منذ انعقاد القمة الاولى في ابوظبي عام 1981م، والتي أرسى فيها قادة دول الخليج، صيغة تعاونية تضم الدول الست، بهدف «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وذلك وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة»، تواصل انعقاد القمم بين قادة دول الخليج، لتحقيق هذا الهدف المنشود الذي يتطلع له كافة مواطني دول المجلس. وتأتي قمة الصخير في البحرين التي تستضيف الدورة ال37، يوم الثلاثاء الماضي (6 ديسمبر) استكمالا لهذه الغاية الكبرى. وتكتسب هذه القمة أهمية خاصة بحكم الظرف الاقليمي الاستثنائي التي تعيشه المنطقة، وما تشهده من تطورات وتحديات تحتم ضرورة التنسيق والتعاون المستمر لكيفية مواجهة تلك التحديات على مختلف الأصعدة الامنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية. أولا: حتمية التعاون الأمني لمواجهة الجريمة المنظمة والتدخلات الايرانية. منذ بداية الثمانينيات في القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر والهاجس الأمني يحظى باهتمام قادة دول المجلس. فقد واجهت المنطقة العديد من التحديات بداية من نجاح الثورة الايرانية في 1979 مرورا بالحرب العراقية - الايرانية في 1980، مرورا كذلك بفترة الحرب الباردة والافرازات التي انبعثت منها وتداعياتها الخطيرة، ودخول منطقة الخليج في دائرة المصالح الدولية، مرورا كذلك بالغزو السوفيتي لأفغانستان في 1980، مرورا كذلك بحرب الخليج الثانية 1991 مرورا بأحداث 11 سبتمبر وبروز تهديد جديد يتمثل في الإرهاب بكل صوره وأشكاله، وانتهاء بإفرازات ما يسمى الربيع العربي ودخول كثير من الدول في المنطقة في نفق عدم الاستقرار السياسي، وبرزت على اثر ذلك النسخة المحدثة من تنظيم القاعدة والتي تعارف عليها بتنظيم (داعش) الذي تصاعدت عملياته الارهابية لتصل الى داخل دول الخليج، سواء تلك التي نُفّذت أو تلك التي اُحبطت، هذا بالإضافة الى استغلال ايران لتلك الاحداث للتغلغل والتدخل في شؤونها بهدف توسيع نفوذها. هذه الاحداث بشقيها الايراني والداعشي استدعت حتمية التعاون الأمني بين دول الخليج لمواجهة تلك التحديات. وقد تبنت دول الخليج استراتيجيات حازمة وصارمة لمواجهة تلك التحديات من اهمها: تفعيل ما تضمنته اتفاقية دول المجلس لمكافحة الارهاب التي تم اقرارها في عام 2004م كآلية من آليات تفعيل استراتيجية دول مجلس التعاون لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب. رفع جاهزية القوات الامنية وذلك من خلال ما شاهدناه في التمرين الأمني الخليجي المشترك (أمن الخليج العربي 1) الذي أقيم في مملكة البحرين مؤخرا في نوفمبر الماضي، والذي كان يمثل أنموذجًا حيا لهذا التنسيق والتعاون والتكاتف الخليجي، ودليلا على تصميم دول المجلس على الوقوف امام كل التحديات بكل حزم وبجهود منسقة وتعاون تام. ربط الأجهزة الأمنية بكافة وزارات الداخلية بدول المجلس بالشبكة الأمنية المؤمنة وهي على وشك الانتهاء منها. ربط أجهزة الشرطة في دول المجلس وبناء شراكات مع المنظمات الشرطية الإقليمية والدولية لضمان الفاعلية في مكافحة الجرائم. تأسيس منظومة الاتصالات وقواعد بيانات جهاز الشرطة الخليجية، وتفعيل التنسيق بين وحدات اتصال جهاز الشرطة الخليجية وبين وزارات الداخلية في دول المجلس، وبناء علاقات وشراكات تعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية (التعاون مع مركز الآسيان إبول، اليورو بول، الإنتربول، مكتب الأممالمتحدة للجريمة). ثانيا: حتمية التعاون العسكري لصد أي اعتداء. اثبتت عملية «عاصفة الحزم» التي قادتها المملكة العربية السعودية بمشاركة دول الخليج العربي وعدد من الدول العربية للدفاع عن الشعب اليمني وحكومته الشرعية وإنقاذه من الحوثيين وعملاء إيران، مدى التنسيق