تتجول الممحاة بين سطورها.. وتعالج الكلمات بالقتل. من قصيدة (أقلام) للدكتور عبدالله الوشمي، يتحول المحو لديه إلى رؤية وفلسفة تكبر حتى تأخذ صيغاً أخرى حسب تعبيره قد ترى من يتجرأ وبكل سذاجة على أنه لم تطأ القمر رجل إنسان، وأن هذه خدعة قام بها من يعتقدون أن بقية العالم... أغبياء!!! هو نفسه قد يقف حائراً أمام كتيب إرشاد لتركيب شيء ما ابتاعه، لا يعرف إلا الهدم، يلغي، يسدل الستار، ينفي، حدث جميل ما قد حصل. لديك أنت أيضا سطور لم تحاول كتابتها هناك يحلو لهم محو ما يبنيه الآخر، وفي خضم ذلك، لا يلتفت من يبني لمن خلفه فهو مشغول، مهتم، منكب، يسطر حياته بحبر لا تستطيع أي ممحاة محوه، فالحبر الحقيقي الذي مداده التجارب والقيم والمعرفة، يختلف عن ذلك الحبر الذي أشبه ما يكون بالحبر السري، الذي يتلاشى بعد فترة، فالخرافة تمحو نفسها بنفسها، السطور التي بذاكرتهم تلاحقهم، تخيفهم، يبحثون عن ممحاة تلغيها من ذاكرتهم. هذا المشغول ينكب في مسائه على تذكر أيامه النقية، يلون بها أمسية باتت منذ مئات الأمسيات من وراء الأفق، ذاك الأفق البعيد الذي نسجت فيه تلك الضحكات والإشراقات التي أضاءت له تلك الأمسيات، في أمسياتهم يضغطون بتلك الممحاة القبيحة على نفس تلك الأيام، القصص التي تميزه. ما هذه الممحاة التي تطال كل شيء جميل، إن الذاكرة العبقة لسطورها أجنحة.. لا تستطيع أي ممحاة أن تمحوها.. قد ترون ممسكي الممحاة حولكم، بل هم قد يشبهون ملامحكم، ربما قد تدفأوا بموقدكم وقت زمهرير الشتاء. تلك السعادة البسيطة التي تلجأ اليها، كاحتياطي تقتات منها لتشعر بالحبور، هذا الاستلاب لما تملكه من يسطو عليه؟ اليد التي تمحو الخير ليس لشيء يضرها، إنما أنه يذكرها بما في جعبتها من الشرور، هي نفسها اليد التي سيؤلمها شدة الضغط من محاولات المحو تلك. تلك اليد المتألمة لن تدون شيئا جميلا. ألا تعلم أن الذكريات هي التي تصنع الآمال، لماذا تمحوها؟ ألا توقن أن الذكريات الأولى البريئة آخر ما يتبقى في ذهن الإنسان الهرم. أنت يا مشتغل بالمحو من علق ذكرياتك في أنحاء حياته، يحاول تطريزها، يجمل كلماتك الملغمة، يحاول تجاوزها، ألا تملك غير الممحاة لتعلو.. ألا تشير لتلك الذكرى المنحوتة الماثلة أمامك وتقول الحقيقة، الحقيقة فقط، قد تكون غير جديرة بالحديث عنها، إلا أنها الحقيقة، قد تعتقد أنها تسيء لك، إلا أنها لا تخفى عن غيرك، لماذا تعتبر أنك البقعة المظلمة؟ لديك أنت أيضا سطور لم تحاول كتابتها.. ربما كنت مشغولا بالمحو... ألا تعيرني تلك الممحاة لأفعل بدوري ما فعلته طوال عمرك، لبضع دقائق فقط أريد استعارتها؛ لأمحو هذا الذي تعلق بذاكرتي وانت تضغط على الممحاة، لأمحو صريرها على القرطاس، ويا له من صرير جريء.. حاد.. مسنن. وأنت..ألا تمسك بالقلم، لتخط عبارة بسيطة جدا، ومعبرة جدا، سأعينك على خطها..وبكل صبر.... أيتها الذاكرة التي تحمل لنا عبق الذكريات... شكرا.