تطوعَ فلان.. أي فعل الشيء طواعيةً واختياراً منه .. دونما تأثير أو ضغوط تُمارس عليه .. بل فعله حُباً ورغبةً نابعة من أعماقه .. لأن أصل النفس البشرية خيرُ ورحمة. أن تكون متطوعاً .. يعني أن تكون أباً لليتيم .. وعوناً للفقير .. وعكازاً للشيخ الكبير .. أن ترسم البسمة على ذلك الوجه الحزين .. هو أن تتملص من طبيعتك البشرية لتلامس أطراف السماء بأفعالك الملائكية.. أن تفعل الخير ولا تبالي بالجزاء أو الثناء .. بل تعمل على طريقة "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا". من نعم الله علي أنني عايشت ثورة التطوع في بلادنا الحبيبة.. وكنت ومازلت من زمرة المتطوعين المتعطشين لخدمة مجتمعهم وإثرائه .. بحماسٍ يتقد للعمل وحب الإنجاز وخدمة الناس. وبما ان التطوع في أصله "عمل" فلابد أن يخضع لآلية إدارية تٌسيُر أموره وتحقق أهدافه .. بعيداً عن الارتجالية.. أو الفردية الممجوجة بحب الظهور. يقول ديفيد كورتن: إن المنظمات التطوعية قد مرت بثلاث مراحل، المرحلة الأولى: ظهر فيها الجيل الأول من هذه المنظمات، الذي اعتمد على فكرة تقديم مساعدات تقليدية للفقراء. أما المرحلة الثانية فهي التي ظهر فيها الجيل الثاني من منظمات تطوعية تهدف إلى تقوية اعتماد الشرائح الفقيرة على نفسها من خلال إكسابهم مهارات جديدة (تأهيل، تدريب، توفير فرص عمل). وأخيراً المرحلة الثالثة: التي أفرزت جيلاً ثالثاً من المنظمات قادراً على التأثير على مخرجات سياسة التطوع العامة، وطرح نماذج للعمل التنموي قادرة على التأثير في البيئة الاجتماعية والثقافية. إن الشباب «ذكورا وإناثا» يملكون طاقاتٍ رهيبة ومهاراتٍ متنوعة عديدة.. سخروها في خدمة مجتمعهم بتشكيل فرقٍ تطوعية.. بعضها استظل بمنظمات رسمية.. وبعضها فضل العمل وحيداً ضارباً هنا وهناك ضرب عشواء..! هادراً لطاقاته وطاقات فريقه ما جعله هدفاً لاستغلاله بواسطة جشع بعض الشركات التي تبحث عن توفير المال في استخدام غطاء التطوع لسد حاجتهم في القوى العاملة..! إحدى الظواهر السلبية في العمل التطوُّعي هو نزوع الفرد إلى التهرُّب من لعب دورٍ محدد واللجوء إلى القيام بعدة أدوار تدخل ضمن مسؤوليات الغير. إن العمل التطوُّعي لو ترك على الطريقة العفوية فحسب فإن العمل سيتحوَّل إلى فوضى، وتصبح الأهداف غامضة ومتقلِّبة، وتصبح مسيرة العمل التطوعي بعد ذلك عرضة للتغيير المتكرر للأهداف والاتجاهات، ويمكن لأيِّ شخص أن يَحْرِفَها عن هدفها الأصلي حسب نفوذ الشخص والجهد أو المال الذي يبذله، فهي بذلك تسير تحت رحمة إهداء الأشخاص لأوقاتهم وأموالهم. فإن اتخذت النظام المؤسسي، ستجد أن كل خطواتك مدروسة وأن كل تحركاتك ضمن خريطة معروفة الاتجاهات، ومشاكلك قد حلت لانك تملك النظام اللازم. إنه لمن الرائع أن يكون لديك طاقة إيجابية وتريد تسخيرها في الخير.. لكن الأروع أن تقنن عملك وترسم خطوطك العريضة وتضع أهدافك البعيدة موسومةً برؤيةٍ ورسالةٍ واضحتا المعالم..!ّ والأهم من ذلك كله أنك ستصل إلى "الاستدامة" المفقودة في أغلب مشاريعنا التطوعية، التي تعلمت عنها الكثير بواسطة أستاذي الدكتور سالم الديني رائد التطوع في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. كما تعلمنا من قدوتنا للتطوع , حبيب المتطوعين "عمو نجيب" الأستاذ الفاضل: نجيب الزامل الذي أجد في لقائه كل مرة أنني أصبحت إنساناً أفضل لعلمه الواسع وعقله اليانع. نحن محظوظون بكل تلك النماذج، لكن علينا العمل بمهنية وإنتاجية.. حتى لا تكون الطاقات مهدرة والجهود ضائعة.. ولدينا الآن الموجه الاكبر.. جمعية العمل التطوعي بأمينها الرائع الأستاذ محمد البقمي التي أحدثت نقلة في نظام العمل التطوعي التي ننتظر منها الكثير في المستقبل. وفي الختام أهمس في أذنك: تطوع لتجد نفسك..! مهتم بالعمل التطوعي والتنمية الاجتماعية