والتعاون العسكري بين دول الخليج، واثبتت انها ايضا قادرة على ايجاد حائط صد قوي ورادع لأي اعتداء خارجي وكذلك قادرة على تأمين وحماية موارد دولها وضمان مكتسبات شعوبها. ودول الخليج ماضية في تعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة أي اعتداء، فقد تم خلال الفترة الماضية إعداد الخطة الزمنية لتنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين ومحاور التكامل الدفاعي. كذلك تمت متابعة تنفيذ تمرين مراكز القيادة لقوات درع الجزيرة والاجتماعات التنسيقية له حيث تم تنفيذ تمرين مراكز القيادة (سهام الخليج) في أغسطس 2016م، واستكمال ما يتعلق بمركز العمليات البحري الموحد وقوة الواجب البحري الموحد (81)، واستكمال ما يتعلق بمركز العمليات الجوي الموحد، وغير ذلك مما أسهم في تعزيز التعاون العسكري وتوحيد اللغة المشتركة العسكرية بين دول التعاون وبعضها. ثالثا: حتمية التعاون الاقتصادي لاستدامة الرفاه والتنمية إن استراتيجية التنمية الشاملة المطورة البعيدة المدى لدول المجلس خلال الفترة (2010 - 2020م) تمثل الإطار العام للعمل التنموي الخليجي المشترك، وذلك من خلال السعي لتحقيق مسيرة تنموية مستدامة ومتكاملة لدول المجلس في كافة المجالات. ان ابرز واهم ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية في المجالين الاقتصادي والتنموي يتمثل في انشاء هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية التي اقرت في القمة التشاورية 16 في جدة، وكان الهدف من إنشائها هو تذليل المعوقات التي تواجه التكامل الاقتصادي الخليجي، ومنها تباين الأنظمة والإجراءات من دولة لأخرى، وتفعيل اتفاقات مثل الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والعملة الخليجية الموحدة. فضلا عن أمور أخرى مثل العمالة الخليجية، ونقل واستثمار رؤوس الأموال الخليجية، كذلك توحيد بورصات المال الخليجية، إلى جانب تسهيل التبادل التجاري بين دول المجلس. وفي نوفمبر الماضي عقد أول اجتماعات الهيئة برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد، ومن المتأمل أن يكون لهذه الهيئة دور كبير في تقريب وجهات النظر بين اقتصادات الدول الست لإنجاز كثير من مشاريعها المتعطلة للوصول نحو التكامل الاقتصادي المنشود. ايضا من اهم ما تم انجازه خلال الفترة الماضية هو الموافقة على مشروع النظام الأساسي للهيئة القضائية الاقتصادية، والتي تهدف الى النظر في الدعاوى الناشئة عن عدم تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية أو القوانين الموحدة أو القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى. كل ذلك بهدف الوصول الى التكامل الاقتصادي والتنموي المستدام والذي يتطلع له كافة مواطني دول المجلس. رابعا: حتمية الحوار الاستراتيجي مع دول العالم لتعزيز المصالح المشتركة على مدى السنوات الماضية دخلت دول المجلس كمنظومة من خلال آليات الحوار الاستراتيجي في العديد من الحوارات الاستراتيجية مع دول ومنظمات اقليمية مثل الصين واليابان وأستراليا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي وغيرها، وذلك بهدف تعزيز العلاقات معها، وفتح آفاق جديدة لتوسيع مصالح دول المجلس في جميع الأصعدة، على المستوى الجماعي. وتقوم آليات الحوار الاستراتيجي على وضع خطة عمل مشتركة في جميع المجالات ثم تحدد برامج زمنية لتنفيذها. ومن ثمار هذا الحوار الاستراتيجي مؤخرا ما حظيت به قمة الصخير من مشاركة تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، التي تمثل مشاركتها نقلة نوعية في العلاقات الخليجية البريطانية، وسيكون مقالي القادم بإذن الله مخصصًا للحديث عن القمة الخليجية البريطانية. * محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية