في إحدى مراجعاتي لقسم الطوارئ بمستشفى الظهران رأيت شبه انسان منكسا رأسه على يده اليسرى، سلمت فلم يرد السلام، فقلت لمرافقه من هذا؟ قال: هذا الأستاذ فهمي بصراوي، قلت: أريد ان أسلم عليه قال: إنه لا يستطيع، فهو لا يرى ولا يتكلم الا بصعوبة، فأسفت لذلك ثم دخلت لعيادة الدكتور المكلف بالكشف علي، الا أن مرارة الأسف لم تفارقني عدة أيام، الا أن مرضي ومراجعتي للأطباء حالا دون أن أكتب شيئاً عن فهمي بصراوي، وتليفزيون أرامكو وأيامنا الجميلة التي نتسامر خلالها أمام تلك الشاشة الساحرة، منذ بدء البث في الساعة الرابعة الى نهايته في الساعة الثانية عشرة. فمن هو فهمي بصراوي؟ يجيب المحرر، ارتبط اسم فهمي بصراوي بالبدايات الأولى لتلفزيون أرامكو تلك القناة التي عايشناها في أيام الشباب، واستمتعنا بالعديد من برامجها الثقافية والاجتماعية، مثل: المسابقة الثقافية بين الشباب في الظهران وبقيق ورأس تنورة، وكذلك برنامج «تعلموا العربية» ثلاث مرات في الاسبوع، كما اضطلع بإعداد وتقديم برنامج لتعليم اللغة الانجليزية، وطيلة المدة التي كان فيها فهمي بصراوي - يرحمه الله - يقدم العديد من البرامج الثقافية كان يبرهن عن عقل متفتح للثقافة وجدارة اعلامية سبقت العصر، ونحن نتذكر فهمي بصراوي فإن هذه الذكرى تذكرنا بعدد من نجوم التليفزيون: اسماعيل الناظر كان يقدم زاوية ثقافية (يتحدث فيها عن أحد الكتب الأدبية) وعيسى الجودر - ان ذكر الأستاذ عيسى الجودر يذكرني بتلك الأمسيات التي يقدم فيها التليفزيون المصارعة الحرة مرتين في الأسبوع، ففي تلك الأمسيات يقوم عبده اليماني - صاحب المقهى القريب من منزلنا بالخبر - بصف الكراسي التي يشغلها عشاق المصارعة الحرة، وما يصاحبها من عبارات التشجيع؛ ظناً أن المتصارعين يسمعون تشجيعهم - وعلي حسن قناديلي يقدم برنامج «فنجان قهوة» يجري خلاله محادثات ثقافية، كما يذكرنا بتلك البرامج التثقيفية والمسلية والمحبوبة في الوقت نفسه. وأحسن ما كان في تلك الفترة ان التليفزيون يفتح الساعة الرابعة عصراً، ويغلق الساعة الثانية عشرة ليلاً، بمعدل 8 ساعات. ويمتد شغف فهمي بصراوي بالهم الثقافي حوالي واحد وعشرين عاماً، وهو يعد ويقدم البرامج التي اختار العمل عليها.. كانت تلك المبادرات إحدى ركائز التنوير الذي يجذب الشباب للعمل على بصيرة علمية، تؤهلهم لخوض غمار الحياة العملية على أسس من المعرفة باللغة؛ للابتعاث الى لبنان للحصول على شطر من التعليم الجامعي، فيعود بعضهم وهم يحملون شهادة التأهيل للأعمال التي تعدها لهم شركة أرامكو، تلك العلامة الفارقة في تاريخ المملكة العربية السعودية التي أصبحت أهم معالمها الحديثة؛ لما لها من إسهام في تنمية الثقافة والاقتصاد والعمل الجاد الموسوم بالانضباط الذي أصبح مثالاً يحتذى به في كل شأن من الشؤون التي تتطلب عقلية متفتحة. يرحم الله فهمي بصراوي، فقد كان من اوائل من وضعوا تلك اللبنات التي أسست عليها مسيرة التثقيف والتعليم الحديث، ليفصح عن عشقه لكل ما هو منير للوطن والمواطنين.. لقد كان فهمي بصراوي - يرحمه الله - مدرسة من مدارس التنوير الثقافي لموظفي أرامكو، وللمواطنين الذين يتمتعون بمشاهدة الشاشة الصغيرة في تلك الحقبة المبشرة بالخير، ويستفيدون من المعلومات الدورية التي تصورها شركة ارامكو لموظفيها (قافلة الزيت) باللغة العربية و(الشمس والوهج) باللغة الانجليزية 1922-2012م. * المدير العام لوكالة هجر للإعلام