموقف، الكبير يخاف أن يكبر الصغير إذا فكر، والصغير يخاف أن يفكر حتى لا يسجن. ولو أردنا فهم طبيعة البيئة العربية، لو أردنا معرفة السبب في عدم وجود تطبيق تقني ينافس التطبيقات والبرمجيات العالمية فلا بد وأن نفترض بأن شاباً عربياً خطرت في باله فكرة تنفيذ تطبيق يشبه تطبيق "تويتر"، ولنفترض بأن فكرته سبقت فكرة "جاك دورسي" مخترع تويتر، ثم لنفترض أنه وبعد كثير من الاستجداءات وتعبئة الأوراق والرشاوى حصل على تمويل لمشروعه، أخيراً لنفترض أن مشروعه "تويتر العربي" بدأ العمل فعلاً وبدأ المستخدمون في التعامل معه مما يعني تحقيق الأرباح لصاحبه، فما الذي سيحدث؟. إن الأمر يتخطى مسألة عدم وجود تطبيق تقني عربي ينافس "تويتر، فيسبوك، يوتيوب... إلخ" إلى عدم وجود بيئة تتقبل أي فِكرة خارج المألوف، مع العلم أن كل فكرة جديدة هنا خروج عن المألوف!. إنه قرار سياسي أولاً وأخيراً، قرار سياسي أن تبقى الضبابية قيد التطبيق، ساسة أحياء أموات يشجعون الأدب والشعر والطرب الأصيل في عصر التقنية والسرعة وسبر الفضاء، يقدمون قصائد المدح والغزل على العلم والتقنية. فهل هنالك سر في العرب يجعلهم يتفاخرون بكونهم أعلى الدول استهلاكا للتقنية في العالم؟!، هل هي دول نامية أم نائمة؟، كثير من الدول حولنا "الهند، ماليزيا، البرازيل، جنوب أفريقيا، الكونغو" تجاوزت مشاكلها وهيأت بيئاتها لاستثمار الفكرة بالتالي تقليص المسافة بينها وبين دول العالم الأول، الهند كمثال حين أجادت استثمار الفكرة راحت تحقق دخلا سنويا يفوق الخمسين مليارا وآلاف الوظائف لمواطنيها، بالإضافة إلى وجود شخص هندي أو أكثر في معظم شركات التقنية العالمية، بينما العرب يخسرون أضعاف هذا المبلغ خوفاً على منظومة قيمهم وأخلاقهم من التغيير، وليتها منظومة تستحق التقدير!. إن من تابع ردود الأفعال العربية على صفقة شراء فيسبوك لتطبيق الواتس أب ب19 مليارا، حتماً قد وجد "غصة" اعترت كثيرين حتى جعلتهم يتساءلون في حسرة: لماذا لا يوجد تطبيق عربي تقني ينافس التطبيقات العالمية؟، والحقيقة ليس هنالك جواب محدد عن هذا السؤال. جشع وطمع، هوس بالوصاية والتشكيك في النوايا. جنون يعامل الجميع على أنهم صِغار لا بد من توجيههم على الدوام. موظفون تقليديون في كل دائرة ومؤسسة لا يزالون ينظرون إلى عالم التقنية أنه ألعاب أطفال، ديناصورات تتحرك ببطء في عصر السرعة. رؤوس أموال تبحث عن الربح بعيداً عن وجع الرأس "عقار، مستوصف، مطعم، حلاقة... إلخ". رجال أعمال لا يرون جدوى من استثمار أموالهم في صناعة الطائرات والسيارات والهواتف الذكية، فهل سيُقنِعهم برنامج محادثة بالاستثمار، إنهم وإن أرادوا استثمار أموالهم في مجال تقني فلا بد وأن يكون مختصا بمراقبة موظفيهم أو إدارة أملاكهم. الحقيقة أن المرء سيعجز إن أراد أن يصل لأصل الداء، فمسألة ابتكار تطبيق تقني عربي ينافس التطبيقات العالمية ليس بالأمر الجلل ولا يتطلب مصانع أو شركات ضخمة ولا مبالغ مهولة، لكنه التخلف لمجرد الرغبة في التخلف!