أمير القصيم يرعى حفل تخريج 5,448 من الكليات التقنية ومعاهد المنطقة    مؤتمر مستقبل الطيران 2024 يتجاوز التوقعات ويعلن إبرام 102 اتفاقية بقيمة 75 مليار ريال    نقل ملعب مباراة الهلال والطائي إلى ملعب نادي الشباب    اضطراب هوائي يضرب طائرة سنغافورية    الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 28 يونيو    «الذكاء الاصطناعي» الأوروبي.. إنفاذ القانون والتوظيف    إسرائيل تخشى أوامر الاعتقال وتستمر في الانتهاكات    إصدار 700 ألف صك عبر البورصة العقارية    القبض على مقيم لترويجه حملات حج وهمية في مكة المكرمة    أمير المدينة المنورة يكرم 23 طالبا    IF يتصدر شباك التذاكر    الجامعة العربية تؤكد أهمية حوار الحضارات كتنوع ثقافي متناغم    نائب أمير مكة يستقبل مدير عام الجوازات والوفد المرافق له    نائب وزير الخارجية يقدم واجب العزاء والمواساة في وفاة رئيس إيران    تعليم الطائف يعلن ترتيب شرائح النقل عبر نظام نور لمعلمي ومعلمات التعاقد المكاني    ما المشاريع التي دشنها أمير حائل في محافظة السليمي بأكثر من مليار ريال؟    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    46 مليار ريال سنويا التسهيلات المقدمة للمنشآت    أمير منطقة تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    وكالة الفضاء السعودية تعلن أسماء الفائزين ال10 من 8 دول عربية في مسابقة #الفضاء_مداك    مدير مكتب التعليم بالروضة يفتتح العيادة المدرسية بمتوسطة زهير بن أبي أمية    غرق 10 فتيات بعد سقوط حافلة بمجرى مائي في القاهرة    سمو محافظ الخرج يرعى حفل التخرج لمتدربي ومتدربات وحدات التدريب التقني بالمحافظة    أخضر الملاكمة بالمعسكر الدولي    «جامعة نايف العربية» تطلق في تونس أعمال الملتقى العربي للحد من تهريب المهاجرين    "عطور الشرق" يفتح أبوابه للزوار في المتحف الوطني السعودي    آرني سلوت: عرض العمل مع ليفربول يستحيل تجاهله    ريال مدريد: كروس قرر إنهاء مسيرته الكروية بعد يورو 2024    تاج العالمية تفتتح مكتبها في الرياض ضمن 19 موقعا عالميا    العالم حريص على توحيد الجهود الدولية لإيجاد حلولٍ شاملة لقضايا المياه    أرقاماً قياسية عالمية في انخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح    ولي العهد يطمئن الجميع على صحة الملك    الربيعة يدعو لتأسيس "مجلس طيران إنساني عالمي"    وزير الإسكان يشهد توقيع "الوطنية للإسكان" 5 مذكرات تفاهم    إطلاق "مانجا إنترناشونال" للأسواق الدولية    النفط يتراجع والذهب في ارتفاع    نائب أمير الرياض يستقبل نائب وزير الحرس الوطني المكلف    طلاب الاحساء يحصدون 173 جائزة لوزارة الثقافة    أكثر من 5.5 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أبريل الماضي    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    كفاءات سعودية تتحدث الإندونيسية بجاكرتا    حرس الحدود يحبط تهريب 295 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    رسميًا.. الاتحاد يعلن رحيل رومارينهو وغروهي    القوات المسلحة تواصل تمرين «الأسد المتأهب 2024»    الاتحاد بطلاً لهوكي الغربية    5 فوائد للمشي اليومي    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    " كلوب وأليغري ومورينيو" مرشحون لتدريب الاتحاد    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    العجب    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تميز الشريعة عن القانون (2-2)
نشر في اليوم يوم 10 - 12 - 2017

ذكرنا في المقال السابق أن الميزة الثانية للشريعة عن القانون هي أن قواعدها دائمة ولا تقبل التغيير والتبديل - خلافا لقواعد القانون المؤقتة التي تتغير وفق تغير وتطور المجتمع- وهذه الميزة التي تتميز بها الشريعة تقتضي من الوجهة المنطقية أمرين:
الأول: أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من المرونة والعموم بحيث تتسع لحاجات المجتمع مهما طالت الأزمان، وتطورت المجتمعات، وتعددت الحاجات وتنوعت.
الثاني: أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من السمو والارتفاع بحيث لا يمكن أن تتأخر في وقت أو عصر ما عن مستوى المجتمع.
والواقع أن ما يقتضيه المنطق في ديمومة قواعد الشريعة وثباتها متوافر في هذين الأمرين، بل هو أهم ما يميّز الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع السماوية والوضعية، فقواعد الشريعة الإسلامية ونصوصها جاءت عامة ومرنة إلى آخر حدود العموم والمرونة، كما أنها وصلت من السمو درجة لا يُتصور بعدها سمو.
