قال رئيس هيئة التفاوض السورية، د. نصر الحريري: إن الدور العربي تراجع في هذه القضية، التي ظلت حاضرة لدى السعودية، معتبرا أن حل الأزمة، يتطلب توافقا بين الدول الكبرى في العالم، وبخاصة روسيا وأمريكا، وكذلك ضمن الصعيد الإقليمي، مبديا تفاؤلا تجاه العملية السياسية، التي وصفها بأنها «شبه متوقفة»، في ظل غياب الإرادة الدولية. ورفض رئيس هيئة التفاوض التقسيم مشددا في حديثه ل «اليوم» على وحدة وسلامة الأراضي والشعب السوري، مؤكدا رغبتهم في بناء دولة مدنية ديموقراطية تعددية مبنية على المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان وشدد الحريري على ضرورة خروج إيران من البلاد، بشكل نهائي، وذلك ضمن أي اتفاق للحل، واصفا إياها ب «السرطان»، موضحا أن لديها مشروعا طائفيا، أوجدت ضمنه 100 ألف عنصر من الحرس الثوري، أو من المرتبطين بها، علاوة على تجنيدها الميليشيات التي شاركت نظام الأسد جرائمه. فإلى مضابط الحوار: في حال استئناف «جنيف».. هل لديكم تطمينات بأن الأسد سيرحل وتشكل سلطة بديلة له؟ - في الحقيقة لا توجد ضمانات، ولا تطمينات، وحتى قرارات مجلس الأمن البسيطة منها والمركبة كلها أوراق مبنية إن لم تتوافر خلفها إرادة سياسية دولية للمضي في تطبيق تلك القرارات. واليوم في الساحة السورية تعقدت شبكة المصالح الدولية والإقليمية، والمخاوف أيضا. وحتى نمضي إلى حل مستساغ يجب أن يحدث توافق بين الدول الكبرى في العالم، وهنا أقصد روسيا وأمريكا، وكذلك توافق على المستوى الإقليمي. رئيس هيئة التفاوض السورية كيف ترى مسار العملية السياسية للأزمة السورية؟ - في هذه اللحظة، نحن نعتبر أن العملية السياسية شبه متوقفة، حيث لم تحقق خلال السنوات الماضية منذ 2014، أي تقدم نوعي، ونحن نسعى دائما لانخراطنا في هذه العملية التي تسيرها الأممالمتحدة، في ظل غياب الإرادة السياسية الدولية، وهو ما يمنع إحرازها أي تقدم. نحن من ناحيتنا لا نستطيع أن نقدم الضمانات والتطمينات، وكل الدول منشغلة في مصالحها، ولا تعبأ بمصالح الشعب السوري، ولكن ربما الآن بدأنا نشعر بروح وإرادة جديدة، بعد ملاحظة أن الدول تتواجه وتتضاد مع بعضها، وبدا إنذار للتصعيد خارج الحدود السورية، ونرى الآن محاولات دولية لإيجاد نوع من التفاهم المشترك لدعم العملية السياسية في سوريا. انتهى قبل أيام اجتماع اللجنة الدستورية.. بم خرج هذا اللقاء؟ - ناقش الاجتماع الدوري لهيئة التفاوض السورية، وضع «إدلب» بعد اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا، الذي جنب المنطقة التصعيد العسكري. وناقش اللقاء أيضا، الوضع الإنساني الكارثي في مخيم الركبان الذي يضم ما يقارب من 60 ألف مدني، يحاصرهم النظام، ويمنع عنهم الماء والدواء، بالإضافة لمناقشة اللجنة الدستورية والعراقيل التي يضعها النظام وحلفاؤه أمام هذه العملية، من أجل عدم إحرز نجاح بالحل السياسي. وبالإضافة لذلك، عقد الاجتماع الأهم للجنة ال 50، وهم المرشحون من قبل المعارضة السورية للمشاركة بالعملية الدستورية، إضافة إلى 17 شخصا من الفريق الداعم، المكون من الشخصيات التي تمتلك الخبرة في هذا المجال من أجل دعم العملية الدستورية. هل الثورة السورية انتهت.. وأعيد تأهيل الأسد ربما لسنوات؟ - هذه المقولة ليست صحيحة، فالثورة السورية لها أبعاد متعددة، ولعل البعد العسكري ليس بالأساسي، وليس الأهم ولا الأكبر، فالنظام من خلال تلقيه الدعم من ميليشيات إيرانية وإرهابية متطرفة، إضافة إلى الدعم الروسي، جعله يسيطر على 60% من المساحة السورية، وقسم من تلك المساحات يعتبر مساحات صحراوية، في حين أن 40% من المساحات في سوريا، تقع خارج سيطرة النظام، هذا من الناحية العسكرية، وبالتالي فالنظام لم ينجح عسكريا، وحينما ننظر للوضع من الناحية الديموغرافية نجد أن الشعب سجل موقفه ضد نظام بشار الأسد. ماذا عن المجتمع الدولي؟ - إذا تحدثنا عن النظام الدولي، نلحظ أن معظم دول العالم تعترف بالواقع الإجرامي للنظام، وتقطع العلاقات السياسية مع سوريا، وإذا تحدثنا عن النظام الحقوقي، فالنظام مجرم حرب تمت إدانته بجرائم ضد الإنسانية، ومن الناحية السياسية، هناك عملية أممية تأتي من قرارات المرجعية الدولية، وهذه القرارات جوهرها التفاوض من أجل تحقيق الانتقال السياسي في سوريا. هل تتوقعون عودة النظام إلى جنيف.. ولماذا يفاوض طالما أن المجتمع الدولي أقر باستمراره؟ - النظام نفسه لن يعود، هذه هي الحقيقة، فالثورة في بدايتها كانت مطالبها سياسية، وحتى بعد أن أجبرها النظام على الخيار العسكري، بقيت مؤمنة بالحل السياسي، ولا تزال مؤمنة بذلك حتى الآن، لكن النظام لم ولن يؤمن بالحل السياسي، فالمفاوضات القائمة الآن هي مع الروس، المفاوضات من الدول التي تقف مع الشعب السوري مع موسكو لإيجاد حل سياسي، أما نظام بشار الأسد فقد أسقط فعليا، وليس له تواجد، كون هناك دول في سوريا هي مَنْ تتولى جميع الملفات. د. الحريري يجيب عن أسئلة المحرر (تصوير: فارس غيث) كم عدد السوريين المهجرين منذ بداية الأزمة في 2011؟ عدد المهجرين داخليا تقريبا 6 ملايين سوري، وما يقارب من 7 ملايين مهجرين إلى دول الجوار، أو في الدول الأخرى حول العالم. الشتات السوري الآن موزع على العديد من الدول، التي بينها دول لم نتخيل أن يصل إليها المواطن السوري، إلا أن النظام هو مَنْ أجبرهم على ذلك. وأؤكد لك أن هؤلاء لا يمكنهم العودة مجددا إلى سوريا في ظل وجود النظام الحالي. برأيك هل ستبقى سوريا كما كانت قبل الأزمة، في ظل تموضع قوى عسكرية أجنبية، وبروز شبح التقسيم أو الفيدرالية؟ - الشعب السوري خرج بمطالب واضحة، تتعلق بالحرية والكرامة وبناء نظام سياسي جديد ديمقراطي، بدلا من النظام الحالي ولا يمكن أن تذهب طموحات الشعب السوري إلى أي اتجاه آخر مثل التقسيم. وخلال السنوات الماضية ظهرت العديد من التنظيمات المبنية على أسس قومية انفصالية، والحقيقة أن هناك دولا استثمرت في مثل تلك التنظيمات، بغض النظر عن بلدانهم. المعارضة منهجيتها واضحة في التأكيد على سلامة الأرض السورية ووحدتها، وكذلك وحدة الشعب. ونحن نريد بناء دولة مدنية ديموقراطية تعددية مبنية على المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان. بات واضحا أن الأمريكان أوكلوا لموسكو إنهاء الملف السوري، مع مضي بوتين في تدمير ما تبقى من الثورة.. برأيك كيف سينتهي موضوع إدلب؟ - «إدلب» هي نقطة تحول في المشهد السوري، ولا شك أن النظام والدول التي تدعمه، تريد الاستمرار على النهج العسكري، واختلاق الذرائع من أجل فتح عمليات عسكرية في مختلف المناطق السورية، كما فعلت سابقا، وحسم المعركة عسكريا والذهاب إلى تعويم وإعادة إنتاج هذا النظام. في اعتقادي أن في إدلب وصلت الأمور إلى عنق الزجاجة بين طرف يريد الاستمرار في الحل العسكري وبين أطراف أخرى بدوافع مختلفة، جزء منها تتعلق بمصالحها المختلفة، والجزء الآخر مرتبط بمصالح الشعب السوري، وقيمة سوريا كدولة مهمة في المنطقة، وبعد إيقاف الحل العسكري بالجهود الدولية في المنطقة، تم إبعاد ما يقارب من 3 ملايين سوري، جزء منهم من الذين هجروا من بعض المناطق، ونحن نريد فتح الباب لمفاوضات حقيقية لتطبيق بيان جنيف وقرار مجلس الأمن. هل تعتقد أن الحل السياسي ممكن في ظل وجود إيران وميليشياتها؟ - «إيران سرطان»، وهي دولة لا ترعى سيادة الدول الأخرى، ولا تحترمها، ولا تتورع من التدخل بالشؤون الأخرى لبعض البلدان. إيران لديها مشروع طائفي، وتمضي على مبدأ تصدير الثورة. وإيران تعتبر سوريا من أهم المواقع، بخلاف تواجدها في اليمن والعراق ولبنان وغيرها من الدول. إيران عملت منذ البداية بالسياسة الناعمة حتى تصل إلى مرحلة الغزو الحقيقي، هناك 100 ألف مقاتل من الحرس الثوري الإيراني أو من المرتبطين بها وقامت بتجنيد العديد من الميليشيات وهؤلاء بمشاركة النظام ساهموا بارتكاب العديد من الجرائم، إيران جزء من المشكلة ولا يوجد حل في سوريا مادام أن هناك تواجدا إيرانيا في سوريا، ويجب ان يكون خروج إيران جزءا أساسيا وألا يتجزأ من أي اتفاق سياسي للوصول للحل في سوريا. هناك مَنْ يقول إن مستقبل سوريا السياسي سيصبح كما العراق تحكمه الميليشيات وأحزاب طائفية بهيمنة إيرانية.. عن أي تسوية تبحثون في ظل هذه الظروف؟ - أصالة الشعب السوري وحضارته وتنوعه لا تسمح بنمو التطرف والإرهاب، الذي أعني به تنظيم داعش أو القاعدة. وأيضا الشعب السوري لن يسمح بوجود الفكر الطائفي المتعلق بإيران، وبالمناسبة، إن كل يوم نتأخر فيه بمعالجة الوجود الإيراني في سوريا، يصبح علاج ذلك أصعب، ولا أقول مستحيلا، لكنه يزداد صعوبة وهذا أمر طبيعي. هنالك محاولات إيرانية لاستنساخ نظام مثل نظام الملالي، أو نظام الميليشيات الموجود في العراق، ولعل آخرها نظام الأوقاف الجديد الذي أقر، وهي محاولة إيرانية لاستنساخ دولة دينية جديدة في سوريا، وهذه الإجراءات لن تنجح في بلادنا، لأن الشعب السوري لن يقبل ويرضى، لكن المشكلة هي أن ذلك سيزيد من فاتورة الدماء المكتوبة على الشعب السوري، وهذا سيشكل خطرا ليس داخل الحدود السورية فقط، وإنما سيمتد إلى دول الجوار، بالمقابل نحن حذرنا سابقا، ومازلنا بضرورة تضافر الجهود، من أجل وضع حد للتدخل الإيراني ليس في سوريا فحسب، إنما في المنطقة. ما السيناريو المحتمل لمفاوضات مقبلة، وما شكل السلطة التي ستشكل في سوريا كنتيجة للمفاوضات؟ - لا يوجد سيناريو واحد، لدينا مهمة واضحة وهي تطبيق بيان جنيف 2254 وهذا البيان لم يترك لأي أحد أن يتخيل أو يضع سيناريوهات. البيان تحدث عن تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، إضافة إلى دستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأممالمتحدة، وأيضا لقضايا الإنسانية من المعتقلين والمهجرين، وأي ميل في التفكير أو التطبيق عن هذه الصيغة، لن يكون سوى إضاعة للوقت، وإراقة مزيد من الدماء واستمرارا لحلقة العنف وتوسيع الصراع بدون أي جدوى. كم عدد القوات الأجنبية في سوريا الآن؟ - لا توجد أرقام دقيقة، ولكن حسب التقديرات فإن عدد الجيش الإيراني 100 ألف جندي، تقريبا، بينما عدد الروس 25 ألف جندي، وهنالك 2500 عنصر من القوات الأمريكية والعديد من القوات الأوروبية، وكذلك ما يقارب من 1500 من القوات التركية، موجودة بالشمال في نقاط للمراقبة. أين الدور العربي في المسألة السورية هل غاب كليا أم أن هناك عودة في المرحلة القادمة وكيف تقيّمون دور المملكة؟ - الدور العربي في بداية الأزمة كان فاعلا وقويا، بعدها خرج الملف من الجامعة العربية إلى مجلس الأمن، ثم بدأت الدول العربية تعمل بصورة مفردة. والمملكة العربية السعودية من أهم الدول، التي وقفت مع الشعب السوري.