أثار بث قناة تونسية مسلسلا بريطانيا عن حياة الرئيس العراقي السابق صدام حسين, جدلا واسعا في الشارع التونسي وفي الأوساط الفنية والإعلامية في البلاد بين رافض لفكرة إتاحة الفرصة لمسلسل يسيء للعرب ويستفز مشاعرهم, وبين مناصر لبثه بداعي حرية التعبير. وبدأت قناة (نسمة تي.في), التي يشترك في ملكيتها الأخوان التونسيان نبيل وغازي القروي مع مواطنهما طارق بن عمار ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني, الأسبوع الماضي ببث الحلقة الأولى من مسلسل "بيت صدام", الذي أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) وصوّرت أغلب أحداثه في تونس منتصف عام 2007. ويستمر "بيت صدام" أربع حلقات, ويؤدي دور صدام ممثل إسرائيلي مغمور يدعى نيجال ناعور تشبه ملامحه إلى حد كبير ملامح الرئيس العراقي الراحل, في حين تجسد شهرة اغداسلو, وهي ممثلة أمريكية من أصل إيراني, دور ساجدة زوجة صدام. ولدى بدء القناة, التي تتخذ شعار (قناة المغرب الكبير), ببث الحلقة الأولى من المسلسل, ثارت ضجة كبرى واندلع الجدل على نطاق واسع حول جدوى بث مثل هذه المسلسلات المنتجة من طرف جهات غربية. وسارعت لجنة نصرة المقاومة في العراق وفلسطين إلى إصدار بيان تستنكر فيه بث المسلسل, معتبرة أنه ينطوي على "إساءة كبيرة لمشاعر العرب واستخفاف بآلامهم", مضيفة أن المسلسل انعكاس لوجهة النظر الغربية المعادية للعرب. ويدور المسلسل الذي أخرجه البريطاني أليكس هولمز, حول 24 عاما من حياة صدام وعلاقاته العائلية والحروب التي خاضها منذ 1979 حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003, الذي أطاح به. ويقدم المسلسل أيضا صورا لحياة الرئيس العراقي الراحل بين عائلته ومحيطه السياسي والاجتماعي بشكل لا يخلو من الجانب الكوميدي أحيانا. وقال الكاتب الصحفي نور الدين بالطيب في صحيفة الشروق: "المسلسل حاز على إجماع كبير في مستواه الفني والتقني, لكن هل سنرى مسلسلا أو حتى شريطا وثائقيا من إنتاج بريطاني أو أمريكي يدين جرائم الاحتلال في أبو غريب وقتل وإبادة الأطفال وسرقة الآثار واغتصاب حرائر العراق؟". وتابع: "هل سنرى عملا دراميا يكشف للعالم كيف تقدم دولة تدعي الوصاية على القانون والديمقراطية, على غزو بلد آمن وشعب مسالم بسبب ذنب وحيد, هو الثروة المادية والرمزية؟. وفي 19 مارس/ آذار 2003, قادت الولاياتالمتحدة حربا على العراق بعد اتهامه بامتلاك أسلحة دمار شامل, وغزت البلاد, وأنهت حكم صدام بسقوط بغداد في التاسع من أبريل/ نيسان من العام ذاته, وأعدم صدام في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2006 بعد إدانته بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأثار المسلسل ضجة كبرى في تونس والعالم العربي أثناء تصويره منذ عامين بسبب مشاركة ممثلين عرب فيه, من بينهم: محمد علي النهدي, ونادية بوستة, وفؤاد ليتيم, ولطفي العبدلي من تونس؛ وعمرو واكد من مصر, والمغربي سعيد تغماوي. لكن إدارة قناة (نسمة تي.في) التي تعرض المسلسل, لم تنتظر طويلا لتصدر بيانا تبرّر فيه بث "بيت صدام", ودعت فيه إلى "التعود على مشاهدة مثل هذه الأعمال الفنية والروائية دون تشنج أو مغالاة وبمبدأ النسبية والاعتدال". وأضافت في بيانها الذي وزعته على وسائل الإعلام: إنه عمل روائي وليس وثائقيا, ومن ثم لا يمكن تقييمه والحكم عليه من منظور مطابقة الأشخاص والأحداث المعروضة مع الحقيقة التاريخية. واستدلت القناة على ذلك برأي المخرج التونسي شوقي الماجري, الذي قال: إن هذا المسلسل "عمل لا يقيّم إلا من حيث مستوى قيمته الفنية". من جهته, اعتبر الناقد السينمائي خميس الخياطي أن "المطالبة بحجب ومنع البث مهما كان السبب ليست من شيم المواطنة والتحاور السلمي في شؤون الدين والدنيا", منتقدا من وصفهم بجوقة القومية العربية قائلا: إن ما من أحد أعطاهم شرعية السماح بالبث أو منعه. ورغم ما رصده الخياطي من نواقص فنية ودارمية وسياسية في "بيت صدام", قال: "لا يجب أن ننسى أنه عمل روائي فني وباب مفتوح للنقاش والجدل, وهما من أسس الديمقراطية". لكن الممثل التونسي رضا بنور الذي رفض المشاركة في المسلسل انتقد بشدة هذا العمل قائلا: "إنه وجهة نظر محتل لتبرير جرمه". وقال في حوار نشرته صحيفة الصريح يوم الإثنين 5/10/2009: "هل تتصور أن فيلما مموّلا من بريطانيا سيخدم العرب ويدافع عن حرياتهم ويهديهم الديمقراطية؟". ووجّه بنور سهام نقده إلى قناة (نسمة تي.في), معتقدا أن القناة ارتكبت خطأ سيحاسبها التاريخ عليه. نقلا عن (رويترز)