هناك من يقترض من الآخرين بحكم الحاجة والضرورة, لكنه يفعل ذلك مصحوبا بنية السداد وهناك نوع آخر من المدينين يعرضه لنا الكاتب وهم الذين يستدينون من اجل شراء اشياء غير ضرورية او السياحة في بلاد العالم او غير ذلك مما لا يمثل حاجة ضرورية, وهؤلاء يراكمون الديون دون النظر الى غدهم والى ضرورة رد الاموال الى أصحابها. أخذتني الدهشة وانا استمع للشيخ الراحل محمد بن عثيمين - رحمه الله - وهو يجاهد خاطر مستمعيه ليقنعهم بخطورة الدين على الدائن, وان المدين اذا لم يجد سوى الماء الذي يتطلبه الوفاء بالدين, فإنه لا يحج حتى يوفيه، وهنا يتبادر سؤال: ولو أن صاحب الدين سمح للمدين، فاذا بالشيخ يجيب دون سؤال بشفقته على المدين شفقة ابوية دافئة, تستشف منها جواز ذلك, ولكن يعود يلح على المستمعين ألا يذهب المدين للحج حتى لو سمح له الدائن لان الدين سوف يبقى في رقبته, بينما لو انه وفى بنفقة الحج التي اراد الخروج بها بعض دينه لنقص هذا الدين على الاقل. يا شيخنا.. هناك من لا يبالي بما قلت. هو مدين.. ولكنه اكثر الناس اسرافا وتبذيرا, يطرق ابواب الناس ليلبس هو وزوجته واولاده ما لا يلبس الدائن واهله. ويمد يده لفلان وعلان ليسافر الى بلاد المشرق والمغرب, ليستمتع بعرق الاخرين وتعبهم. ويحرج أرحامه واقاربه خلال بناء بيته, ليبني ما لم يجرؤ احد على بناء مثله من قومه وامثاله. ويركض خلف كل اعلان تخفيضي (ليستفيد) من تقسيط مريح.. يوصل الى موت اسري غير مريح ليمتلك (وهما) سيارة فاخرة ما كان لمثله ان يركبها لولا قصور تصوراته وضعفه في التخطيط الصحيح لميزانية الاسرة المظلومة تحت سلطته الخيامية!! لو تصور مثل هذا راتبه لوجده هلاميا لاحقيقة له.. فمعظمه تناوشته رياح الاقساط الرقطاء، التي روجت لها شركات تقوم على اساس تكثير العملاء، وزيادة المبالغ الاضافية على السلعة مقابل التقسيط (المريح)، ثم توظف لها من يقاضي هذا ويجادل ذلك، ولا بأس عندها من فوات بعض الاموال عند بعض عملائها، لأن عملاء (أذكياء جدا) آخرين سوف يقومون بدفع ما يفوت الشركة من اولئك عن طريق (التقسيط المريح) الذي قد يستمر سنوات وسنوات.. اذا كانت فواتير الهواتف وحدها اصبحت تمثل مالايقل عن عشر او خمس الراتب (المسكين) فكيف ببقية الفواتير، ومصاريف الجيب لجميع افراد العائلة، وعلى نصفه محول في الأساس الى شركات السيارات والأثاث.. فماذا تبقى للمعيشة الضرورية؟! وليتصور أحدنا انه قد حان أجله، وقد حمل ظهره ألوف الريالات.. فمن سيتحمل كل نزواته ورغباته وشهواته؟! ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال لسعد حين اراد الوصية باكثر من الثلث وليس له الا ابنة واحدة (إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس..!!) وهل منا احد يمتلك حياته؟! إنني اكره البخل وأنفر من اهله، ومستحيل ان يفهم أنني هنا آمر به!! ولكن اكره هذه الموجة المندفعة الى فوهة بركان، حين تحول المجتمع أو غالبه الى قسمين مدين ودائن، وما حدث جراء ذلك من سجن المدين بسبب عجزه عن الوفاء بدين حل موعد الوفاء به، حتى اضطر المجتمع الى تكوين لجنة للوفاء بديون المعسرين، ويا ليت ان هذه الديون للضرورة، ولكن أكثرها في الواقع مرفهات وكماليات، وتهور في تجارة دون دراسة الجدوى.. وغرر شديد في تتبع كل دعاية مدروسة بدهاء للتأثير على العقول والقلوب، أو الاستجابة الساذجة لمطالب الاسرة دون حساب ولا روية. واكره اكثر من ذلك الاستهتار بالدين، وتأجيل الوفاء به، والهروب من وجه الدائن باية حجة كانت، حتى يبقى الدائن (واعني به هنا صاحب القرض الحسن، وليس المرابي بالطبع الذي يحارب الله ورسوله) يبقى هذا الدائن الذي أراد المعروف حسيرا على امواله، لا يدري بموقف صاحبه، هل هو ذاكر لحقه ام ناس له؟! متردد في تذكيره بسبب الحرج الاجتماعي الذي يكتنفه! فمتى سيعي المجتمع خطورة (تراكم الديون) على مستقبله؟!