ولقد مرّ على الشريعة الإسلامية أكثر من أربعة عشر قرنا، تغيّرت الأوضاع خلالها كثيرا، وتطورت الأفكار والآراء تطورا كبيرا، واستُحدث من العلوم والمخترعات ما لم يكن على خيال إنسان، وتغيرت قواعد القانون الوضعي ونصوصه عدة مرات لتتلاءم مع الحالات الجديدة والظروف الجديدة بحيث انقطعت العلاقة بين القواعد القانونية الوضعية التي نطبقها اليوم وبين القواعد القانونية الوضعية التي كانت تطبق يوم نزلت الشريعة، وبالرغم من هذا كله، ومع أن الشريعة الإسلامية لا تقبل التغيير والتبديل، ظلت قواعد الشريعة ونصوصها أسمى من مستوى المجتمعات، وأكفل بتنظيم وسد حاجاتهم، وأقرب إلى طبائعهم، وأحفظ لأمنهم وطمأنينتهم. وليتضح الأمر أكثر فسأضرب مثلا على قاعدة من قواعد الشريعة تسمو على إدراك المجتمعات غير الإسلامية وهي قاعدة وقانون القصاص في الجروح (أي من فقأ عينك متعمدا تُفقأ عينه) هذه القاعدة الإسلامية لا تعترف بها عقول مشرِّعي القوانين الوضعية، وذلك لأنها لا تزال أسمى من مستوى عقولهم، حيث إن فيها تحقيق أعلى درجات العدالة للمجني عليه وللمجتمع، وهي أقوى رادع للجاني عن فعل فعلته أو التفكير فيها، وصدق الله عز وجل إذ يقول في سورة المائدة (ومن أحسنُ من الله حُكماً لقومٍ يوقنون).
الميزة الثالثة من مزايا الشريعة عن القانون: أن المجتمع هو الذي يصنع القانون، ويلونه بعاداته وتقاليده وتاريخه، والأصل في القانون أنه يُوضع لتنظيم شؤون المجتمع، ولا يوضع لتوجيه المجتمع، ومن ثم كان القانون متأخرا عن المجتمع وتابعا لتطوره، وكان القانون من صُنْعِ المجتمع، ولم يكن المجتمع من صُنْعِ القانون.
أما الشريعة الإسلامية فقد علمنا مما سبق أنها ليست من صُنْع المجتمع، وأنها لم تكن نتيجة لتطور المجتمع وتفاعله كما هو الحال في القانون الوضعي، وإنما هي من صُنْع الله الذي أتقن كل شئ خلقه. وإذا لم تكن الشريعة من صُنْع المجتمع، فإن المجتمع نفسه من صُنْع الشريعة.
إذن الأصل في الشريعة أنها لم توضع لتنظيم شؤون المجتمع فقط كما كان الغرض من القانون الوضعي، وإنما المقصود من الشريعة قبل كل شيء هو صنع الأفراد الصالحين والمجتمع الصالح، وإيجاد الدولة المثالية، والعالم المثالي، ومن أجل هذا جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها، ولا تزال كذلك حتى اليوم، وجاء فيها من المبادئ والنظريات ما لم يتهيأ العالم غير الإسلامي لمعرفته والوصول إليه إلا بعد قرونٍ طويلة، وما لم يتهيأ هذا العالم لمعرفته أو يصل إليه حتى الآن.
ونستطيع بعد أن بسطنا الكلام في مقالنا هذا وسابقه على تميز الشريعة عن القانون أن نستخلص صفات كبرى تتصف بها الشريعة وتفاخر بها دون كافة الشرائع الوضعية، وهي باختصار كما يلي:
الصفة الأولى: الكمال: حيث تمتاز الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بالكمال، أي بأنها استكملت كل ما تحتاجه الشريعة الكاملة من قواعد ومبادئ ونظريات، وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات المجتمع في الحاضر القريب والمستقبل البعيد.
الصفة الثانية: السمو: حيث تمتاز الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية بالسمو، أي بأن قواعدها ومبادئها أسمى دائما من مستوى المجتمع، وأن فيها من المبادئ والنظريات ما يحفظ لها هذا المستوى السامي مهما ارتفع مستوى المجتمع.
الصفة الثالثة: الدوام: حيث تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالدوام، أي بالثبات والاستقرار، فنصوصها لا تقبل التعديل والتبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان، وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان.
هذه هي الصفات الجوهرية للشريعة الإسلامية، وهي على تعددها وتباينها ترجع إلى أصل واحد نشأت عنه جميعا بحيث يعتبر كل منها أثرا من آثاره، وهذا الأصل هو أن الشريعة الإسلامية من عند الله ومن صنعه، ولولا أن الشريعة من عند الله لما توفرت فيها صفات الكمال والسمو والدوام، تلك الصفات التي تتوفر دائما فيما يصنعه الخالق ولا يتوفر شيء منها فيما يصنعه المخلوق.
وهذه الصفات قد استبان لعلماء الشريعة ودارسيها أنها متوافرة في كل مبدأ، وفي كل نظرية، وفي كل قاعدة قانونية جاءت بها الشريعة الإسلامية، بل إن من درس القانون الوضعي مع دراسته للشريعة الإسلامية يعلم تمام العلم أن طائفة من هذه النظريات والمبادئ الشرعية لم تعرفها وتطبقها القوانين الوضعية إلا أخيرا، بل إنها لا تزال لم تعرف بعضها بعد مثل وجوب نفقة المرأة على وارثها الذي يرثها إن ماتت ومثل حق العفو عن القاتل لولي الدم ومثل قصاص الجروح الذي أشرنا له آنفاً وغيرها الكثير من الأمثلة مما لا يسع مقام المقالة لذكره واستيعابه.
ولعلنا في مقالات قادمة نتناول بعض هذه المبادئ والأسس في الشريعة الإسلامية التي تشعُّ بالعدالة والسمو والرقي مهما تغيرت الأزمان أو تعددت الأوطان. ويكفينا أن تاريخنا الإسلامي شاهد على أن هذه الشريعة الإسلامية هي التي أبرزت المسلمين من العدم، وجعلتهم أمة فوق الأمم، ودفعتهم إلى الأمام، وسلّطتهم على دول العالم، وفي هذا التاريخ الشهادة الحاسمة على أن حياة المسلمين وتقدمهم ورقيّهم متوقف على تطبيق الشريعة الإسلامية، فالمسلمون من صُنْع الشريعة، كيانهم تابع لكيانها، ووجودهم مرتبط بوجودها، وسلطانهم تابع لسلطانها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.