اختلف مفهوم التحديث والحداثة عند كثير من المثقفين والمتعلمين وحتى الناس العاديين، وقنع البعض بأن التحديث هو الحداثة وان الحداثة بمعناها أو بالمفهوم العام قد وصلت إلى مجتمعاتنا العربية والتي بدأت تتطور حسب رأيهم بثبات وعلى وشك امتلاك المجتمع الحديث المتطور. الواقع الفلسفي يرى أن التحديث مادي بحت أي يعنى بالتطور في النواحي المادية آخذا بالتطور العلمي والتقنى مهتما بالبنية التحتية ونمط المعيشة وأسباب الرفاهية من مواصلات واتصالات وسكن وأدوات أخرى حديثة تسهل حياة الإنسان ككل، وجميع المنتجات والمخترعات الحديثة التي توصلت إليها بلدان العالم قاطبة وبالمناسبة أصبحت جميع بلدان العالم تتشابه في امتطاء التحديث ولكن مع اختلاف درجاته من بلد لآخر وما استعمال الناس للهواتف المحمولة والانترنت في غابات أفريقيا حيث أدنى معدلات النمو وأعلى مستويات الفقر إلا دليل الركوب على ظهر واحد. التحديث يقسم العالم في أصله إلى نوعين من الدول، النوع الأول تحديدا هو الذي يبذل جهدا ويصنع الحداثة والآخر هو من ينقل ذاك التحديث المعين ويطبقه كمقلد لا أكثر، والفيلسوف فرويد يقول (ان التكرار والإعادة هما احد نظائر الموت) الحداثة في معناها أيضا تختلف تماما عن التحديث المادي وإن كانت بل المفترض أن تكون الابن الشرعي للتحديث وتطوره المادي ، حيث إنها نتاج لفعله فى المجتمع ونتاج لهذا التطور المادي ولكنها تعنى بالجانب الفكري والفلسفي والثقافي وكل ما هو قائم بين المجتمعات أو بدواخلها كل على حدة، وقد أفرزت الحداثة الكثير من المسائل التي تهم حياة البشر كالأمن والسلم بعقلانية ومحاربة التطرف والتكاتف من أجل استئصاله ، بالإضافة إلى تحسين مفردات التعليم وتثقيف الناس من أجل التعايش الحضاري بعيدا عن اللفظ السياسي أو التراشق الديني والعنصرية بجميع أشكالها. وعليه فإن مصطلح التحديث هو التطبيق للوسائل العلمية والتقنية والمخترعات بينما الحداثة متعلقة فقط بالجوانب الفكرية والثقافة والآداب والفنون وحركة كيفية تعامل الناس مع بعضهم البعض بأسلوب حضاري وراق. في الشأن المحلى لم يكن التحديث والحداثة بهذا المفهوم وليد الصدفة، فقد بدأه مؤسس الدولة السعودية -طيب الله ثراه- بالوحدة والتوحيد وتوالى ابناؤه حاملين الراية في كل منحى بعيدا عن فكرة أن كل آت من الخارج هو ضد أو محارب للدين أو للعروبة. إن لنا خصوصيتنا والتزامنا بديننا الحنيف الذي حفظه الله ولم نسمع من أعلن خروجه وتنازله عن الدين وحتى الذين غادروه فكراً وسلوكاً تشبثوا مواربة بأنهم يحملون عنوانه. الحقيقة.. التحديث والحداثة لا تعني اتباع الآخر في ما وصل إليه واتباعه من آخر نقطة حصرية تخصه أو هو نوع من التغريب أي بمعنى أدق اتباع الغرب الفاسق (حسب مفهوم البعض )، كما لا يعني أن نلغي ما عندنا لهثا وراء التحديث والحداثة، بل الحياة أخذ وعطاء نأخذ ما يفيدنا ولا يضرنا ونضيف ما لا يسلبنا ديننا وأدبنا وثقافتنا المجتمعية الحسنة والأخلاق والثوابت والتراث. وفي الجانب الآخر هناك مرحلة ما بعد التحديث والحداثة وان لا ينتقل الناس من المنفعة إلى المتعة والاستهلاك لا للإنتاج. وأخيرا قد يكون هناك ما يسمى عكس النظرية بأن تكون هناك دول خاصة في عالمنا العربي تعيش أو تعايش حداثة دون ان تلمس لديها التحديث المقنع في أي طور من أطواره ولكن تبدو كمجتمع راق ومثقف وحضاري التعامل. بالمقابل الوجوم وارتباك الفكر والمفكرين وتخاذل المثقفين وانشغال الكل بلملمة الماديات والتكالب على نهش مقدرات أوقف بل منع التحديث من أن يستجمع قواه ليضع مولودا جميلا لا يكون جل همه السياسة والغلو والتطرف الدينى ، وهذه للمناسبة أحاديث تدور باستمرار في كل المجالس عندنا ويندر من ينأى بنفسه والتنمية في الإنسان هي الأسلوب الأمثل لبناء مجتمع يشار إليه بالبنان ويحتذى في تطوره الايجابي .