عبدالله آل ملحم - اليوم السعودية بعض الموظفين يتعامل مع رؤسائه في العمل بخضوع وانكسار، تماما كما تُعاملُ الزوجةُ المُطيعةُ زوجها الذي تراه جنتها ونارها، ولكن من قال إن الله أمر المرؤوسين بالسجود لرؤسائهم، الطاعة في الواجبات الوظيفية مطلوبة، لكن انسحاق شخصية المرؤوس وتلاشيها أمام سعادة المدير غير مطلوب أبدا، وأيا كانت وظيفته فليس هناك نظام من أي نوع يوجب عليه أن يكون أداة تحبيذ وتأكيد وتكريس لرغبات وأهواء وتوجهات سعادة المدير أيا كانت، بحيث لا يحب إلا ما يحب سعادته ولا يكره إلا ما يكره ؟! بعض المُنسحقين يستميت لإرضاء رئيسه حتى يغدو ولاؤه وبراؤه تبعا لما يجيء به، وهذه ولا ريب عبودية لا تمت إلى الطاعة بصلة، أحدهم رأى زميلا له بعد طول غيبة، وكانا فيما مضى يلتقيان ويتصافحان بحرارة، فلما التقى عبدالمدير صاحبه صافحه ببرود، ولم يحيه كما كان يفعل من قبل، فذهل زميله لانجفاله عنه، ولم يجد لذلك سببا إلا علمه بخلافه مع سيده، فظن المسكين أن من مقتضيات الولاء الوظيفي لمديره أن يجفو زميله، وأن يظهر عدم الاكتراث به، خشية أن ترصده رادارات الوشاية والنميمة فتنم عليه! تُرى من المسئول عن تكريس هذا النوع من الرق الجديد، من الذي دجن به ثقافتنا الإدارية، أتسلط المديرين المُستبدين أم جُبن المرؤوسين الضعفاء مسلوبي الإرادة والكرامة المروضين على الإهانة؟! ظن المسكين أن من مقتضيات الولاء الوظيفي لمديره أن يجفو زميله، وأن يظهر عدم الاكتراث به، خشية أن ترصده رادارات الوشاية والنميمة فتنم عليه! أنظمة الخدمة المُنظمة لعمل موظفي الحكومة وكذا نظام العمل المُنظم لعمل موظفي الشركات والقطاع الخاص ليس فيها ما يدعو الموظف إلى هذا النوع من الخضوع المتماهي مع ما يشبه الولاء، لأن الخضوع المطلق فساد مطلق، لعل أقل نتائجه تنفيذ المرؤوس لأوامر رؤسائه المخالفة للنظام، ولتلك التي تقود لتمرير الفساد بذريعة الحجة الواهية التي تجري على الألسن بلا وعي واستشعار لمقدار المهانة التي تحملها وأحدهم يبرر بها مخالفته بقوله: «أنا عبد مأمور»! هذه العبارة قانونا لا تخلي ساحة المؤتمر بها من المسئولية، ولا تسقط عنه العقوبة حتى لو استغفل بها، لأنه في الغالب لا ينفذ واجبات عبوديته الافتراضية إلا بثمن، وبالمطلق لا يمكن نفي وجود سذج يمكن إيهامهم بأن كل ما يطلبه المدير هو من واجباتهم الوظيفية، لذا يفترض قبل إلحاق أي موظف جديد بمهام عمله إلحاقه بدورة قصيرة يُبصر فيها بحقوقه وواجباته، حتى لا يخدع غافل، ولئلا يدعي الجهل متجاهل.!