السحر كلمات يَتفوَّهُ بها الساحر، وفيها تعظيم وتقديس لغير الله تعالى، فَيَنسبُ الساحرُ بهذه الكلمات مقاديرَ الأمور إلى هذا الشيء المُعَظَّم، فيقع عند ذلك أذىً على المسحور، فالساحر يقول كلماتٍ وتعاويذَ وطلاسم بها كفرٌ وشرك بالله تعالى، وربما نطق بها وهو لا يفهم معناها، وإنما يتعلَّمها من غيره، كما قال تعالى : (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) غير أنَّ السحرَ منه ما يكون شعوذةً وتمويها وتخييلا، يُوهم الساحرُ المسحورَ ليرى الأشياء على غير حقيقتها، كما يَتوهَّم مَن يسمع الباطلَ من لسان البليغ فيظنَّه حقاً، ففي الحديث : (إنَّ من البيان لسحرا) الكثير من هذه الغرائب والعجائب التي تَنشَطُ نفوسهم لسماعها ولتصديقها، وهم على يقين بأنه لا تكادُ تَصحُّ منها قصة، وما ذاك إلا التطلُّع للمجهول، وههنا موضعٌ يجب التَّنبُّه إليه، وهو أنَّ عمل السِّحرِ مُقترنٌ بالفحش والأذى، فهي صنْعةٌ غايتُها الإضرار بالناس في أبدانهم ابتداءً، ويترتَّب على هذا الأذى أنْ يلجأ الناس للسحرة طلباً للشفاء ممن كان السببَ في الإذاية،لأن فيه تصويب الباطل، ومِن السِّحر ما هو حقيقة، فليس السحر إيهاماً ولا تخيُّلات فقط كما يظنَّ المعتزلة، بل هو حقيقةٌ ثابتة، والدليل على ذلك أنَّ الساحر إذا تفوَّه بهذه الكلمات حصل الأذى والضرر على المسحور حقيقةً وليس تخيُّلاً، ثمَّ إنَّ السِّحرَ تَعامُلٌ مع عالَمٍ مجهول، ومن طبيعة النفس البشرية أنَّ النُّفوس تتهيَّب من المجهول، وترى فيه ما لا تراه في المعلوم، وتظنُّ أنه ينطوي على أمورٍ عظيمة، وآيةُ ذلك أنك إذا جلست في ليلة من الليالي مع ثلَّةٍ من الأصحاب، بعد أنْ أرخى الليل سدوله وخيَّم السكون وتسلَّل الظلام، وأردْتَ أن يلتفتوا بأنظارهم وأسماعهم إليك، فما عليك إلا أنْ تحدِّثهم عن عالَمٍ مجهول كالجنِّ مثلاً، فما هي إلا قصَّةٌ قصيرةٌ ترويها، فستجد بعدها أنَّ حديث المجلس تحوَّل إلى عوالم الجنِّ، وإذا بكلِّ واحدٍ من الجلساء بجعبته الكثير من هذه الغرائب والعجائب التي تَنشَطُ نفوسهم لسماعها ولتصديقها، وهم على يقين أنه لا تكادُ تَصحُّ منها قصة، وما ذاك إلا التطلُّع للمجهول، وههنا موضعٌ يجب التَّنبُّه إليه، وهو أنَّ عمل السِّحرِ مُقترنٌ بالفحش والأذى، فهي صنْعةٌ غايتُها الإضرار بالناس في أبدانهم ابتداءً، ويترتَّب على هذا الأذى أنْ يلجأ الناس للسحرة طلباً للشفاء ممن كان السببَ في الإذاية، فيقع الناسُ في اعتقادات باطلة في قدرة الساحر على خرق العوائد، وربما ظنَّوا أنه يملك من الأمر شيئا، وهكذا قد ينتهي أمرُ السِّحر إلى إفساد عقائد الناس، فهذه مفاسد عظيمة يَعْلَمُها المجتمع الذي تتفشَّى فيه ويعاني من مفاسدها، فنَهْيُ الإسلام عن السحر من باب حماية أبدان الناس ومَنْعِ تدمير بنيانهم الاجتماعي، وهو حماية لدينهم وصحَّة اعتقادهم، وليس من باب إنكار الإسلام لحقيقته، بل لو كان السحر عِلماً نافعاً صحيحاً، وكانت له أصولٌ صحيحة معلَنةٌ وقواعد مبثوثة بين الناس، لكان شأنه شأن سائر العلوم، غير أنه بخلاف ذلك، فمفاسدُه ظاهرة، ولذا حرَّمتْه جميع الشرائع، والساحر لا يتعلَّم علماً، بل يُعلَّم ألفاظا فيها كفر، يتفوَّه بها وينتظر ما تُفضي إليه من الضرر، ولذلك تجد الساحرَ جاهلا في الغالب، وتجده لا يَتوقَّى من النجاسات، فما أبْأَسَها من وظيفة مبناها الكذب والاستغلال، ولذا فقد شدَّد الإسلام في عقوبة الساحر، وجعلها القتلُ، إذا ثبتَ أن سِحْرَه قائمٌ على كفرٍ صريح، لا على تخييلات ولا على خِفَّة يد، فالمشعوذ ومدَّعي السِّحر يؤدَّب الأدب الموجِع من حبسٍ وضرب، أما الساحر الذي يكون سحرُهُ قائماً على الكفر الصريح فيُقتل، فإنْ تاب فإنَّ الله هو التواب الرحيم كما قال : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) لكنْ هل لنا أنْ نُصدِّقه فنقبل منه توبته، بمعنى أنْ نُسقط عنه الحَدَّ؟ هذا موضعُ خلاف بين الفقهاء، فمنهم مَن قَبِلَ توبته ورأى أنه كالمرتدِّ إنْ تاب لا يقام عليه الحد، لكنّ الإمام مالك رحمه الله رأى أنَّه ليس كالمرتد الذي أظهر كُفرَه، بل هو كالزنديق الذي أبطن الكفر وأظهر الإسلام، فلا نستطيع أن نتبيَّنَ صِدْقَه، ولهذا فلا يُصدَّق إنْ زعمَ أنه تاب، ولا تُقبل توبته، بل يُقتَل، ولعلَّ هذا أبلغ في حفظ البلاد من السحر وويلاته، هذا إذا لم يَقتُل الساحرُ بسحره، أما إنْ قَتَلَ أحداً بالسحر، فيجب أن يقام عليه حدُّ القتل، ولعل بعض الناس يسأل : وهل يجوز علاج السحر بالسحر، فالجواب ان فتح هذا الباب سيجعل في البلاد سُوقاً رائجةً للسَّحَرة والمشعوذين والدَّجالين، ويفتح على الناس شَراًّ وبلاءً على بلاء، وعلينا أن نعلم أن القرآن هو الشفاء، فعلى المرء أنْ يرقي نفسَه بنفسه، أو يرقيه مَن يثق به، لا أن يذهب لمن يسترزقون بكتاب الله .