يشكل الأمر الملكي الأخير، بشأن تعيين محمد بن عبدالله الشريف، رئيسا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمرتبة وزير، تدعيما لاستراتيجية مكافحة الفساد، مثلما يشكل قرار إحداث عدد من الوظائف الرقابية في وزارة التجارة وبعض المؤسسات الرقابية، دعما إضافيا لمنظومة المراقبة الحكومية في المملكة، لمواجهة آفة الفساد، التي تعد ظاهرة تمس كافة المجتمعات، وتضرب معظم الاقتصادات. ولكن مشروع مكافحة الفساد، بحاجة أيضا إلى إقرار حزمة من الأنظمة المصاحبة، التي تشكل بنية تحتية لاستراتيجية النزاهة ومكافحة الفساد، خاصة فيما يتعلق بإقرار أنظمة المساءلة والمحاسبة، والشفافية والإصلاح الإداري، بمعنى أن استراتيجيات مكافحة الفساد، تستدعي حزمة من الإجراءات الوقائية والعلاجية، تشريعية وتربوية ومجتمعية لمواجهة هذه الآفة، التي يلعب القطاعان العام والخاص دورا محوريا في بقائها وانتشارها. بدءا من أهمية مراجعة واقع العمل الوظيفي في الحياة الإدارية، لجهة أهمية إعادة الاعتبار لمفهوم الجدارة، ومبدأ تكافؤ الفرص، والعدالة في سياسات التوظيف، والتقييم والترقية، والإنصاف، ومكافحة الفئوية والإقليمية والمناطقية في بعض المؤسسات والأجهزة، مما يشكل تربة مناسبة لنمو الفساد الإداري والمالي. والفساد، يجب ألا يختزل في مفهوم (الاختلاس) بل إن توظيف المعلومة، واستثمارها وحجبها عن قطاعات أو شرائح المجتمع، نوع من الفساد، خاصة المعلومات المتعلقة بالمنافع الاقتصادية أو الوظيفية، مثلما الإخلال بمبدأ العدالة الوظيفية، بين القطاعات والشرائح المجتمعية، يشكل فسادا يسهم في ترهل أداء المؤسسات، وانتشار المحسوبيات، وبالتالي تراجع الإنتاج، وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية. إن نجاح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يعتمد على مدى قدرتها أيضا على التعاون مع كيانات القطاع الخاص في محاربة الفساد، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، وحث الناس على الإسهام في الحملة الوطنية للإصلاح ومكافحة الفساد، والمحافظة على المكتسبات الوطنية وصيانتها. ومع ارتفاع مستوى الوعي السعودي بخطورة الفساد على الوطن وأهله، ومع إصرار الإرادة السياسية على وضع الفساد على رأس جداول الأعمال الوطنية للإصلاح، تبرز، أهمية دعم النظام الإعلامي كعين رقابية مساندة للنظام القضائي في إنجاح استراتيجية النزاهة ومكافحة الفساد، ورفع مستوى الشفافية، وفق سياسة مجتمعية (تشاركية) في هذا المشروع الوطني الحيوي.