أدت الأمطار الغزيرة في الصين في مايو (أيار) الماضي إلى إتلاف المحاصيل، بعد أن دفعت ثلاث سنوات من المطر القليل للغاية بهذا البلد إلى أن يصبح مستورداً صافياً للذرة بعد أن كان ثاني أكبر منتج في العالم. وسيعمل الطقس الجاف في الولاياتالمتحدة على تقليص ناتج لحم البقر من أكبر منتج في العالم ليسجل أدنى مستوى منذ عام 1994، في أعقاب محصول الذرة الوفير في عام 2013، الذي دفع بالمخزون الأمريكي إلى الأعلى بنسبة 30 في المائة. وفي بريطانيا لم يتمكن الزراع من الزراعة في الحقول الموحلة بعد أن أدت ثاني أكثر السنوات إمطاراً في عام 2012 إلى الإضرار بإنتاج القمح في البلاد. يقول بيتر كيندال، رئيس اتحاد الزراع الوطني في بريطانيا، الذي يزرع 1600 هكتار (أي حوالي 16 كيلومتراً مربعاً) من القمح: «حالات الطقس الشديدة هي مخاطر ضخمة بالنسبة للزراعة، يستطيع الزراع أن يتكيفوا مع الزيادات التدريجية في درجات الحرارة، لكن الحالات الشديدة تنطوي على إمكانية الإضرار التام بالمحصول، ويمكن أن تكون على شكل جفاف، أو الأمطار الغزيرة، ويمكن أن تكون درجات الحرارة الشديدة في الوقت غير المناسب. إن ما يسبب الأذى هو الحالات الشديدة». قبل يومين اجتمع وزراء الزراعة من مختلف أنحاء العالم في برلين لمناقشة التغيرات المناخية وإنتاج الطعام في منتدى زراعي سنوي، وسيصدر عن الاجتماع بيان مشترك. الغزو القطبي أنماط الطقس المتغيرة، مثل موجة الهواء القطبية التي دفعت درجات الحرارة في نيويورك من درجة دافئة بصورة غير عادية مقدارها 13 درجة مئوية في السادس من كانون الثاني (يناير) إلى 16 درجة مئوية تحت الصفر في اليوم التالي ستصبح من الأمور العادية، وفقاً لمعهد معلومات التأمين في نيويورك. وفي حين أن العالم ينتج من الغذاء ما يكفي لتزويد سكانه البالغ عددهم 7 مليارات شخص بحوالي 2700 سعرة حرارية يومياً، ويتراجع الجوع في مختلف أنحاء الأرض، إلا أن واحداً من كل 8 أشخاص لا يحصل على كفايته من الطعام. وقالت الأممالمتحدة إن بعض السبب في ذلك يمكن أن يعود إلى الجفاف. قال روبرت هارتويج، وهو اقتصادي ورئيس معهد التأمين: «في حين أن هناك حالات من التغير والتقلب من سنة لسنة، إلا أنه لا شك أن عدد حالات الطقس الكارثية وتكاليفها هي في ازدياد، وليس فقط في الولاياتالمتحدة، وإنما على نطاق عالمي. من المؤكد أن حجم ومقدار وتكرار الخسائر من الكوارث في المستقبل سيكون أكبر مما نراه اليوم». في السنة الماضية، ارتفع عدد الحوادث والزلازل التي أدت إلى خسائر مؤمَّنة إلى 880، أي أعلى بنسبة 40 في المائة عن متوسط الأعوام الثلاثين السابقة، وفقاً لشركة ميونيخ ري، وهي أكبر شركة في العالم لإعادة التأمين. المزيد من كميات سقوط الأمطار تشير الأبحاث إلى المتهم الرئيسي، وهو زيادة غازات الدفيئة، التي تتولد بفعل نشاط البشر وتؤدي إلى احترار كوكب الأرض، كما قال توماس بيترسون، العالم الرئيسي في المركز الوطني لبيانات الطقس في الولاياتالمتحدة. وكلما ازدادت حرارة الهواء، ازدادت كمية الماء التي يستطيع حملها. وقال بيترسون: «نحن نشهد ارتفاعاً على مستوى العالم في كميات كثيفة من سقوط الأمطار». قالت شركة ميونيخ ري إنه في أيار وحزيران (مايو ويونيو) وصلت مياه الفيضانات في باساو في ألمانيا إلى أعلى مستوى لها منذ العام 1501، وكانت هذه هي السنة التي بدأ فيها مايكل أنجلو بنحت تمثال الرخام الذي سيصبح داود، وتسببت المياه العالية بأضرار بلغت قيمتها 15.2 مليار دولار في أجزاء من أوروبا الشرقية والوسطى. وفي عام 2012 شهدت المملكة المتحدة ثاني أعلى معدل هبوط للأمطار منذ 1910، وفقاً لمكتب الأرصاد الجوية البريطاني. وشهدت إنجلترا وويلز ثالث أكثر سنة ماطرة لها منذ العام 1766. البرد في الصين كانت ظواهر طقسية في أماكن أخرى متقلبة بصورة مماثلة. في عام 2010 ارتعشت الصين من ثاني أبرد شتاء لها منذ نصف قرن على الأقل، وبعد ذلك بثلاث سنوات اختنقت شنغهاي نتيجة لأكثر فصول الصيف حرارة منذ 140 عاماً، وفقاً لمكتب الطقس في المدينة. وفي عام 2011، ضربت معدلات فيضان قياسية نهر المسيسيبي، وفي السنة التالية أدى المستوى القياسي المتدني من المياه إلى توقف حركة كثير من صنادل نقل البضائع، ما أضر بتدفق الفحم الحجري والمواد الكيميائية والقمح. ظهرت آثار هذه التقلبات في أسعار المواد الغذائية، وخلال السنوات الثلاث الماضية، ارتفعت أسعار مواد كثيرة، كان على رأسها عصير البرتقال، والذرة، والقمح، وفول الصويا والسكر. وفي حين أن النسبة المئوية لعدد الجوعى بين سكان العالم تراجعت بمقدار 12 نقطة مئوية في السنة الماضية، بعد أن كانت 19 في المائة في عام 1992، وفي حين أن التضخم في أسعار المواد الغذائية يشهد حالة من التراجع، إلا أن الزراعة عرضة لحالات الطقس الشديدة والتغيرات المناخية، وفقاً لتقارير من الأممالمتحدة. تقلبات الأسعار أدت المحاصيل القياسية من الهند إلى البرازيل إلى الولاياتالمتحدة إلى توسيع العرض، ودفعت بأسعار الذرة وفول الصويا والقمح والسكر والقهوة إلى التراجع في الأسواق. وفي السنة الماضية هوى مؤشر ستاندارد أند بورز وجولدمان ساكس لأسعار السلع الزراعية لثمانية أنواع من المزروعات بنسبة 22 في المائة، وهو أكبر هبوط سنوي منذ عام 1981. وقد تراجع المؤشر في عام 2014 بنسبة 0.8 في المائة. لكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ألقى بحوالي 44 مليون شخص في براثن الفقر من حزيران (يونيو) 2010 إلى شباط (فبراير) 2011، حسب تقديرات البنك الدولي. ووفقاً لبيانات الأممالمتحدة فإن السنوات الثلاث خلال العقدين السابقين التي ارتفعت فيها أسعار الطعام العالمية إلى أعلى مستوى لها وقعت بعد عام 2007. ويُلقى بعض اللوم في ذلك على الجفاف المرتفع تاريخياً والذي أصاب 4 قارات خلال السنوات الخمس السابقة. قال فيل سادلر، وهو مزارع في تكساس: «حين يضرب الجفاف فإنه يؤذي الجميع. ليس من الضروري أن يكون الجفاف في بلدك حتى تشعر بوقعه عليك». مسحوق الحليب أعلنت السلطات في عام 2013 أن القحط أصاب كامل منطقة نورث آيلاند في نيوزيلندا، وهي أكبر مُصدر في العالم لمنتجات الألبان، وكانت بعض المناطق تعاني من أعلى نسبة من الجفاف منذ 70 سنة، وفقاً للحكومة. ودفع هذا بأسعار مسحوق الحليب كامل الدسم إلى رقم قياسي في نيسان (أبريل) في السنة الماضية في مزاد جلوبال ديري تريد في جمعية فونتيرا التعاونية. وفي عام 2012 شهدت إسبانيا أكثر شتاء جاف لها وأكثر صيف جاف لها منذ عام 1947 على الأقل، ما دفع بمعدلات إنتاج زيت الزيتون والعنب إلى أدنى مستوى لها منذ عقد من الزمن. هذه التقلبات العنيفة للطقس خلال السنوات القليلة الماضية أقضت مضجع المنتجين الزراعيين، كما يقول روس بيرنِت، الذي يزرع القطن في ولاية كوينز لاند في شمال شرقي أستراليا. وتعتبر هذه المنطقة أكبر مناطق أستراليا لإنتاج السكر ولحم البقر، وقد أصيبت بالجفاف في أعقاب الفيضانات التي وقعت في العامين 2010 و 2011، وكان الأمر في غاية السوء إلى درجة أنه أوقف الارتفاع المتواصل في مستويات سطح البحر حول العالم، وفقاً للمركز الوطني لأبحاث الطقس في الولاياتالمتحدة. وقال بيرنِت: «الجانب المتغير للأمور هو أصعب ما فيها، فهذا الأمر صعب بالنظر إلى أن الوضع يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها».